فتنة خروج ابن الأشعث على الحجاج..القصة التي لم تروى

فتنة خروج ابن الأشعث على الحجاج..القصة التي لم تروى


الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد صلى الله علية وعلى اله وصحبة أجمعين..

عندما يسكت اهل الحق عن بيان الحق يظن اهل الباطل ومن حولهم انهم على حق..وبسبب ذلك تعرضت الثقافة السُنية الى لوثات شعوبية حاقدة اصابت جدار السُنة اصابات بليغة وصلت الى حد الطعن بقادة الأمة وعظمائها ومنهم

الحجاج بن يوسف الثقفي حيث اُخفيت حقائق كثيرة وأظهرت بالمقابل اباطيل كثيرة تحرسها اقفال فارسية شعوبية تعمل على تعطيل العقل والبحث العلمي وتدعمها ممارسات الإرهاب الفكري لتمنع اي باحث عن الحقيقة من الكلام او البحث عن الحقائق المسكوت عنها عمداً او جهلاً.

من الفتن التي هزت الأمة السُنية الاسلامية وكادت ان تُسقط خلافة بني أمية رحمهم الله .. فتنة عبدالرحمن بن الأشعث وكان ابتدائها سنة 81 للهجرة.

قال الحافظ ابن كثير:

ان الحجاج بن يوسف نائب الخليفة عبدالملك بن مروان على العراق جهز جيشاً من البصرة والكوفة وغيرهما لقتال الكافر

( رتبيل ) ملك التُرك والذي آذى أهل الإسلام وقتل المئات منهم. وقد أمّر الحجاج على ذلك الجيش أبن الأشعث.. فسار ذلك الجيش بإمرة ابن الاشعث حتى وطئ أرض (رتبيل) وفتح مدنناً كثيرة وسبى خلقاً من الكفار.. و ( رتبيل ) ملك الكفار كان يهرب منهم من مدينة الى اُخرى.

ثم ان ابن الاشعث رأى لأصحابه أن يوقفوا القتال, حتى يتقوّوا الى العام المقبل, لتستقر الأمور في البلاد التي فتحوها.

فكتب اليه الحجاج يأمره بالاستمرار في القتال ويذمه بالنكول عن الحرب, فغضب ابن الاشعث, ثم سعى في تأليب الناس على الحجاج.

(( كان ذلك بتحريض من سعيد بن جبير الذي كان على ميرة الجيش)).

وقام والد ابن الاشعث وكان خطيباً, فقال:

إن مثل الحجاج في هذا الأمر ومثلنا كما قال القائل:

(احمل عبدك على الفرس فإن هلك هلك.. وإن نجا فلك)

إنكم إن ظفرتم كان ذلك زيادة في سلطان الحجاج, وإن هلكتم كنتم الأعداء والبغضاء.

ثم قال: اخلعوا عدو الله الحجاج.. ولم يذكر خلع الخليفة .. اخلعوا عدو الله الحجاج وبايعوا لاميركم عبدالرحمن بن الاشعث, فإني اُشهدكم اني أول خالع للحجاج.

فقال الناس من كل جانب خلعنا عدو الله الحجاج وكانوا يبغضونه.. ووثبوا الى ابن الاشعث فبايعوه, ولم يذكروا خلع الخليفة.

وبعد بيعة الفتنة تلك تبدلت الأمور , ووقع مالم يكن في الحسبان, فقد انصرف أبن الاشعث عن قتال الترك الكفرة!!.

وسار جيشه المفتون مقبلاً الى الحجاج ليقاتله ويأخذ منه العراق, فلما توسطوا الطريق قالوا: إن خلعنا للحجاج خلع لإبن مروان, وجددوا البيعة لإبن الأشعث, فبايعوه على كتاب الله وسُنة رسوله صلى الله عليه وسلم وخلع أئمة الضلال وجهاد الملحدين!!!.

