الزيدية في اليمن بين الحقيقة والتاريخ والجغرافيا

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


الزيدية في اليمن بين الحقيقة والتاريخ والجغرافيا 

مقدمة:

اليمن تلك البقعة التي لا تمتلك الجاذبية التاريخية لمطالعة تواريخها على عكس بلاد الشام والعراق مثلا, فلا يتوجه لقراءة تاريخ اليمن إلا من استقصد ذلك عمدا فضلا عما يكتنف تاريخها من تقيدات نظرا لتجزئها سياسيا وفي زماننا توحدت في كيان سياسي منذ ثلاثة عقود وتجزأت 

واليمن له خطورة من ناحية 

أ - الموقع

ب - التركيبة الاجتماعية

ج - الجغرافيا الداخلية 

د – زيد بن علي والزيدية 

هـ - الزيدية في اليمن

و – جرائم الزيدية في اليمن

ز – الزيدية في اليمن في التاريخ الحديث


أ – من ناحية الموقع:

باب المندب = باب المندم

قيل أن اسمه في الأصل باب المندم لأن من يفرط في السيطرة عليه يندم

والراجح لي أن أصل التسمية (باب ام ندم) ( أو باب ام ندب)  لأن أم الحميرية هي أل التعريف والمعنى باب الندم = باب امندم او باب الندب = باب امندب يعني المنطقة التي يندب لها للحفاظ عليها, ذلك أن تبابعة حمير حكموا هذه البلاد دهرا ثم ادغمت وصارت مندم وبدلت لمندب

ومنها قول النبي صلى الله عليه وسلم لأبي عامر الأشعري (ليس من امبر امصيام في امسفر)

ومنها قول أبو هريرة لعثمان بن عفان رضي الله عنهما يوم حصر في الدار ( طاب امضرب)  يعني جاء وقت القتال و الضرب

وقد وردت أم الحميرية عند ابن هشام الأنصاري في قطر الندى وبل الصدى

ب – من ناحية التركيبة الاجتماعية :

تواجدت حاضنة التشيع منذ وقت مبكر في اليمن ونجد ذلك في هذه الرواية حين جاء عبدالله بن عباس لحسين بن علي بن أبي طالب وقال: يا ابن عم، إنه قد أرجف الناس أنك سائر إلى العراق، فبيِّن لي ما أنت صانع؟ قال: قد أجمعت المسير في أحد يومَي هذين إن شاء الله – تعالى -، فقال له ابن عباس: أخبرني إن كان عدوك بعد ما قتلوا أميرهم، ونفوا عدوهم، وضبطوا بلادهم، فسر إليهم، وإن كان أميرهم حياً وهو مقيم عليهم، قاهر لهم، وعماله تجبي بلادهم، فإنهم إنما دعوك للفتنة والقتال، ولا آمنُ عليك أن يستفزوا عليك الناس، ويقلبوا قلوبهم عليك، فيكون الذي دعوك أشد الناس عليك. فقال الحسين إني أستخير الله وأنظر ما يكون. ولكن ابن عباس أدرك من كلام الحسين واستعداده أنه عازم على الخروج ولكنه يحاول إخفاء الأمر عنه؛ لعلمه بعدم رضاه عن ذلك، لذا جاء ابن عباس إلى الحسين من الغد فقال: يا ابن عم إني أتصبر ولا أصبر، وإني أتخوف عليك في هذا الوجه الهلاكَ، إن أهل العراق قوم غدرٌ فلا تغترن بهم، أقم في هذا البلد حتى ينفي أهل العراق عدوهم ثم أقدم عليهم، وإلا فسر إلى اليمن؛ فإن به حصوناً وشعاباً، ولأبيك به شيعةً، وكن عن الناس بمعزل، واكتب إليهم وبث دعاتك فيهم، فإني أرجو إذا فعلت ذلك أن يكون ما تحب. فقال الحسين: يا ابن عم، والله إني لأعلم أنك ناصح شفيق، ولكني قد أزمعت المسير. فقال له: فإن كنت ولا بد سائراً فلا تسر بأولادك ونسائك، فوالله إني لخائف أن تقتل كما قتل عثمان ونساؤه وولده ينظرون إليه… إلى أن قال: فوالله الذي لا إله إلا هو لو أعلم أنك إذا أخذت بشعرك وناصيتك حتى يجتمع عليَّ وعليك الناس أطعتني وأقمت لفعلت ذلك.

ولا ننسى سرية علي بن أبي طالب إلى اليمن التي روي أن همدان كلها إنما أسلمت على يديه وكانت في السنة العاشرة من الهجرة فهذا قصد ابن عباس من قوله لحسين فإن لأبيك بها شيعة, أي أتباع وحاضنة , وقيل إن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل علي بن أبي طالب إلى اليمن مرتين


ج – من ناحية التضاريس :

إن الهضبة الزيدية في اليمن ذات طبيعة جبلية قاسية وعرة عانت منها مرارا وتكرار كافة الجيوش التي قدمت إلى اليمن وقاتلت فيه ودائما لا ينتصر جيش في تلك البقاع إلا بعد انهاكه الإنهاك الشديد جدا فهي تمثل عاملا طبيعيا لأن يحتمي بها كل فكر خارج عن المألوف وهذا حال الفرق في الإسلام تجدهم لا يختارون النشاط إلا في المناطق الجبلية الوعرة كالنصيرية والإسماعيلية والحشاشين وحتى الأباضية والزيدية معهم, ولو عدنا لكلام ابن عباس فهو قد أخبر حسين بن علي أن بها حصونا وشعابا, فهو ينصحه بالمكان ذو البيئة الجغرافية المناسبة لتوظيفها ضد جيوش الدولة الأموية وقتها.

د – الزيدية وزيد بن علي بن الحسين 

من هو زيد بن علي ؟ 

هو زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أخو محمد الباقر ولد سنة 66 أو67 للهجرة خرج على أمير المؤمنين هشام بن عبدالملك بن مروان وقتله والي العراق يوسف بن عمر الثقفي, أمه أم ولد وهي جارية سندية, وسمي زيد الأزياد إشارة إلى أنه المقدم على كل من سمي زيد من ناحية أعماله الصالحة وغاياته الشريفة التي استحق بها المدح والإطراء, وهو الذي قال فيه أمير المؤمنين هشام بن عبدالملك (والله إن هؤلاء القوم اتخذوا رسول الله لهم سوقا), حين خرج على هشام بن عبدالملك سنة 122 هـ فلما علمت الشيعة ذلك اجتمعوا عند زيد بن علي فقالوا له: ما قولك يرحمك الله في أبي بكر وعمر؟ فقال: غفر الله لهما، ما سمعت أحدا من أهل بيتي تبرأ منهما، وأنا لا أقول فيها إلا خيرا، قالوا: فلم تطلب إذا بدم أهل البيت؟ فقال: إنا كنا أحق الناس بهذا الامر، ولكن القوم استأثروا علينا به ودفعونا عنه، ولم يبلغ ذلك عندنا بهم كفرا، قد ولوا فعدلوا، وعملوا بالكتاب والسنة.

