الخليفة التابعي يزيد بن معاوية.. تلك هي الحقيقة

الخليفة التابعي يزيد بن معاوية.. تلك هي الحقيقة


الحمدلله والصلاة والسلام عل نبينا محمد وعلى اله واصحابة ومن تبعه الى يوم الدين.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري في صحيحة: ( أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم ). هذا كلام من لاينطق عن الهوى والذي بشر بأن اول جيش في الاسلام يغزو القسطنطينية مغفور له. والسؤال هو من قائد هذا الجيش؟!.. الإجابة قد تكون صادمة ولا ترضي من سلم عقله للروايات الفارسية الشعوبية التي دُست في مصادرنا التاريخية والحديثية!.. إن قائد ذلك الجيش هو : الخليفة التابعي المحدث الاديب والشاعر والمجاهد أمير المؤمنين يزيد بن معاوية بن ابي سفيان رضي الله عنهم اجمعين.


نسبه ونشأته :

هو يزيد بن معاوية بن ابي سفيان بن حرب بن امية بن عبد شمس بن مناف.. هنا يلتقي بالنسب مع الرسول عليه الصلاة والسلام.. أمه هي ميسون بنت بحدل الكلبية من قبيلة بني كلب.

وُلِد سنة خمسة أو ستة أو سبعة وعشرين للهجرة في عهد خلافة عثمان بن عفان عندها كان أبوه معاوية رضي الله عنه واليًا على الشام فنشأ في عز الإمارة ومجدها، وقد عُنيَ معاوية بتربيته تربيةً عربيةً إسلاميةً؛ فقد أرسله في طفولته إلى البادية عند أخواله من بني كلب ليشبَّ في أحضان الفطرة، وخشونة البادية ورجولتها وفتوتها، وليتعلم العربية النقية، ولقد أثمرت هذه التربية في يزيد، فكان شاعرًا فصيحًا، وأديبًا لبيبًا يحسن التصرف في المواقف، حاضر البديهة، أَبيَّ النفس، عالي الهمة.


علمه بالحديث النبوي :

يعد يزيد بن معاوية من الطبقة الأولى من التابعين، ويقول ابن كثير: “وقد ذكره أبو زرعة الدمشقي في الطبقة التي تلي الصحابة وهي العليا، وله أحاديث، روى عن أبيه معاوية أن رسول الله قال: “من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين”. وحديثًا آخر في الوضوء، وروى عنه ابنه خالد وعبد الملك بن مروان، ويعتبر يزيد من النسابين الخبراء في النسب وهو رأس الطبقة الثانية في طبقات النسابين.


كلام عبدالله بن العباس رضي الله عنهما في سيدنا يزيد :

كان معاوية يحرص على تربية ابنه يزيد على مكارم الأخلاق وتوثيق الصلات بينه وبين الناس فقد روى المدائي عندما وَفَدَ عبد الله بن عباس على معاوية بعد وفاة الحسن بن علي، فدعا معاوية يزيدًا ليعزيه في الحسن، فلما دخل على ابن عباس رحَّبَ به وأكرمه، وجلس عنده بين يديه، فأراد ابن عباس أن يرفع مجلسه، فأبى وقال: “إنما أجلس مجلس المعزي لا المهني ثم ذكر الحسن”، فقال: “رحم الله أبا محمد أوسع الرحمة وأفسحها، وعظَّم الله أجرك، وأحسن جزاءك، وعوضك من مصابك ما هو خيرٌ لك ثوابًا وخيرٌ عُقْبى”. فلما نهض من عنده قال ابن عباس: “إذا ذهب بنو حرب ذهب علماء الناس”. فمن خلال كلام ابن عباس نلاحظ أنه يشهد ليزيد بن معاوية بالعلم والحلم والوقار.


جهاد سيدنا يزيد بن معاوية رضي الله عنهما :

عن أم حرام أنها سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: “أول جيش من أمتي يغزون البحر قد أوجبوا”، قالت أم حرام: “قلت يا رسول الله أنا فيهم؟” قال: “أنت فيهم”، ثم قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم فقلت أنا فيهم يا رسول الله”، قال: “لا”. قال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث قوله: “يغزون مدينة قيصر” يعني القسطنطينية.

