الرهاب السُني من تخطئة الحسين في خروجه على يزيد

الموقف العاطفي الذي يلبس ثوب الشرع، تجاه خروج الحسين فيه على أمير المؤمنين يزيد رحمه الله، الذي وصل بجبل كثير من السنة حد (الرهاب) من تخطئته. والاستثمار السياسي للحدث من قبل الطامحين للسلطة من العلويين والعباسيين من قبل، ثم الشيعة من بعد.. أحد الشقوق في جدار السنة. وهذا الشق أو الفتق يعبر عن نفسه من خلال الظواهر التالية:


١. تعامل عامة الجمهور السني خصوصا في البلدان المبتلاة بالتشيع مع الموضوع تعاملا عاطفياً يبتعد عن العقلانية: الشرعية منها والسياسية.

٢. التسابق الإعلامي والاجتماعي في استعراض الانحياز للحسين ضد يزيد، وكأنهم ينطلقون من عقدة نفسية جمعية تكونت وترسخت بفعل اتهام الشيعة المستمر للسنة بأنهم يبغضون أهل البيت؛ فهم لا يتوانون عن دفع التهمة عن أنفسهم باللجوء إلى طرح أكاذيب الشيعة: كلا أو جزءا. ثم لم يلبثوا أن صدقوها وشرعوا في تبنيها ! في ظاهرة تشبه الظاهرة المتولدة عن عقدة البشرية تجاه تهمة (اللاسامية). وهذا لون من ألوان التشيع اسمه التشيع الثقافي، وهو أول الوهن، وأخطر المسالك المؤدية إلى التشيع العقائدي متى ما تهيأت الظروف المناسبة من ترهيب وترغيب ودعوة وتثقيف. وجمهور السنة اليوم يرزح تحت هذه الأجواء الضاغطة الموبوءة. والله المستعان!

كنت يوما، قبيل الغزو الأميركي بقليل، مدعوا عند صديق على عشاء. كان أحد الحضور أخا لصديقي، وهو ضابط مخابرات. ما عدت أذكر مناسبة الحديث التي دفعته لأن يقول : نحن الذين نستفز الشيعة ونجعلهم متعصبون لمذهبهم ويصدر عنهم ما لا نرضاه. ولما بينت له أن الأمر معكوس تماما، ذكر لي شاهدا من شواهد ذلك (الاستفزاز).


قال: كنت يوما في سيطرة التفتيش التي عند مدخل الرمادي، توقفت سيارة (سوبر فيها مجموعة من إخواننا أهل الجنوب، خاطبنا الذي كان يقود السيارة: لماذا تستفزونا نحن الشيعة؟ ولما استفسرنا عن سبب الاستفزاز، قال: رأينا مسجده في الرمادي اسمه (مسجد معاوية بن أبي سفيان)! قال: فلم ندر كيف نرد عليه!

ابتسمت وقلت للضابط: وما شأن القائل بما نفعل نحن السنة في مناطقنا بما يتناسب وعقائدنا وثقافتنا؟ هلا قلت له: وماذا عن شارع الطوسي في النجف؟ (ولعلني ذكرت له نهر ابن العلقمي في كربلاء؛ فقد مر على هذا الموقف قراب عشرين سنة) ثم إن معاوية صحابي، ونحن نجل الصحابة ولا نرضى بالإساءة إلى أحد منهم؟ فأجاب الضابط: أليس معاوية والد يزيد؟ قلت: لو افترضنا أن الابن أخطأ فما علاقة الأب بفعل الابن؟ ثم ما فعل يزيد؟ قال باستغراب: ألم يقتل الحسين؟ قلت: وهل قتله وهو يمشي في الشارع، أو دخل عليه بيته وهو جالس بين أهله فقتله؟ لقد قتل الحسين في معركة ضد الدولة. شيء

طبيعي أن يكون القتل مصير من فعل هذا حين لا يقدر للأمر قدره فاستعد له الاستعداد المطلوب. انظر إلى مصير طلحة والزبير حين خرجوا على علي! وهما خير من الحسين، وعلي خير من يزيد.