قالوا: فلم تقاتل هؤلاء إذا؟ قال: إن هؤلاء ليسوا كأولئك، إن هؤلاء ظلموا الناس وظلموا أنفسهم، وإني أدعو إلى كتاب الله وسنة نبيه (صلى الله عليه وسلم)، وإحياء السنن وإماتة البدع، فإن تسمعوا يكن خيرا لكم ولي، وإن تابوا فلست عليكم بوكيل. فرفضوه وانصرفوا عنه ونقضوا بيعته وتركوه، فلهذا سموا الرافضة من يومئذ، ومن تابعه من الناس على قوله سموا الزيدية، وغالب أهل الكوفة منهم رافضة، وغالب أهل مكة إلى اليوم على مذهب الزيدية. 

والسؤال ما موقف زيد بن علي من عثمان بن عفان, فالميزان هو عثمان بن عفان رضي الله عنه وخلافته؟

ينقل د. عبدالمجيد الغيلي في بحث له بعنوان (الجذور الأولى زيد بن علي نسخة الشيعة الزيدية)

 أما عثمان بن عفان،  فيصفه زيد بن علي في رسالته "مقتل عثمان": أنه (نكث على نفسه)، وأن الصحابة أخذوا عليه مآخذ، وحين كلمه المهاجرون والأنصار واستعتبوه (أبى إلا تماديا فيما لا يوافق الكتاب ولا السنة). ويرى أن الصحابة جميعا اشتركوا في قتل عثمان بالحق، فهم بين قاتل أو خاذل, ويقول إن الصحابة عقوبةً له تركوا جثته ثلاثة أيام على المزبلة، يمشي الصبيان على بطنه

وأما طلحة والزبير، فيقول عنهما إنهما نكثا بيعتهما؛ لأنهما رفضا قسمة علي بالسوية، وأنفا من مساواة علي لهما بمواليهما في العطاء، فنكثا البيعة وحاربا عليا, ويصفهم مع عائشة أنهم قد أجرموا, وفي مسنده يورد حديث قتال الناكثين والقاسطين والمارقين, وفي الوقت نفسه يورد قول علي حين سأله رجل: أكفر أهل الجمل وصفين وأهل النهروان؟ فقال علي: لا، هم إخواننا بغوا علينا، فقاتلناهم حتى يفيئوا إلى أمر الله. ولا شك أن وصف إخواننا بغوا علينا يختلف عن وصف الناكثين والقاسطين والمارقين، وعن وصف المجرمين. فما كانا ليخرجا من مشكاة واحدة.

وأما الذين اعتزلوا عليا فلم يقاتلوا معه، فيقول إنهم كانوا في دينهم يترددون، وفي طغيانهم يعمهون، ولم يكن لهم في الحق بصيرة، وأنهم أظهروا تورعهم للأمة حتى يغروها, وأما الذين قاتلوا مع علي فهم (حزب اللّه، وحزب رسول اللّه(

وفي رسالته لواصل بن عطاء الغزال عن الإمامة: (إن الإمامة أول خلاف وقع في الأمة بعد مضي النبي ووفاته). وفي مجموع رسائله أكثر من كتاب ورسالة خصها للإمامة والوصية والخروج)

فهذا ما ورد عن مصنفات  زيد بن علي ولزيد بن علي كتابان منسوبان هما: 

  • المجموع الحديثي والفقهي (المشهور بمسند الإمام زيد)
  • مجموع كتب ورسائل الإمام الأعظم أمير المؤمنين زيد بن علي 

وبعد دراستي لهاتين المدونتين، ولتراث الهادي أستطيع القول حول ما ورد في الوصية لزيد أقول:

  • من المؤكد أن الهادي لم يطلع على هذه النصوص المسندة للإمام زيد، وإلا كان استشهد بها، لا سيما وأنه تناول هذه المسائل، والاستشهاد بقول الإمام زيد سيقوي موقفه, هذا يجعلنا نفترض إما أنها ليست من كلام الإمام زيد، بل لفقت عليه في فترة متأخرة. 
  • لا نجد أثرا لكتاب الإمامة أو الوصية أو الإيمان أو غيرها من الكتب المنسوبة إلى زيد بن علي، لا نجد أثرا لها عند الهادي، وقد ناقش كل هذه المسائل، بل لا نجد في تراث الهادي ذكرا لعناوينها، ومن المستبعد ألا يكون الهادي على اطلاع بكتب الإمام زيد
  • ومن الملاحظ أن الأفكار التي في مجموع الإمام زيد بن علي شديدة التأثر بتراث الهادي، كما في الإمامة والوصية، وكما في بيان سبب اختلاف الأمة وضلالها (افتراقهم على أهل نبيهم)… وغير ذلك من أفكار. فإن قيل: ولم لا تفترض العكس؟ أن يكون الهادي أخذها من زيد، فنقول: لو كان أخذها الهادي لأشار إليها.
  • ومن حجج الطعن على نسبة المسند للإمام زيد: أن الهادي قد خالف في اجتهاداته وأحكامه بعض ما جاء في المجموع، وقد ردت الزيدية على هذه الحجة أن الإمام الهادي إمام مجتهد، له اختياراته وترجيحاته، إن الإمام الهادي لم يطلع على شيء اسمه "مسند زيد بن علي"، والروايات التي يرويها عن زيد ليست من المسند، بل مما ينقله عن أبيه عن جده بسنده إلى زيد، ولو كانت من المجموع لأشار إليه. ثم إنه حين يخالف ما في المسند لو أن المسند موجود ويعلم أنه خالفه لأشار إلى ذلك.
  • وهذا مع توفر الدواعي لمعرفة المجموع، حيث يقول المدافعون عن نسبته لزيد إن الذي رواه عن أبي خالد هو إبراهيم بن الزبرقان (ت 183هـ)، وعنه نصر بن مزاحم (توفي أول القرن الثالث الهجري)، وعنه رواه كثيرون منهم سليمان بن إبراهيم بن عبيد المحاربي، وعنه كثيرون، وذلك في منتصف القرن الثالث الهجري. وهذا يجعل من المؤكد أن لو كان الكتاب منتشرا لرواه كذلك الإمام الهادي، ووجدناه يشير إليه في كتبه. إلا أن ذلك لم يحدث.
  • ومما أستدل به على صحة قولي، وهي أن المسند لم يعرف إلا في قرون متأخرة، أن المؤيد أحمد بن الحسين الهاروني (ت: 411 هـ)، في موسوعته "شرح التجريد في فقه الزيدية"، ذكر في المقدمة أسانيده ومصادره التي اعتمد عليها (15)، فلم يذكر مسند زيد بن علي، وحين ذكر أسانيده أورد مجموعة من أسانيده إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ومنها سند فيه أبو خالد عن زيد بن علي، وأسانيد أخرى ليست من طريق زيد. فلو كان المسند معروفا لأشار إليه. 
  • كما أن أخاه (أبو طالب) يحيى بن الحسين الهاروني ( ت: ٤٢٤ هـ)، ألف كتابه: "الإفادة في تاريخ الأئمة السادة"، وترجم للأئمة الذين تقول الزيدية بإمامتهم، ومنهم زيد بن علي، فلم يتحدث في ترجمته عن أي كتاب له. مع أن المؤلف كان يحرص في إيراد الكتب المعروفة للإمام الذي يترجم له، كما فعل في ترجمة القاسم والهادي والحسن الأطروش، والمرتضى محمد بن يحيى، وأخوه الناصر أحمد. وهذا دليل آخر على أن الزيدية حتى القرن الخامس الهجري لم يكونوا يعرفون أي كتاب منسوب لزيد بن علي.
  • كما أن "أبو طالب" في كتابه "الدعامة في الإمامة"، وهو يدافع عن زيد بن علي ضد الإمامية حين رفضوا القول بإمامته، فبين استحقاقه للإمامة بتميزه وفضله، ثم ذكر أوجه التميز، فمنها: اختصاصه بعلم الكلام، والفصاحة والبيان، واختصاصه بعلم القرآن (وله قراءة مفردة مروية عنه)، وشجاعته، (ويذكر مع المتكلمين إذا ذكروا، ويذكر مع الفقهاء والرواة إذا ذكروا، ويذكر مع الزهاد وأهل التقوى، ويذكر مع الشجعان وأهل المعرفة بالضبط والسياسة، وغيره من أهل البيت عليهم السلام في ذلك الزمان إنما يذكر بخصلة أو بخصلتين من هذه الخصال). فلم يشر مطلقا إلى وجود مصنفات له؛ مع قوة الداعي للحديث عن ذلك لو كان له أي مؤلف، ولا سيما أنه سيكون الأسبق في مصنفي المسلمين، وحين رويت له قراءة أشار إلى ذلك. فدل ذلك على أنه لم يكن أحد من أهل البيت حتى ذلك الوقت يعرف لزيد بن علي أي مصنفات.
  • ومما يجدر إيراده هنا القول إن ثمة إشارة وردت في شرح التجريد للمؤيد، حيث ورد فيه لفظ: (كتاب أبي خالد)، وفي التحرير لأبي طالب ورد لفظ: (مجموع الفقه) نحو ثلاث مرات.,وهذا يحتمل أنه من إضافة بعض النساخ في فترات لاحقة؛ بدليل أن أبا طالب لم يشر لأي كتاب في ترجمته لزيد بن علي، كما ذكرت آنفا. وكذلك المؤيد لم يشر في مقدمة التجريد مع وجود الداعي لذلك؛ فلو كان معروفا له لأشار في المقدمة حين ذكر الأسانيد.
  • ثم وجدت المنصور عبد الله بن حمزة يذكر اسم الكتاب (مجموع الفقه) مرارا في كتابه (الشافي) ويورد سنده إليه، فيرويه عن الرصاص عن القاضي جعفر، ثم يسند القاضي جعفر إسناده وكلهم من زيدية الديلم. وهذا دليل أن المجموع لم يكن معروفا عند زيدية اليمن، وأن الذي أدخله إنما هو القاضي جعفر وذلك في المنتصف الثاني من القرن السادس الهجري، ولذلك كانت أول إشارة إلى (مجموع الفقه) عند زيدية اليمن في كتاب القاضي جعفر (شرح نكت العبادات).
  • وأما ظهوره في الديلم فمن المحتمل استنادا إلى الإشارات القليلة عند الهارونيين أن يكون ظهوره أواخر القرن الرابع الهجري، ولكن هذه احتمالات ضعيفة؛ لما ذكرته من احتمال أن تلك الإشارات من وضع النساخ؛ وفقا للمرجحات القوية التي أشرت إليها.
  • ونشير هنا إلى ما حدث من هجرات من قبل زيدية الديلم وطبرستان وخراسان نحو اليمن تلك الهجرات التي كانت عسكرية فكرية في القرنين 6 و 7 للهجرة حتى صرح إمامهم المنصور عبدالله بن حمزة بأن جعفر جاء من الديلم بعلوم وأصول لم يصل بها سواه, والبيهقي وصل من إيران بكتب غريبة وعلوم عجيبة والديلمي أيضا وينظر في ذلك كتب طبقات الزيدية
  • ويضاف إلى ما سبق أن أبا عبد الله العلوي (ت 445 هـ) حين ألف موسوعته (الجامع الكافي في فقه الزيدية) أورد مقولة مشكوكة عن زيد بن علي، فقال: (وقد روي عن زيد بن علي شيء لا أدري ما هو ولا أعلم أحداً من الفقهاء أخذ به) ، وهو ينسب المقولة إلى محمد بن منصور (ت 290 هـ)، فلو كان مجموع الفقه لزيد معروفا سواء لمحمد بن منصور أو لأبي عبد الله العلوي، لقالوا: وهذا كتاب زيد لا توجد فيه هذه المقولة.
    فلعل ظهوره في الديلم يكون في المنتصف الثاني من القرن الخامس الهجري، بعد ما يقرب من أربعة قرون من وفاة زيد بن علي. والله أعلم.
  • وحين ظهر في اليمن على يد القاضي جعفر، ربما لم يتقبل زيدية اليمن ظهوره ونسبته إلى زيد، كونهم لم يعرفوه عن طريق آبائهم، وبالرغم من ذكر المنصور عبد الله بن حمزة (ت 614 هـ)، فإن الذين أتوا بعده لم يهتموا بذكره أو الإشارة إليه، حتى إن حميد بن أحمد المحلي (ت 652 هـ)، في كتابه: “الحدائق الوردية في مناقب أئمة الزيدية” ترجم ترجمة مطولة لزيد بن علي دون أن يذكر أي مصنفات منسوبة إليه. مع ذكره لمصنفات غيره من أئمة الزيدية كالقاسم والهادي… إلخ. 