فلما بلغ الحجاج ماصنعوا من خلعه وخلع أمير المؤمنين, كتب الى الخليفة بذلك يُعلمه ويستعجله في بعث الجنود اليه, فإنزعج الخليفة واهتم وسعى الناصحون والمصلحون الى درء الفتنة. فكتب المهلب بن ابي صفرة الى ابن الاشعث يحذره وينهاه عن الخروج على إمامه وقال: إنك يأبن الأشعث قد وضعت رجلك في ركاب طويل..أبق على أمة محمد صلى الله عليه وسلم .. الله الله.. انظر لنفسك فلا تهلكها ودماء المسلمين فلا تسفكها والجماعة فلا تفرقها والبيعة فلا تنكثها .. فإن قلت أخاف الناس على نفسي فالله أحق أن تخافه من الناس, فلا تعرضها لله في سفك دم او استحلال والسلام عليك.

ثم اخذ الخليفة عبدالملك بن مروان في تجهيز الجنود في نصرة الحجاج في قتاله الخارجين عن الجماعة, وجعل المفتونون يلتفون على ابن الأشعث من كل جانب حتى قيل انه سار معه ثلاثة وثلاثون الف فارس ومئة وعشرون الف رجل, حتى دخلوا البصرة, فخطب ابن الاشعث وبايعهم وبايعوه على خلع الخليفة ونائبه الحجاج بن يوسف. وقال لهم ابن الاشعث: ليس الحجاج بشيء ولكن اذهبوا بنا الى عبدالملك الخليفة لنقاتله, ووافقه على خلعهما جميع من في البصرة من الفقهاء والقراء والشيوخ والشباب.

قال الحافظ ابن كثير:

وتفاقم الأمر وكثر تابعوا ابن الاشعث على ذلك وقد اشتد الحال وتفرقت الكلمة وعظم الخطب واتسع الخرق.

ثم التقى جيش الخليفة بجيش ابن الاشعث, فقال القراء الذين خلعوا البيعة: أيها الناس قاتلوا عن دينكم ودنياكم.

وقال الشعبي وكان من العلماء ولكن أبن الاشعث فتنه : قاتلوهم على جورهم واستغلالهم الضعفاء!! وإمامتهم الصلاة!. ثم بدأ القتال بين كَرٍ و فر وكان قتالا شديدا حتى اصيب من الناس خلق كثير واستمر هذا الحال مدة طويلة ثم كتب الخليفة الى ابن الاشعث ومن معه يقول: ان كان يرضيكم مني عزل الحجاج عزلته وابقيت لكم اعطياتكم وليُخير ابن الاشعث اي بلد شاء ويكون عليه اميراً ماعاش وعشت. فلما بلغ ذلك ابن الأشعث خطب الناس وندبهم الى قبول ماعرضه عليهم أمير المؤمنين من عزل الحجاج وإبقاء الاعطيات.. فثار الناس من كل جانب وقالوا: والله لانقبل ذلك ونحن اكثر عددا وعُدة!.

ثم جددوا خلع الخليفة عبدالملك بن مروان واتفقوا على ذلك كلهم, استمر القتال بين الفئتين مئة وثلاثة ايام على ما ذكره ابن الأثير. وصبر جيش الخليفة بقيادة الحجاج بالحرب, فأمر بالحملة على كتيبة القراء الذين خلعوا الخليفة, لأن الناس كانوا تبع لهم, وهم الذين يحرضونهم على القتال, والناس يفتدون بهم, فحمل جيش الحجاج عليهم, فقتل منهم خلق كثير .. وبعدها انهزم ابن الاشعث ومن معه, فلحقهم جيش الحجاج.. يقتلون ويأسرون, وهرب ابن الاشعث ومن معه من جمع, فارسل الحجاج جيشاً خلفه ليأسروه او يقتلوه, وفرّ ابن الاشعث الى( رتبيل الكافر ) ملك الترك! فاكرمه وانزله عنده وأمنه وعظمه كيداً للمسلمين.

هرب ابن الاشعث بعد ان أثار فتنة اهلكت الحرث والنسل ودمرت جيش الطواويس.