وطال السجال، وكان مما قال: هذا الحسين! ابن بنت الرسول! عندها نثرت كنانتي وتخيرت منها سهمي الذي لا يخيب، ذلك الذي أدخره لمثل هذا الجدل الذي لا ينتهي. وقلت له: هل تستطيع أن تجيبني على هذا السؤال ؟ لو أن الحسين في زماننا، الحسين ابن بنت الرسول، ما غيره، خرج على السيد الرئيس حفظه الله ورعاه.. مع من ستكون : مع السيد الرئيس أم مع الحسين؟

كان المجلس عامرة بالحضور من بيوت وأماكن شتى. لم يتأخر الضابط فإذا هو يقول، وليس أمامه من خيار إلا أن يقول : يخرج على السيد الرئيس ! والله لو كان جد الحسين، مو الحسين، لقتلته! قلت: قضي الأمر، ما عندي ما أضيفه. وسكت الضابط!

هذا الرجل ليس بدعة من أهل السنة عندنا، بل مثله الكثير! والمواقف المشابهة لما ذكرت آنفا كثيرة. ولعلني أورد أحدها في نهاية الموضوع.

ليس من شريعة الله أن يستثنى من حكمها أحد ؛ لأنه من أقرباء النبي ا

أود طرح سؤال لا بد من الإجابة عليه قبل كل شيء: هل شريعة الله تعالى يستثنى منها أحد، أم تعم بحكمها الجميع: الحسين فمن سواه؟

فإذا كان الحسين تنه له استثناء خاص- كما هو لازم قول من لا يخطئه - لنا أن نسأل : فما وجه هذا الاستثناء؟ وإذا كان الحسين أمام شريعة الله هو وغيره سواء فندخل في الموضوع على هذا الأساس. وإلا فأنصح المقدسين والمعصمين أن لا يستمروا في قراءة ما أقول.

خطأ الحسين في خروجه على يزيد

لو افترضنا أن الحسين ته كان مصيبة في خروجه، لكن - بناء على النظر في الأدلة - حكمنا بتخطئته، مع حبنا واستغفارنا له.. هل يكون المخطئ ارتكب مخالفة شرعية تصل به حد الوصم بتهمة النصب؟ فعلى أي أساس؟

ولو افترضنا أن الحسين هو المخطئ، فمن من المخطئين ارتكب ذنباً أكبر من الآخر: من ترتب على خطئه سفك دماء مسلمين وتصدع جدار وحدتهم وحروب لا تحصى ولا تنتهي؟ وهذا حاصل بالنسبة للحسين. وإنكار حصوله مكابرة واضحة. أم من لم يزد على وصف الآخر بأنه أخطأ دون حدوث أي شيء من ذلك كله ولا ما دونه؟ |

والآن ندخل في الموضوع.

إن تخطئة الحسين في خروجه على يزيد، مسألة تدخل في باب السياسة الشرعية وأصولها وقواعدها وأدلتها. فعلى أي شيء ينفتح لنا ذلك الباب من أحكام؟ على شرط أن تنطبق الأحكام على الجميع: الحسين وغيره.

إن الخروج على الحاكم الشرعي لا يجوز من الأصل: لا شرعا ولا عقلا.

إن النصوص التأصيلية العامة، وكذلك الخاصة بالواقعة متوافرة. فليس على من اتبعها من حرج، حتى لو أخطأ الحكم، ما دام خالية من شوائب البغض أو التفسيق أو إطالة اللسان، دعك من التكفير.

إن طاعة الحاكم (ولي الأمر) منصوص عليها في كتاب الله، فضلا عن سنة رسول الله: (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) (النساء:۱۹). وذلك يستلزم النهي عن معصيته؛ فإن من عصاه لم يطعه، والخروج عليه بالسلاح أعظم العصيان!

وروى البخاري بسنده عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من رأى من أميره شيئا فكرهه فليصبر، فإنه من فارق الجماعة شبرا فمات، إلا مات ميتة جاهلية). ورواه مسلم في (صحيحه) بلفظ (من كره من أميره شيئا، فليصبر عليه، فإنه ليس أحد من الناس خرج من السلطان شبرا، فمات عليه، إلا مات ميتة جاهلية). وفيه ما ينزل هذا الحديث على ما نحن فيه بوضوح، وهو الخروج على يزيد. إذ روی بسنده عن نافع، قال: جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع حين كان من أمر الحرة ما كان، زمن يزيد بن معاوية، فقال: اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة، فقال: إني لم آتك لأجلس، أتيتك لأحدثك حديثا سمعت رسول يقوله: سمعت رسول الله يقول: (من خلع يدا من طاعة، لقي الله يوم القيامة لا حجة له، ومن مات وليس في عنقه بيعة، مات ميتة جاهلية).