  • إن مصطلح الزيدية بدأ بالذيوع والانتشار عند غير الزيدية، وذلك بدءا من الربع الثاني في القرن الثالث الهجري (أي بعد 225هـ)، فنجده عند الفسوي (ت 242هـ)، في المعرفة والتاريخ، ثم الجاحظ (ت 246هـ) في رسالة العثمانية، والحيوان، وغيرهما، ثم ابن طيفور (256هـ) في كتاب بغداد… إلخ.

    ولكن الذي يظهر أن مؤسسي الشيعة الزيدية لم يعترفوا بهذا اللقب، فلا نكاد نجده في تراث القاسم أو الهادي، والذي نجد عندهما أنهم يسمون أنفسهم "الشيعة"، ويعتبرون أنهم الشيعة الحق، في حين أن غيرهم ممن ينتسبون إلى الشيعة أدعياء.

    وأما بداية استخدام الشيعة الزيدية لهذا المصطلح "الزيدية"، فقد وجدته لدى محمد بن القاسم الرسي (ت: 279 هـ)، وهو عم الهادي، حيث ذكره وهو يتحدث عن من يستحق الإمامة، ثم قال: "وهو مذهب الزيدية القاسمية العدلية". ولم يبدأ المصطلح بالشيوع عند زيدية اليمن إلا في القرن السادس الهجري، وبالأخص عند المتوكل أحمد بن سليمان (ت 566 هـ)، في كتابه: "حقائق المعرفة في علم الكلام"… ثم من بعده من المؤلفين.

    في حين نجد أن التسمية شاعت عند زيدية الديلم منذ القرن الثالث الهجري، فمن أول الكتب التي شاع فيها استخدام المصطلح، كتاب: "المنير على مذهب الإمام الهادي يحيى بن الحسين"، لـ" أحمد بن موسى الطبري" (٢٦٨ – ٣٤۰ هـ)، وهو من الطبريين الذين قدموا من الديلم لنصرة الهادي. فنجده يستخدم "مصطلح الزيدية" في مواطن عديدة، يسمي بها أنفسهم. وكذلك أبو العباس أحمد بن إبراهيم الحسني ( ت: ٣٥٦ هـ)، في كتابه “المصابيح في سيرة الرسول وآل البيت”، ويشيع المصطلح شيوعا واسعا عند أبي طالب الهاروني (340 – 424 هـ)، في مختلف كتبه، ومنها: “الإفادة في تاريخ الأئمة السادة”، و"شرح البالغ المدرك"، و"الدعامة في الإمامة"، و"تيسير المطالب"… وكل هؤلاء من زيدية الديلم، أو الطبريين.

    ويبين عبد الله بن حمزة سبب نسبة الزيدية إلى زيد بن علي، أنه: "أول قائم من أهل البيت"

    ثم إن المتأمل في كتب الشيعة المؤسسين، كالقاسم والهادي، لا يكاد يجد فيها ذكرا لزيد بن علي إلا حين يهاجمون الرافضة، ويثبتون إمامة زيد بن علي. أما أن يستشهدوا بزيد بن علي في أحكام الفقه، فهذا أمر نادر الحدوث، أما الاستشهاد بزيد في أصول الدين فلا تكاد تجده. ومن الغريب أن يقول ابن حمزة أن الزيدية اختصت بهذا الاسم لانتسابهم في الاعتقاد إلى زيد بن علي؛ ذلك أن مؤسسي الزيدية لم يعولوا في شرح مسائل الاعتقاد على زيد بن علي، والصحيح أن الانتساب إليه سياسي، كما ذكره ابن حمزة نفسه؛ في أن زيدا أول قائم من أهل البيت.

    ولذلك؛ فمن المقرر أن انتساب الشيعة الزيدية إلى زيد بن علي إنما هو انتساب سياسي لا فقهي ولا فكري ا.هـ


وختاما أقول أن فكرة زيد قامت على تفضيل علي بحق القرابة وأن الزيدية كرة ثلج كبرت كأفكار وسياسات ومنهجية وأيديولوجيات من بعد وفاة زيد نفسه وهنا مربط الفرس فما سأقوله الآن عن الزيدية لا يعني أنه لزيد نفسه وإن كنا بينا موقف زيد من خلافة الشيخين وقوله في الإمامة وعدم بلوغ دليل لنا في قوله بخلافة عثمان أما بنو أمية فقد كان خارجيا على حكمهم حاله كحال أي خارج على إمام المسلمين.

ولتعلم أن الزيدية لم تكتمل، فتجدها تتطور كتطور التقنية الحديثة، فكل عقد من الزمن يكملون مذهبهم، فكلما رأوا ما يستحسنوه عند المذاهب الأخرى، أضافوه لمذهبهم، فلا تستغرب أن تجد عند الهادي من العقائد ماليس عند جده القاسم الرسي ، كحصر البطنين، ثم تجد عند العياني مسائل تطورت لا تجدها عن الهادي كالزواج من الهاشميات، وهكذا كل إمام يأتي بمسائل لا تجدها عند من قبله، تطور بين الفينة والأخرى

هـ – الزيدية في اليمن 

يقول المؤرخ عمر بن علي سمرة الجعدي صاحب كتاب/ طبقات فقهاء اليمن إن اليمن أصيبت بظهور فتنتين: الأولى ظهور القرامطة بقيادة علي بن الفضل (وهم إحدى فرق الشيعة الغلاة) والثانية: ظهور الإمام يحيى بن الحسين وهذه الفتنة أهون من الأولى!.