ومن الذين تم اسرهم ( عامر الشعبي ) وقد جيء به الى الحجاج.. قال الشعبي: فسلمت عليه بالإمرة ثم قلت: أيها الامير إن الناس قد أمروني أن اعتذر إليك بغير ما يعلم الله انه الحق ووالله لا اقول في هذا المقام إلا الحق وقد والله تمردنا عليك وحرضنا وجهدنا كل الجهد فما كنا بالأتقياء البررة ولا بالاشقياء الفجرة لقد نصرك الله علينا واظفرك بنا, فإن سطوت فبذنوبنا ماجرت اليك ايدينا, وان عفوت عنا فبحلمك, وبعد فالحجة لك علينا. فقال الحجاج لما رأى اعترافه وإقراره: انت ياشعبي احب الي ممن يدخل علينا يقطر سيفه من دمائنا, ثم قال: ما فعلت وما شهدت قد أمنت عندنا ياشعبي. ثم قال الحجاج: ياشعبي كيف وجدت الناس بعدنا؟( وكان يكرمه قبل وقوعه بالفتنة) فقال الشعبي مخبراً عن حاله بعد مفارقته الجماعة: اصلح الله الامير قد اكتحلت بعدك السهر واسوعرت السهول واستجلست الخوف واستحليت الهم وفقدت صالح الاخوان ولم اجد من الامير خلفا. فإنصرف الشعبي آمناً.

وقد تتبع الحجاج اصحاب بن الاشعث وقتلهم ويذكر منهم :
محمد بن سعد بن ابي وقاص

ومسلم بن يسار

وابو الجوزاء

وابو المنهال الرياحي

ومالك بن دينار

والحسن البصري

وابن ابي ليلى الفقيه

وطلحة بن مصرف

وعطاء بن السائب

واخرهم سعيد بن جبير.

ثم كتب الحجاج الى (رتبيل) ملك الترك الذي لجأ اليه ابن الاشعث وأرسل اليه يقول: والله الذي لا إله إلا هو لئن لم تبعث لي ابن الاشعث لابعثن اليك بألف الف مقاتل ولأخربنها. فلما تحقق الوعيد من الحجاج.. إستشار رتبيل بعض عماله فاشاروا اليه بتسليم ابن الاشعث قبل ان يخرب الحجاج ديارهم. فعند ذلك غدر رتبيل بابن الاشعث فقبض عليه وعلى ثلاثين من اتباعه وقيدهم وبعثهم مع رسل الحجاج.. استطاع ابن الاشعث ان يصعد وهو مقيد الى سطح القصر ومعه رجل موكل به لئلا يفر فألقى بنفسه من ذلك القصر وسقط ومات. فعمد رسول الحجاج الى راس ابن الاشعث فاحتزه وقتل معه اصحابه وبعث برؤوسهم الى الحجاج ثم بعث براس ابن الاشعث الى الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان.

قال ابن كثير: والعجب كل العجب من هولاء الذين بايعوه بالإمارة.. كيف يعمدون الى خليفة قد بويع له من سنين فيعزلونه وهو من صليبة قريش!.. ويبايعون لرجل( هندي ) بيعة لم يتفق عليها أهل الحل والعقد!!.

الخلاصة:

ان للفتن في اول نشوئها لذة وحلاوة تستهوي كثير من الناس, الا من عصمه الله ونجاه, وقد خرج كثير من القراء مع ابن الاشعث فضلا عن عامة الناس خصوصا من اهل الكوفة والبصرة وكان كلامهم قويا مهيجاً وتكلم متكلموهم وابدع خطبائهم في التحريض والتهييج على قتال جند الدولة ومحاولة اسقاط الخلافة الاموية. وهولاء خوارج والحكم الشرعي يسري عليهم حتى لو كانوا ابناء الصحابة او العلماء والقراء وغيرهم. وقد حذر نبينا الكريم عليه الصلاة والسلام من الخروج على امراء المسلمين فكيف بالخروج والخيانة والتحالف مع اعداء الله.. وقد قتل في هذه الفتنة اكثر من مئة الف اضافة الى الخسائر المادية التي اضرت بدولة الاسلام بقيادة الخليفة الصالح عبدالملك بن مروان ونائبه القائد الشجاع الحجاج بن يوسف الثقفي فاتح بلاد السند والهند ومذل امبراطور الصين و كاتم انفاس اهل الفتن المجوس في حمراء الكوفة.


ابو الحارث الدليمي