وفي (صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود، قال: قال لنا رسول الله : (إنكم سترون بعدي أثرة وأمورا تنكرونها) قالوا: فما تأمرنا یا رسول الله؟ قال: (أدوا إليهم حقهم، وسلوا الله حقكم). وفيه أيضا عن عبادة بن الصامت، قال: دعانا النبي فبايعناه، فقال فيما أخذ علينا: (أن بايعنا على السمع والطاعة، في منشطنا ومكرهنا، وعسرنا ويسرنا وأثرة علينا، وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواح، عندكم من الله فيه برهان).

وروى مسلم في (باب حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع) بسنده عن عرفجة، قال: سمعت رسول الله يقول: (من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد، يريد أن يشق عصاكم، أو يفرق جماعتكم، فاقتلوه)، وفي لفظ (إنه ستكون هنات وهنات، فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع، فاضربوه بالسيف كائنا من كان).

وفيه عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله : (إذا بويع لخليفتين، فاقتلوا الآخر منهما). وفي (باب وجوب الإنكار على الأمراء فيما يخالف الشرع، وترك قتالهم ما صلوا، ونحو ذلك) عن أم سلمة، زوج النبي ، عن النبي أنه قال: (إنه يستعمل عليكم أمراء، فتعرفون وتنكرون. فمن کره فقد برئ، ومن أنكر فقد سلم، ولكن من رضي وتابع). قالوا: يا رسول الله، ألا نقاتلهم؟ قال: (لا، ما صلوا).

والنصوص على هذا كثيرة.

سيقال – وقد قيل - كيف تقول هذا عن الحسين ! كيف تساويه بالخوارج؟ أهذا قدر الحسين عندك؟ وتنثال التهم، ومنها تهمة النصب! |

على المسلم - أولا - أن لا يأبه لأمواج الزبد فإنها جفاء. ويثبت كعبه في ميدان الحجاج؛ مادام في يده سلاح الشرع. ويواجه هذا الغثاء العاطفي بكلمة الله الطيبة التي

أصلها ثابت وفرعها في السماء) (إبراهيم: ۲۶). وسؤال واحد يكفي: هل الحسين مستثنى من حكم هذه الأدلة الشرعية؛ لكونه حفيد النبي ؟ فما وجه استثنائه في شريعتنا؟

وإذ لا جواب فقد قضي الأمر، وما تبقى فتفاصيل.

أدبنا مع الصحابة .. بل أدبنا مع الشريعة

لا بأس أن نأخذ قبسا آخر من نور النبوة، قول النبي في المرأة المخزومية التي سرقت فعاذت بأم سلمة زوج النبي : (والله لو كانت فاطمة لقطعت يدها). فعلى من يكيل لك التهم أن يجيب هو عن سؤاله، وليحتر هو بالتوفيق بين ما يقول وبين هذه الأدلة، لا أنت! فإن عجز فتقدم وقل:

نحن نعرف أدبنا مع الصحابة : كبارهم وصغارهم، وليس فيهم صغير. لكن علينا أن نعرف - قبل ذلك – أدبنا مع الشريعة. بهذه الثنائية التكاملية نثبت الحكم الشرعي دون نظر إلى الأشخاص، فنعرف المحق من المخطئ فلا نقع في ظلم نحاسب عليه أمام الله . ثم نستغفر للمخطئ ولا نذكره إلا بخير؛ فلا نصف صحابية بخوارجية؛ لأن ما صدر عنهم جميعا إنما كان عن اجتهاد. وهكذا هو موقفنا مع غيرهم ممن أخطأ عن اجتهاد. أما من أخطأ عن فساد فذلك له شأن آخر، كل بحسبه.

الأمر عندنا بهذا الوضوح الله الحمد، وبهذه البساطة. وهذا يكفي، لولا كثرة الشبهات بغير قصد أو بقصد.

قبس من نور السياسة الشرعية

أما من ناحية العقل والنظر في أسرار السياسة الشرعية فنقول:

.. خرج الحسين على يزيد/ ولي أمر المسلمين - هذا إن صحت الرواية في ذلك، وأنا أشك فيها من الأساس - بناء على أخطاء ارتكبها ومظالم اجترحها. ولنفترض أنه كان صائبة، ويزيد كان ظالما.. فإن ظلم الحاكم وخطأه لا يكفي مسوغ للخروج عليه ما لم يبلغ درجة الكفر. ويزيد لم يبلغ هذا.