 دخول الزيدية لليمن

جاء أَبُو الحُسَين يَحْيَى بْنُ الحُسَينِ بْنِ القَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمِ الحَسَنِي الهَاشِمِي الرَّسِّي سنة 284 هـ من طبرستان إلى صعده ومعه المقاتلين والأصحاب, جده القاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا حاول دون جدوى الوصول إلى القيادة السياسية بامتلاك وثيقة ملكية جبل الرس القريبة من مكة. هذا هو أصل اسم السلالة التي أسسها يحيى سلالة الرسيين, في هذا الوقت كان يحكم تهامة سلالة الزياديين الذين يدينون بالولاء للخلفاء العباسيين. في الداخل كانت صنعاء تحت سيطرة دولة بنو يعفر الحميرية ,أما حاكم صنعاء أبو العتاهية فقد تعب من حركة اليعفريين ودعا الهادي يحيى ليضم المدينة إلى منطقة حكمه في سنة 286 هـ واعترف بكونه إماما. ضرب الهادي يحيى النقود وكان يقرأ خطبة الجمعة ذاكرا اسمه. ومع ذلك سرعان ما اندلع القتال وبسرعة استعاد الحاكم اليعفري عبد القاهر السيطرة على صنعاء. بعث الإمام الهادي يحيى كتيبة جديدة لاستعادة صنعاء في العام التالي ولكن هزموا وتم اعتقال ابن الهادي يحيى من قبل بنو يعفر.تحالف الإمام مع بني يعفر لمواجهة القرامطة. أثبت التحالف الجديد أنه هش. تم السيطرة على صنعاء من قبل القائد الفاطمي علي بن الفضل الذي هيمن أيضا على تهامة والجنوب. في نهاية المطاف سنة 297 هـ بسط الهادي يحيى سلطته على صنعاء مرة أخرى. سار إلى المدينة من دون معارضة ولكن سرعان ما تركها لبني يعفر. وفي العام التالي 298 هـ، توفي الإمام في صعدة.

وبالطبع فقد غلف خروجه لليمن بالأحلام والأوهام  فقال: بعد أن نمت تلك الليلة رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وقال له يا يحيى لماذا أنت متثاقل؟ اخرج لليمن ونظف الأوساخ !!! 

والهادي اجتهد فأوصله اجتهاده للمصادمة الصريحة للقرآن بتكفيره للصحابة رضوان الله عليهم!! من أبي بكر وعمر وعثمان إلى معاوية
 
وقد اجتهد فكفر من لم يبايع أهل البيت!!ونقل كلاما ينسبه كذبا للصادق ، أن الإمامة فيهم أهل البيت ثم عد أفراد ...فقال: التابع لهم مؤمن والشاك فيهم ضال والراد عليهم كافر

واجتهد فجاء بفكرة أنه لا جهاد إلا تحت لواء واحد من أولاده وأحفاده!!!! 

واجتهد فجاء بقانون لم يسبقه أحد في حصر البطنين!! ليضمن مستقبل أولاده وأحفاده !!
  

واجتهد فأوصله اجتهاده لتكفير وقتال أهل اليمن فقال: حكمنا بالهلكة على المخالفين عن دعوتنا.....ومن قتل معي فهو شهيد.....ومن قاتلني فهو كافر...

واجتهد فكفر من لم يبايع أهل البيت!!ونقل كلاما ينسبه كذبا للصادق ، أن الإمامة فيهم 

وأما من اغتر بمقولة الهادي حين قال: (وأبرأ الى الله من كل معتزلي غالي ومن كل رافضي غوي)
فهي من قبيل كاد المريب أن يقول خذوني، ومن ذَر الرماد في العيون
فالأصول الخمسة الإعتزالية منصوصه في مجموعه (ص١٩٠)
والمسائل الرافضية مذكورة في أحكامه (ص٣٦) ومنتخبه(٥٠٠(

وبالطبع أركان الإسلام عند الزيدية هي ستة فيقول شهادة ألا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلا وولاية علي بن أبي طالب والبراءة من عدوه, والإمام المفترض بالطاعة بعد النبي هو علي عليه السلام وقال الحسن بن يحيى: الإمام المفترض بعد النبي هو علي بن ابي طالب, ومن لم يعتقد بعد النبي بإمامة علي لم يقبل الله له لا صلاة ولا زكاة ولا صوما ولا حجا ولا شيئا من أعمال السر, وبعد علي الحسن والحسين 

فما هي قيمة الحج ومكة عندهم ؟

ذكر إمامهم عبدالله بن حمزة أن أهل العلم أفتوا بسقوط فرض الحج بسبب مرورهم بديار المجبرة يقصد بهم-أهل السنة- 

والطبخ ومأكولات مكة يعتبرها مراجع الزيدية نجسة لأنها في بلاد السنة، فلا يحل أكلها. ذكرها عبدالله بن حمزة

وذكر عبدالله بن حمزة: كل دار ظهرت فيها خصلة من خصال الكفر بلا ذمة ولا جوار فهي دار حرب سواء كانت مكة أو المدينة.

وذكرعبدالله بن حمزة بأن الرطوبات التي في بلاد السنة نجسة لا يمكن الإحتراز من هذه الرطوبات لنجاسة السنة.

ولو عدنا بالزمن فكما يذكر ابن الاثير عن الزيدي إسماعيل السفاك وأفعاله في مكة
انتهب اسماعيل بن يوسف منزل جعفر ومنزل أصحاب السلطة، وقتل الجند، وجماعة من أهل مكة، وأخذ ما كان حمل لإصلاح العين من المال، وما كان في الكعبة من الذهب، وما في خزانتها من الذهب والفضة والطيب وكسوة مكة، وأخذ من الناس نحوا من مائتي دينار، وأنهب مكة، وأحرق بعضها وحاصر أهل مكة حتى تماوت أهلها جوعا وعطشا، وبلغ الخبز ثلاثة أواق بدرهم واللحم رطل بأربعة دراهم، وشربة الماء ثلاثة دراهم، ولقي أهل مكة منه كل بلاء وحبس الناس عن الطعام، وأخذ أموال التجار وأصحاب المراكب .ثم تقابل مع صاحب جيش مكة فقاتلهم فقُتل ألف ومئة من الحجاج، وسلب الناس، وهربوا إلى مكة ولم يقفوا في عرفة ليلا ولا نهارا...وبعدها ذهب إلى جُدة وأفنى الأموال هناك

ويعتقد الزيدية بأن الفاكهة الحالية (الحلوة)  موالية لأهل البيت، والفاكهة المرّة معادية لأهل البيت, وأن خاتم العقيق كما ذكر عبدالله بن حمزة قد شهد لهم بالولاية

و – جرائم أئمة الزيدية في اليمن

استباحت الزيدية الأموال وسفكت الدماء واعتدت على الحرمات, فصعدة التي كانت موطئ قدم يحيى بن الحسين والحصن الذي عاش فيه وأنصاره القادمون من طبرستان كانت أكثر عرضة من غيرها للتخريب والدمار فاستبيحت وخربت ونهبت عشرات المرات.

وعلى سبيل المثال فخلال حكم المنصور القاسم العياني نهبت وخربت صعدة ست مرات وقبلها في أيام حكم أبناء الهادي ٣٢٢ هـ خربت و نهبت أموال أهلها وفعلها أيضاً إبراهيم بن موسى داعية الإمام محمد بن إبراهيم والذي أمر وباشر بخراب سد الخانق في صعدة تأديباً لمواطنيها.