كانت هذه الغزوة سنة 49 هجرية حيث تولى يزيد قيادة هذا الجيش وقد اشترك في هذه الغزوة الكثير من الصحابة وأبنائهم مثل: أبو أيوب الأنصاري عبد الله بن عباس، عبد الله بن الزبير، عبد الله بن عمر، الحسين بن علي وأبو ثعلبة الخشني. ويعود السبب في اشتراك الكثير من الصحابة وأبنائهم في هذه المعركة هو حديث: “أول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم”. ومن الأمور المهمة التي حصلت في هذه الغزوة هو مرض الصحابي أبي أيوب الأنصاري مرض الموت فطلب من يزيد أن يدفنه عند أقرب مسافة من العدو إذ قال له:

يا يزيد.. اقرأ عني السلام على جنود المسلمين وقل لهم: يوصيكم أبو أيوب أن توغلوا في أرض العدو إلى أبعد غاية وأن تحملوه معكم، وأن تدفنوه تحت أقدامكم عند أسوار القسطنطينية. ولو وقفنا عند هذه الوصية نرى ثقة الصحابة رضوان الله عليهم بقائدهم يزيد ويظهر ذلك في ثقة الصحابي أبي أيوب ووصيته ليزيد، وبالفعل ما زال قبر الصحابي أبي أيوب الأنصاري موجودًا إلى الآن في تركيا، ومن هذا يتبين حرص يزيد على طاعته لصحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.


إختيار سيدنا معاوية ابنه يزيد خليفة من بعده :

من الأسباب التي دعت معاوية بن أبي سفيان لتولية ابنه يزيد حيث قال: “إني خفت أن أذر الرعية من بعدي كالغنم المطيرة ليس لها راع”.ويقول ابن كثير عن أسباب ترشيح معاوية لابنه يزيد: “ولما كان يتوسم فيه من النجابة الدنيوية، وسيما أولاد الملوك ومعرفتهم بالحروب وترتيب الملك والقيام بأبهته، وكان يظن أنه لا يقوم أحد من أبناء الصحابة في الملك مقامه”. ويقول معاوية: “اللهم إن كنت تعلم أني وليته لأنه فيما أراه أهل لذلك فأتمم له ما وليته، وإن كنت تعلم أني إنما وليته لأني أحبه فلا تتمم له ما وليته”.


صحة خلافة سيدنا يزيد رضي الله عنه :

حيث سئل الحافظ عبد الغني المقدسي عن يزيد بن معاوية فأجاب بقوله: “خلافته صحيحة”، وقال بعض العلماء: بايعه ستون صحابيًا من أصحاب رسول الله منهم عبد الله بن عباس وعبد الله ابن عمر حتى أن عبد الله بن عمر خرج إلى أهل بيته وقال لهم: “أني بريء من كل من لم يبايع يزيد”. وتزعم بعض الروايات من أن معاوية قد أجبر هؤلاء الصحابة على بيعة ابنه يزيد وأجبرهم تحت تهديد السيف فهذه الروايات كلها باطلة ولا تصح.

من اعترض على بيعة يزيد هم ثلاثة فقط وهم (الحسين بن علي، عبد الله بن الزبير، عبد الرحمن بن أبي بكر) ولم يعترض هؤلاء الثلاثة -رضي الله عنهم- عن أخلاق يزيد أو دينه حيث تزعم بعض الروايات من أن يزيد كان فاسقًا وكان يشرب الخمر… الخ من التهم الباطلة التي لا تصح وللرد عن هذه الروايات نقول:

إن هؤلاء الثلاثة -رضي الله عنهم- عندما اعترضوا على بيعة يزيد قالوا (أكسروية أم قيصرية) بمعنى هل الغاية من تولية يزيد هي التوريث؟؟ حيث لم يذكروا هؤلاء الثلاثة -رضوان الله عليهم- سيرة يزيد بسوء خلال اعتراضهم.

ويقول ابن العربي أيضًا عن اتهام يزيد بشرب الخمر حيث قال: “فإن قيل إن يزيد كان خمّارًا، قلنا: لا يحلّ إلا بشاهدين، فمن شهد بذلك عليه؟” ويقول المؤرخ ابن خلدون: “كما وقع في عهد معاوية لابنه يزيد، وإن كان فعل معاوية مع وفاق الناس له حجة في هذا الباب. والذي دعا معاوية لإيثار ابنه يزيد بالعهد دون من سواه إنما هو مراعاة المصلحة في اجتماع الناس، واتفاق أهوائهم باتفاق أهل الحل والعقد عليه حينئذ من بني أمية وحضور أكابر الصحابة لذلك وسكوتهم عنه دليل على انتفاء الريب فيه فليسوا ممن يأخذهم في الحق هوادة، وليس معاوية ممن تأخذه العزة في قبول الحق”.