۲. عندما يبلغ الحاكم درجة الكفر البواح يكون قد توفر للخارج عليه ركن واحد من أركان صحة الخروج. وهو ركن المشروعية. ويبقى رکنان آخران لا بد من توافرهما ليصح الفعل: شرعية وإجرائية. أولهما: ركن القدرة على تحقيق الهدف، وهو إزاحة الحاكم أو إصلاحه. وما لم يمتلك الخارج القدرة على الوصول إلى هدفه؛ كان فعله عبثا لا طائل من ورائه سوى سفك الدماء.

٣. والركن الثالث والأخير: هو النظر في مآلات الخروج وما يترتب عليه من أضرار بعد الوصول إلى الهدف. وما لم يحسب الخارج الأمور بدقة بحيث يكون ضامنة لأن يتم الأمر دون أن تترتب على فعله أضرار كبيرة كان خروجه فساد في الأرض لا يعلم مداه إلا الله! وهو الواقع سواء ما مضى منه في حوادث التاريخ، أو ما حدث لنا على عهدنا ومازلنا نعيشه واقعا كارثية مريرة لكل عواقب الخروج على الحكام بدءا بالعراق سنة ۲۰۰۳ فما بعده!

وبهذا وغيره ندرك أسرار الشريعة ومدى عمق حكمة نبينا في أوامره ونواهيه التي ورد مجملها في الأحاديث التي سقناها آنفا، لا كما يزعم المتعجلون من أهل الفتن جميعا.

خروج الحسين

لو طبقنا ما سبق من قواعد وشواهد على ما صنع الحسين تجاه يزيد نجد ما يلي:

1. لم يخرج الحسين على يزيد لخطأ ارتكبه، أو ظلم اجترحه أثناء خلافته؛ لأن اعتراضه على يزيد كان من قبل أن يتسلم منصب الخلافة بسنين.

قد يقال : كان الحسين يعلم أن يزيد يفعل المنكرات؛ ولهذا رفضه. فيقال: كل ما روي من ذلك، كشرب الخمر، لا يثبت. ولو افترضنا ثبوته فشرب الخمر لا يصلح مسوغا للخروج: لا شرعا ولا عق". وقول النبي : (وأن لا ننازع الأمر أهله، إلا أن تروا كفرا بواحا، عندكم من الله فيه برهان) واضح وحاسم في المسألة.

٢. لم يبلغ يزيد درجة الكفر، التي تسمح للخارج أن يشرع في التفكير بالخروج. ٣. لم يكن لدي الحسين القدرة على بلوغ هدفه. والواقع شاهد.

ولو افترضنا وجود الاستطاعة من حيث الوصول إلى الكوفة والسيطرة عليها، فإن هذه البلدة لا يؤتمن أهلها. وهي أم الفتن؛ فقد سكنها الفرس الذين عرفوا بحمراء الكوفة) منذ زمن سعد بن أبي وقاص، وهم أصل الفتنة فيها وفي العراق حتى اليوم. وقد جربهم الحسين من قبل فقتلوا أباه وحاولوا اغتيال أخيه؛ فكيف أمن لهم!

وعلى فرض أنهم نصروا الحسين فإن الوضع الجديد سيفتح على حروب لا نهاية لها. فبأي حق يجوز للحسين أو غيره أن يصنع هذا؟ والحديث في هذا يطول. وتفاصيل الرواية - على فرض صحتها - تسيء للحسين نه أكثر مما تخدمه؛ ولهذا أنا أشك فيها.

فرجل يخرج على إمبراطورية ممتدة من الصين شرقا حتى المحيط غربة، وليس معه سوی سبعين شابة بعدة وعتاد ومؤونة لم تكفه ساعة من نهار، وقد نهاه جميع من حوله من حكماء وفقهاء وكبار رجالات زمانه.. وفيهم فقيها الحرمين: ابن عمر وابن عباس. وهم أفقه من الحسين، وليس أقل منه تديناً ولا حرصا على إنكار المنكر (۱).. مثل هذا