وقد قتل الإمام شرف الدين في الحسينيات – شمال صعدة – الفا وستمائة قتيل. وبدأت الوحشية يصل فعلها إلى خارج صعدة منذ البداية فعندما ثار أهل خولان أيام الإمام البادي ضده أمر بهدم منازلهم وقطع أعناقهم وعلق جثث القتلى على الأشجار.

وغزا الإمام الهادي ٢٩٢ هـ بني الحارث بنجران وحاصرهم واستباح مع عسكره أموالهم بعد قطع نخيلهم وتدمير مزارعهم.

وحجاج صنعاء الذين سجنهم علي بن زيد من آل الهادي ٥٣١هـ في صعدة وهم في طريقهم إلى الأماكن المقدسة استولى على أمتعتهم وعندما أرادوا أن يستخلصوا أنفسهم منه دفعوا له أربعة آلاف دينار عن كل واحد منهم وأرسلوا من يأتيهم بها من منازلهم في صنعاء.

أما المجرم عبدالله بن حمزة وهو أبو محمد عبد الله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن أبي هاشم الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى ابن أبي محمد عبد الله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب


فقد عاد أخوه يحيى بن حمزة مصطحباً معه ستمائة سبية من النساء واقتسمهن مع عسكره بقاع طيسان 

وعندما سبى عسكر عبدالله بن حمزة نساء صنعاء التي اعتبر أهلها من المجبرة والمشبهة وحكمهم حكم كفار التأويل وكل ذنبهم انهم يقبعون تحت حكم الايوبيين وليس تحت حكم إمام من آل الهادي وقال عن ذلك: "أما السباء فنحن الأمرون به"

ولم يحصر الإمام عبدالله بن حمزة أعمال النهب والسلب والسبي والتخريب والتدمير والإبادة الوحشية للمخالفين والمشكوك في ولائهم للإمامة لم يحصر ذلك في عسكره واتباعه فقط لكنه أخذ يحث القبائل على انتهاج نفس الطريق قائلاً: "وقد أبحناهم لمن اعتقد إمامتنا من المسلمين غيلة ومجاهرة ومن جاءنا بأحد من ذراريهم اشتريناه بثمن مثله وأجزناه بما يرضاه" وزاد في حثه وتحريضه فأباح للقبائل التمثيل بجثث القتلى وكان من أهم ما جلب انكار بعض الأشراف عليه وكره أغلب الناس من أنصاره له ما تعرضت له النساء اللاتي تم سبيهن فقد كن يتعرضن للوطء حال اخذهن من ديارهن أي قبل انتهاء المدة التي أقرها الشرع الإسلامي مع السبايا من أهل الكفر بغرض التأكد من خلو أرحامهن من الأجنة فما بالكم بنساء المسلمين واللاتي كان بعضهن من بنات الهاشميين ومن حفيدات الهادي وذنبهن مخالفة أهلهن له كما حدث من سبي نساء فرقة المطرفية الزيدية نفسها على يد عبدالله بن حمزة 

وعندما بلغه إنكار الناس بما فيهم انصاره لما حدث برر ذلك بقوله “كتبنا إلى أشرافهم الذين اقتدوا بهم في الكفر بانكم إن تماديتم في مشايعة القوم وأظهرنا الله عليكم نسفك دماءكم ونسبي ذراريكم وإن قربت أنسابكم منه قالوا نسبي بنات الهادي ؟ قلنا نعم نسبيهن لكفر أهلهن.

وقام عبدالله بن حمزة في نهاية المطاف بتوسيع  دائرة التكفير بالإلزام والحكم بكفر كل من لا يتابعه سواء من الزيدية أو من غيرها والذي يعد في حد ذاته حكما بإباحة وقتل رجال وسبي نساء وأطفال غالبية سكان اليمن في عصره

ورغم وصول سكان المناطق التي هاجمها الإمام عبد الله بن حمزة إليه معلنين توبتهم إلا أنه لم يقبلها منهم فامر بتخريب بيوت كل المخالفين بعد بيعه ما أمكن بيعه منها وتوجه في شهر رمضان المبارك ٦١٠ هـ إلى (الشرف) فاستسلم له بعض أهل حجور وقاتلة الممتنعين عن الخضوع لسلطته وعندما انتصر عليهم قتل الرجال وسبى النساء وقسمهن على عسكره بعد أن أخذ الخمس لنفسه منهم ومن الغنائم الأخرى فامتلأ معسكر (قلحاح) بالنساء السبيات.

وتوجه بعدها إلى قرية (وقش) في بني مطر لينفذ حكمه الذي سبق أن كان في المناطق الشمالية والغربية من صنعاء رغم استسلامهم من البداية هربا منه فقتل البالغين من الذكور وسبى النساء والأطفال وأباح تلك القرى للقبائل وأمعن في نهب دورهم ومساجدهم التي قال أنها ضرارية وبالغ في خراب هجرهم العلمية بما في ذلك المساجد وحملت بعض أخشاب المساجد إلى عاصمته أنذاك ( ظفار ذيبين) لبناء منازله فيها.

ولم يكتف الإمام عبد الله بن حمزة بما يمارسه من إبادة فكرية وجسدية وتخريب وتدمير بل ذهب في حقده وغيه إلى حد تخريب معالم طريق اليمن التي كانت تؤدي إلى البصرة والتي كانت بدايتها منذ عهد الحميريين وكانت تسمى (طريق الرمل) والتي كان فيها آبار وعمارات في آخر كل مرحلة ليسكنها المسافرون فأبى إلا أن يخربها ويهدم ويكبس آبارها بعد غزوات دامت اعواماً ليمحو بذلك حسنات الأولين.

وفي مدينة صنعاء دفعه حقده إلى العبث وتخريب بساتين السلطان الأيوبي وبصنعاء التي كانت تحتوي على حدائق جُلبت اشجارها من دمشق ومصر اثناء حكم الأيوبيين خربها عبد الله بن حمزة كما خرب في بيحان وقطع أشجارها ونخيلها ولم يتوقف حقده إلا بعد أن تعهد أهل بيحان بأداء الزكاة له وللائمة من بعده وأن يكون الأذان في مساجدهم بحي على خير العمل.