هل خرج الحسين الى الكوفة ثم قتال يزيد ؟

كلا وحاشا الحسين بن علي رضي الله عنهما من الخروج ضد سيدنا يزيد, فالحسين ليس من الغادرين ولا من اهل الفتن و الحسين عاقل فمن الجنون ان يذهب الى أهل الكوفة اهل الغدر والخيانة الذين قتلوا سيدنا علي رضي الله عنه وغدروا بالحسن بن علي اخو الحسين حيث ان الحسين يعلم ان اهل الكوفة قتلوا سيدنا علي واهانوا سيدنا الحسن فمن السذاجة ان يذهب الى الكوفة بعد كل هذه الاحداث و الأهم من ذلك بيعة الحسن بن علي الى سيدنا معاوية وتوحيد صف المسلمين وتفويت الفرصة على غربان حمراء الكوفة المجوس اهل الفتن. وكل ماذكر من روايات فهي من صنع المجوس الشعوبية و هم من قام بتزوير التاريخ وطمس الحقائق ودس المرويات والاحاديث المكذوبة في كتبنا التاريخية الحديثية.

الحسين بن علي ذهب للجهاد في الثغور وقد ذكرنا في اول المقالة ان الحسين بن علي كان احد المشاركين في الجيش الذي غزى مدينة قيصر وان قائد الجيش كان يزيد بن معاوية رضي الله عن الجميع.

والادلة كثيرة على بطلان هذه الروايات نذكر منها :

اولاً : صلة النسب والمصاهرة حيث ان زوجة يزيد هي بنت عبدالله بن جعفر ابن ابي طالب. كما ان عبدالله بن خالد بن يزيد قد تزوج من نفيسة بنت عبيدالله بن العباس بن علي بن ابي طالب. فمن المستحيل ان تكون عداوة بين ابناء علي وابناء معاوية وفي نفس الوقت يكون بينهم مصاهرة ومناسبة.

ثانياً : جغرافياً ان الكوفة اقرب من كربلاء! فلماذا اختار الحسين الطريق الابعد اذا كان قاصداً الكوفة؟!.



هل سيدنا يزيد أمر بقتل سيدنا الحسين؟!

الجواب: إن يزيد ابن معاوية لم يأمر ولم يرضى بقتل الحسين بل إنه لم يكن له علم بخروج الحسين إلى الكوفة، حيث قال علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب: “قتل الحسين وأدخلنا الكوفة فلقينا رجل فأدخلنا منزله فألحفنا فنمت فلم أستيقظ إلا بحس الخيل في الأزقة فحملنا إلى “يزيد فدمعت عينه حين رآنا وأعطانا ما شئنا”. وقال يزيد: “والله ما علمت بخروج أبي عبد الله حين خرج ولا بقتله حين قتل” ثم استشار فقال النعمان بن بشير: “يا أمير المؤمنين اصنع بهم ما كان يصنع بهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لو رآهم بهذه الحينة”. وكان يزيد قد بكى بكاء شديدًا وبكى أهله حتى علت أصواتهم. وقد يسأل شخص ويقول: ماذا فعل يزيد بعدما علم بما حصل للحسين وأهل بيته؟ الجواب: ذكر ابن طولون أن يزيدًا قام بصلب قاتل الحسين.

وكانت علاقة يزيد مع اقارب النبي عليه الصلاة والسلام علاقة قوية جدًا منها ما ذكرناها ومنها ما قاله عبد الله بن جعفر بن أبي طالب حيث قال عن يزيد:

بأبي أنت وأمي يا يزيد، والله لا أجمع أبويَّ لأحدٍ بعدك.

وتزوج عبد الله بن خالد بن يزيد، بنفيسة بنت عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب، وأنجبت له عليًا والعباس.