1- ذكر د. محمد طاهر البرزنجي (صحيح تاريخ الطبري المجلد الرابع، مقتطفات من ص 66 فما بعدها) الروايات الصحيحة عن موقف كبار الصحابة من خروج الحسين وتعاطفهم معه مع مخالفتهم له. فعبد الله بن الزبير يقول له: (أين تذهب؟ إلى قوم قتلوا أباك وطعنوا أخاك؟). وعبد الله بن عباس استشاره الحسين فقال له: (لولا أن يزري بي وبك لنشبت يدي في رأسك)! وعلق الذهبي على قول سعيد بن المسيب: (لو أن الحسين لم يخرج لكان خيرا له) فقال: (وهذا كان رأي ابن عمر وأبي سعيد وابن عباس وجابر وجماعة سواهم وكلموه في ذلك). وروى البزار والطبراني عن الإمام الشعبي قال: لما أراد الحسين بن علي أن يخرج إلى أرض العراق أراد أن يلقى ابن عمر فسأل عنه فقيل: إنه في أرض له فأتاه ليودعه فقال له: إني أريد العراق فقال : لا تفعل... قال: فأبى فودعه وقال: (أستودعك الله من مقتول). وهذا هو رأي عبد الله بن عمرو بن العاص.

الرجل - حاشى للحسين - ينبغي أن نشك في قواه العقلية. ولو أقدم على ذلك رجل في زماننا تجاه أصغر دولة من دول العرب، كالبحرين، وقام بتجميع سبعين شابة في ساحة دوار الفاروق بما تهيأ من بنادق وأسلحة متوسطة وهجم يريد إسقاط الدولة لضحك الناس على عقله، وصار (فرجة) للمتفرجين! فكيف نصدق أن مثل الحسين يقدم على مثل هذه التمثيلية الهزلية!

4. ثم إنه لم يترتب على ذلك الخروج سوى الضرر المحض والفتنة والفرقة والمصائب والكوارث على تعاقب العصور وامتداد الدهور! | وجماع ذلك تجده في قول شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوی:

4۷۲/14

): (لا يجوز إنكار المنكر بما هو أنكر منه؛ ولهذا حرم الخروج على ولاة الأمر بالسيف لأجل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن ما يحصل بذلك من فعل المحرمات وترك واجب أعظم مما يحصل بفعلهم المنكر والذنوب).

شرعية خلافة يزيد رحمه الله

5. إن خروج الحسين على يزيد خروج على خليفة شرعي، وصل الخلافة بأعلى طرق الشرعية التي لم تتوفر في كمالياتها وتفاصيلها كما توفرت لغيره.

أ. لقد انتقلت الخلافة إلى يزيد بالاستخلاف من قبل الخليفة السابق. وهذا يكفي في شرعيتها، بل هو الأصل، وهو أعلى مستوى من مستويات سلامة وشرعية نقل السلطة سواء كان الخليفة أباه أو قريبه، هذه مسألة خارجية لا تؤثر في الانعقاد الشرعي لعقد ولاية الأمر. ومن يجهل هذا فليرجع إلى التأصيل الشرعي لنقل السلطة في الإسلام. ولينظر فيما كتبه منظرو السياسة الشرعية مثل (غياث الأمم في التياث الظلم)، لأبي المعالي الجويني، أو (النجم الوهاج في شرح المنهاج) لكمال الدين الأميري، و (فضائح الباطنية) لأبي حامد الغزالي. وغيرهم كابن حزم والماوردي والنووي.

وقد فعل ذلك علي مع الحسن، بل هو أول من استخلف ولده في تاريخ الإسلام. وهو أمر مشروع كل الشرعية. لكن كثيرة من (جماعتنا) يكيلون بمكيالين. هكذا انتقدوا معاوية، وأساءوا إلى يزيد بالفعل نفسه الذي فعله علي مع الحسن. وكان يكفيهم - على الأقل -

السكوت أو الاستغفار الواجب عليهم، لا أن يطيلوا ألسنتهم في بعض ويقدسوا بعض، ويجرموا فعلا يقدسون مثله ولا علة سوى اختلاف الفاعل مع توحد الفعل! وهذا تناقض؛ فإن الفعل إن كان مشروعا فلا تثريب على فاعله بصرف النظر عن هويته، وإن كان منهيا عنه فالإثم يقع على الفاعل كائنا من كان.

ب. فإن لم يتمكن الخليفة من الاستخلاف لأي سبب، كالموت المفاجئ، عُدل إلى أهل الشورى في عاصمة الدولة. وقد فصلت الأمر تفصيلا في كتاب (الخلافة المقدسة الملك الراشد خلافة على منهاج النبوة).