ولم يترك إمام الزيدية عبدالله بن حمزة أحدًا من الملوك والسلاطين إلا راسلهم وطلب أن يسلموا له الإمامة ولما آيس منهم أرسل للنبيرسالة وفيها (يارسول الله نشكوا عليك جفوة هذه الأمة، وتظاهرها علينا…فأنكروا حقنا وصغروا قدرنا…ونحن شاكون إليك، فاشك إلى ربك على سنقر ووردسار وبكتمر وأجنادهم(

وبعد هلاك إمام الزيدية عبدالله بن حمزة صعد أحمد بن الحسين واستولى على الإمامة
ورفض أولاد عبدالله بن حمزة والحمزات ذهاب ملك أبيهم فحصلت الحروب بينهم طمعا في الإمامة.
والجميل في الأمر أنه بدأ كل واحد يفضح الآخر اعترف أحمد بن الحسين أن في معسكرات الحمزات الخمور والمسكرات والمنكرات.

والخلاصة :أئمة الزيدية جاؤوا للهدم والخراب وليس للعمار قال: إمامهم الكبير الناصر الأطروش (ما وضعت لبنة على لبنة، ....ولما دخل دار الإمارة والقصور لم يشتغل بعمارتها وإصلاحها حتى انهدمت فقيل له: لو أمرت بالإصلاح ؟ فقال: إنما جئت للتخريب والهدم لا للعمارة والتجديد).أ.هـ


ز – اليمن والزيدية في التاريخ الحديث

 تعاون الزيدية وشريف جازان مع المماليك ضد الدولة الطاهرية الأموية في اليمن مستغلين حادثة البرتغال والهجوم عليها وبسبب سماع عبدالملك بن عبدالوهاب الطاهري حاكم زبيد لنصيحة القاضي الموزعي في عدم إمداد المماليك بالمواد الغذائية لأنهم سيتخذون ذلك عادة, وقد تم الهجوم على زبيد من قبل حسين الكردي المملوكي وفعل فيها فعال شنيعة وكان معهم شريف جيزان وإمام الزيدية حتى حين بايع بقية المماليك العثمانيين وما مسارعتهم لبيعة العثمانيين إلا خوفا من انتقام اليمنيين منهم بسبب ما فعلوه من فظائع في زبيد وتعز

فالطاهريين كانوا يملكون جيشا قويا هزم أئمة الزيدية مرارا وتكرارا وكبدهم وكبد قبائلهم خسائر فادحة

أما الزيدية فقد كانت راحتهم هو قضاء العثمانيين على آخر حاكم للطاهريين في عدن لذلك هنأ الإمام المطهر الزيدي سليمان باشا الطواش باجتثاثه للشجرة اللئيمة ويقصد بذلك الطاهريين. 


أما عن تدمير العثمانيين للقوى السنية في اليمن فيما يعرف باليمن الأوسط أو تهامة, فكان  أعظم تأثير ارتكبه العثمانيون لم تعرفه اليمن من قبل في تاريخها هو تفكيك كافة القوى السنية في وسط اليمن وجنوبه في نفس الوقت تمكين القوى الزيدية والتي بفضل العثمانيين استطاعت أن تتوسع لمناطق لم تكن تحلم بأن تصلها طوال تاريخها, ذلك أن عدن الغنية فقدت قوتها بسبب ظهور البرتغال وتمركزهم في غوا في الهند وشن الحملات على عدن لإخضاعها

ففي فترة احتلال العثمانيين الأول لليمن قضى العثمانيون على بقايا الطاهريين بشكل كامل ثم بقية القوى السنية كالنظاري وغيره , تلك القوى التي ما كانت لتسمح أن يتقدم الزيود ويتوسعون في حكمهم إلى وسط اليمن وجنوبه لاحقا كما في عهد محمد بن القاسم صاحب المواهب إذ لم يستطع أئمة الزيود الوصول لعدن إلا سنة 1538 م بعدما قضى العثمانيون على الطاهريين ثم النظاري بالغدر. 

وكان من آثار العثمانيين السلبية مسألة ازدواجية السياسة العثمانية في اليمن بجعل نظامين فيها نظام عثماني تخضع له المناطق السنية ونظام أئمة الزيود في مناطق الزيدية كحكم ذاتي, وهم من منح الزيود إمكانية ظهور نظام ثنائي سياسي في اليمن 

ومن إشكالية اليمن إشكالية كبيرة تكمن في قبائل ما يعرف بالهضبة الزيدية وهي كما ذكرها د. فاروق أباظه أنها قبائل ميالة للحرب تقاتل مع أيا كان ضد من كان دافعهم لذلك الأسباب الاقتصادية, فهم إن وقفوا مع إمام زيدي فهم أسباب انتصاره وقيام دولته وعليه أن يسمح بيده لهم بالسلب والنهب والعطاء , أما إشكالية الزيدية نفسها فهي أنها تسمح لأيا كان من أبناء الحسنين بأن يكون إمام لذلك تجد إمامين وثلاثة وأربعة بل حتى 5 أئمة زيود يحكمون في فترة واحدة كل إمام يدعي أنه الإمام المطلق المجتهد ومع كل إمام قبيلة تحكمه وتحميه وتنصره وخسارته لمكانته تتم عبر استمالة داعميه ووعدهم بالغنائم فيتخلون عنه وينضمون لإمام آخر

وقد قام العثمانيون بتسليم اليمن لحكم الزيود بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى عبر واليهم على صنعاء محمود نديم بيك هو الأساس الذي سلم صنعاء للإمام يحيى المتوكل ورسم خريطة اليمن الزيدي في الشمال والذي عرف لاحقا باسم المملكة المتوكلية اليمنية حين فضل البقاء في خدمة الإمام ومعه 900 موظف عثماني فهم من مهد قيام دولة الإمامة الزيدية في اليمن

 

وحين قامت ثورة سبتمبر في اليمن الشمالي أنهت سلطة الإمامة سياسيا سنة 1962 لكن الإمامة ظلت تقاوم النظام الجمهوري حتى سنة 1970 م, فأسرة آل حميد الدين خرجت خارج اليمن, وظهر إمام سري بعد 1970 هو مجدالدين المؤيدي في صعده وظل إماما مكتوما إلى أن انقلب عليه بدرالدين الحوثي وسحب الإمامة الزيدية للبيت الحوثي

وهذا عين كلام بكير أبو هاشم مولى مسلمة حين قال (( لم يزل لبني هاشم دعوة سر وبيعة باطنة منذ قتل الحسين بن علي بن أبي طالب , ولم نزل نسمع بخروج الرايات السود من خراسان وزوال ملك بني أمية حتى صار ذلك ((

فالدعوة السرية هي الأساس عند كل هاشمي حسني أو حسيني وهي فقط تنتظر فرصة وأجواء الظهور