وكانت هناك أطروحة دكتوراة في جامعة السوربون الفرنسية تقول: “كما أن الخليفة يزيد بن معاوية -خلافًا لما روج عنه للتعتيم على شرعيته وسيرته التاريخية- كان متابعًا وساهرًا على شؤون الدولة بكل تيقظ، ويتابع كل شيء بدقة، وهذا يؤكد أنه لا يقل عن معاوية في رجاحة عقله وحلمه، بل يمكن عدّهُ رجل دولة من الطراز الأول، استخدم كل الوسائل السياسية للحفاظ على دولته الفتية، كانت فترته فترة بناء الإمبراطورية الأموية “التي امتدت من الصين شرقًا إلى فرنسا غربًا”، ورغم التعتيم الذي تعرض له هذا الخليفة، أساسًا من قبل “العباسيين المؤرخين”، فهو لم يكن كما ذكروا سكيرًا وماجنًا بل كان دبلوماسيًا ومتزنًا سياسيًا، ولكن الأزمة التي اندلعت في عهده كانت حادة ومهددة لشرعية دولته وأيديولوجيتها، فلم يجد يزيد وسيلة، لينقذ تراث أبيه إلا بالحزم الشديد”.

أخذ يزيد الحديث من والده معاوية صاحب الرسول فحفظ منه، وسمع من يزيد أقاربه كابنه وأمه وعبد الملك بن مروان، حيث روى يزيد عدة أحاديث، ومما رواه عن أبيه الصحابي معاوية بن أبي سفيان الحديث النبوي: “من يرد الله به خيرًا يفقه في الدين”.

حدثت في عهد خلافة يزيد فتوحات إسلامية منها ما قام به عقبة بن نافع بفتح أجزاء من أفريقيا وأيضًا فتوحات من جهة المشرق وفتح جبهات مع الروم أيضًا.

وينسب إلى يزيد بعض الأشعار التي لا تصح عنه حيث تعرض شعر يزيد بن معاوية للتحريف. وليزيد خطبة رائعة كانت عند وفاة والده معاوية حيث قال:

“الحمد اللّه الذي ما شاء صَنع ومَن شاء أعطى ومَن شاء مَنَع ومن شاء خَفَض ومن شاء رَفع. إن أميرَ المؤمنين كان حَبْلًا من حِبال اللّه مدَّه ما شاء أن يَمدَّه ثم قَطعه حين أراد أن يَقْطعه وكان دون مَن قبلَه وخيرًا ممن يأتي بعدَه ولا أزَكِّيه عند ربّه وقد صار إليه فإن يَعْفُ عنه فَبِرَحْمته وإنْ يُعاقبه فَبِذَنبه وقد وُلِّيتُ بعدَه الأمرَ ولستُ أعتذر من جَهل ولا آسىَ على طَلَب عِلْم وعلى رِسْلكم إذا كَرِهَ اللّه شيئًا غيَّرَه وإذا أحبَّ شيئًا يسَّره”. وذكر الإمام أحمد في كتاب الزهد قولًا ليزيد حيث يقول يزيد: “إذا مرض أحدكم مرضًا فأشفي ثم تماثل، فلينظر إلى أفضل عمل عنده فليلزمه ولينظر إلى أسوأ عمل عنده فليدعه”. وله اقوال أخرى مثل: “إن الله لا يؤاخذ عامة بخاصة إلا أن يظهر منكر فلا يُغير فيؤاخذ الكل”.


توفي يزيد في (15 ربيع الأول من العام 64 للهجرة) وكان له ابن اسمه معاوية تولى الخلافة من بعده حيث كان ولده معاوية ذا تقوى وورع، وكان ليزيد ولد آخر اسمه خالد حيث كان عالمًا في الكيمياء.

رحم الله سيدنا يزيد بن معاوية ورحم الله الحسين بن علي.. ولعنة الله على المجوس والشعوبية الحاقدة الذين قاموا بكل هذه المؤامرات الخبيثة ونسجوا الروايات الكاذبة و وضعو لها اقفالهم الفارسية الخبيثة.. ولكن هيهات.. ذهب زمانهم وجاء زماننا.


أبو الحارث الدليمي

المصادر :

صحيح البخاري

كتاب طبقات النسابين

البداية والنهاية لإبن كثير

كتاب قصة الاسلام

كتاب سير اعلام النبلاء

مقدمة ابن خلدون

كتاب قيد الشريد في اخبار يزيد

كتاب صحيح مسلم

كتاب 100من عظماء الاسلام

كتاب العقد الفريد

كتاب الفتنة الثانية

كتاب تاريخ دمشق