ويزيد أجمع عليه أهل الشورى في العاصمة دمشق، ولم يرضوا سواه بدي. والقرار الشرعي والسياسي بيد العاصمة. وكل الخلفاء الذين سبقوا إنما صدر قرار استخلافهم وتم الأمر في العاصمة: الخلفاء الأربعة الأول في المدينة، والحسن في الكوفة. وأما الأمصار فتبع للعاصمة. ولم ينتظروا في تولية أحد منهم بعد قرار العاصمة حتى تأتي الموافقة من الأمصار.

ج. ما فعله معاوية من زيادة على ذلك مثل استقدام أهل الأمصار إلى دمشق واستشارتهم قبل اتخاذ القرار، وذهابه إلى الحجاز لتوضيح الأمر لمن أشكل عليه.. إنما هو أمر سياسي إجرائي مما يفعله الحكماء الحلماء، لا أنه فعله من أجل تحقيق أو انعقاد شرعية ما أقدم عليه من استخلاف ولده.

وكان من نتيجة ذلك أن الأمة جميعا رضيت ولم يخالف في ذلك سوى اثنين: ابن الزبير والحسين. والحجة على الاثنين لا على المجموع. والحسين نهاه الكل عما أقدم

عليه من خروج، ولم يبايعه أحد لا من أهل الشورى والرأي ولا من سواهم! وليس له حق إلهي، كما يزعم الشيعة؛ فخروجه كان خطأ، لم يستند إلى أي مسوغ شرعي.

هكذا تجد الانسياق نحو تشريع ما فعله الحسين وتجريم يزيد انسياق وراء عاطفة هائمة، قد يكون لها أثر في نفس من يستحضر الواقعة، أما أن يكون لها أثرها المنتج في تقرير أحكام تنسب إلى الشرع فهذا ما ندعو المتجاوزين فيه على شرع الله لا أن ينقروا في دواخلهم عن اللوثة الرافضية التي أدت بهم إلى ما أدت إليه.

الدفاع عن عظمائنا دون استثناء وأولهم الصحابة .. هو مقصودنا

استطاع الفرس وشيعتهم بألاعيبهم وحيلهم وما أجلبوا به من إعلامهم ودعاياتهم أن يستزلوا طوائف من الأمة فيصلوا بهم إلى أن يشكوا في بعض الصحابة مثل معاوية وعمرو بن العاص وغيرهم، وكذلك بعض عظماء تاريخنا مثل يزيد والحجاج والرشيد. ما نحتاجه أن نحبط مسعاهم الخبيث هذا بأن نرده في نحرهم، ولا نرضى التفريط بأي واحد منهم. فكعب واحد من عظمائنا خير من لحى أولئك جميعا!

بعض المخلطة عقولهم يتصورون أننا بدفاعنا عن معاوية نستهدف عليه. ويتوهمون أننا بدفاعنا عن يزيد نستهدف الحسين.. معاذ الله! هي حالة ناتجة عن فعل إسقاطي؛ فلأنه هو يفعل ذلك، أي يغلو في أحد الطرفين مستهدفة الطرف الآخر، يتوهم فيك ما هو فيه أصلا ويسقطه عليك.

كنت في مجلس بدمشق صيف سنة ۲۰۰۸، فيه من علية القوم من أهل السنة. تكلم أحدهم - وهو من أهل الرمادي - فنال من معاوية ، حتى قال: كل ما حصل في تاريخ الإسلام من تدهور فهو بسببه؛ لأنه - بتوليته ابنه يزيد - غير نظام الحكم من الشورى إلى التوريث. ولما اعترضت عليه وبينت أن هذا شيء مشروع، وقد فعله على من قبله، ودار بيننا سجال حول الموضوع: كلا وتفاصيل إذا هو يقول لي: أنت تطعن في الصحابة. قلت: أنا؟! قال : نعم؛ كيف تقول هذا عن علي؟

قد تتصور أن الرجل ذو بضاعة مزجاة في العلم. لا. وقد ترى أنه من الإخوان المسلمين. اطمان؛ بل هو سلفي! وأقول: سلفي حتى يعلم الناس مدى تأثر مجتمعاتنا السنية بالثقافة الشيعية. وحين وصل إلى هذا الحد قلت له: من منا الذي يطعن في الصحابة: أنا الذي يدافع عن معاوية ولا يسيء إلى علي؟ أم حضرتك الذي لا تحسن إلى علي إلا بالإساءة إلى صحابي آخر له من الحصانة ما لعلي منها؟

أرأيتم كيف يفكر هؤلاء!

الدكتور : طه حامد الدليمي