أما عن اليمن وبريطانيا tمنشأ علاقة عودة بريطانيا هو قضية الشريف حسين بن حيدر حاكم أبي عريش والمخلاف والذي دخل في صراع مع الإمام الزيدي على سواحل تهامة
وبداية اتصال المتوكل في صنعاء بالبريطانيين طمعا في دعمهم له للاستيلاء على تهامة

ذكر الشريف حسين بن حيدر في رسالة له لشريف مكة محمد بن عون ولوالي جدة قائلا : (( إنه قد صار بين المتوكل صاحب صنعاء وطائفة من الإفرنج " البريطانيين اتفاق على انتزاع الديار التي تحت أيدينا منّا))

وفي رسالته لمحمد رائف باشا والي جدة قال : (( وذكرتم أنه أخبركم وكلاء الدولة الإفرنجية المقيمون ببندر جدة أن المتوكل صاحب صنعاء كاتب الإفرنج وخاض معهم في ضبط بنادر اليمن ويستمد منهم الأسباب الموصلة لهذا المرام ويترقبون منهم الفرصة))

وفي سنة 1255 هـ / 1840 م أرسل إمام صنعاء ابن أخيه للحاكم البريطاني لعدن هاينز لإتمام معاهدة للأمن والتجارة وطلب المساعدة ثم في سنة 1257 هـ / 1841 م وصلت بعثة من إمام صنعاء تحمل هدايا ثمينة وكان هدفها طلب مساعدة البحرية البريطانية لانتزاع موانئ تهامة من يد أشراف أبي عريش وكان رد الإنجليز بأنهم على مبدأ عدم التدخل في شؤون الجزيرة العربية

أرسل الإمام وفدا ثالثا في نفس السنة وكان وفدا مفوضا بقبول أي شرط يطلبه حاكم عدن البريطاني هاينز وعرض تنازله عن زيلع على ساحل الصومال ثمنا لبريطانيا ثم طلب ضابطا بريطانيا يشغل منصب مستشار في صنعاء ورفضت بريطانيا كل هذه العروض خوفا من تأثير موقعها في عدن لأن الشريف حسين بن حيدر كانت ترواده فكرة غزو عدن

وعليه وللتخلص من الشريف حسين بن حيدر في تهامة شجعت بريطانيا العثمانيين على العودة لاحتلال تهامة سنة 1256 هـ / 1849 م فدخلت القوات العثمانية للحديدة وفضل الشريف حسين بن حيدر الابتعاد عن الحياة السياسية وأقام بمكة إلى أن توفي فيها

لاحقا خسر العثمانيون بانتهاء الحرب العالمية الأولى مواقعهم على ساحل تهامة في القسم اليمني تحديدا لأن جازان والمخلاف كانت خاضعة لحكم الإدريسي فتوجهت بريطانيا للضغط على الإمام الزيدي لقبول ترسيم الحدود واحتلت الحديدة ثم سلمتها له , ووجهة نظر بريطانيا كانت في تفضيل بقاء ميناء لصنعاء حتى تظل صنعاء الزيدية على اتصال مع العالم الخارجي, ورغم رفض أهل تهامة ذلك من بريطانيا واحتجاز قبائلهم لبعثة بريطانية توجهت من عدن للحديدة قاصدة صنعاء ولعلمهم بأن بريطانيا تتآمر في تسليمهم لإمام اليمن وطلبهم من بريطانيا أن يكونون تحت حكم مصر إلا أن مصالح بريطانيا وعلاقاتها التاريخية مع الزيدية في اليمن كانت أكثر رسوخا وأعمق جذورا

وفي هذا يقول هارولد انجرامز (( إن البريطانيون في عدن مدينون بالكثير لأسلافهم الذين سعوا لإيجاد العلاقات الطيبة مع الأئمة))


أما بريطانيا وباب المندب يقول السنيور الإيطالي مانشيني وهو أحد مسؤولي الحكومة الإيطالية في أريتريا (إن مفتاح البحر المتوسط يكمن في البحر الأحمر ) وقصده أن الوصول للبحر المتوسط لا يكون إلا من البحر الأحمر ولقد عملت إيطاليا على شق طريق بري من موانيها في إريتريا مرورا بالسودان فدارفور وحتى مستعمرتها في ليبيا 

وباب المندب في الأصل كانت تسميته باب المندم لأنه يعود بالندامة على من يفرط فيه وكان لبريطانيا رغبة في التواجد فيه فهي تواجدت في عدن أكثر من 8 عقود وكانت أول بقعة تتخذها قاعدة عسكرية في الشرق الأوسط وآخر بقعة تنسحب منه, أما جزيرة يريم أو ميون التي تقع على باب المندب فقد احتلتها بريطانيا لفترة ثم تركتها تحت نظرها واكتفت بعدن ولا ننسى أنه في سنة 1973 وأثناء الحرب الاسرائيلية منع اليمن مرور السفن التجارية الاسرائيلية عبر باب المندب ما أثر على إسرائيل اقتصادية أثناء الحرب ودفع بريطانيا لاحقا لإطلاق حملة تدويل للجزر اليمنية في البحر الأحمر 


– الخاتمة 

  1. – اشكالية اليمن ليست في إيران إنما علاقة الزيدية الإمامية السلالية الهاشمية مع إيران وهي علاقة مصلحة ظرفية فما ذكرناه سابقا وآنفا من عمليات الزيدية العسكرية واتخاذهم لصعده قاعدة وركيزة لم يكن فيه لإيران ذلك الدور , لذلك تجد المصنفات من الباحثين والمفكرين في اليمن تعالج مسائل الزيدية والسلالة والكهنوت الهاشمي وفي هذا خرجت المصنفات 
  2. –لا يصح نسبة الزيدية في أنها أقرب مذهب لأهل السنة لأنه يستحلون دم ومال وعرض المخالف لهم من السنة ويشتمون الصحابة لكنهم لا يصرحون بلعنهم 
  3. – الزيدية كانت لها إمارات كما في طبرستان وبنو أخيضر في نجد وكما في أشراف مكة وكلهم زيدية بنفس الفكر 
  4. – علاقة بريطانيا بالزيدية قديمة جدا وبدأت تحديدا عبر نسج علاقاتها مع صاحب المواهب وهو المعروف بالمهدي محمد بن أحمد 1686 – 1718  وهو الذي بلغت دولة الزيدية في عهده أقصى توسع لها شملت حتى بربرة في الصومال وشمالا إلى قريب القنفذة تقريبا وشرقا إلى حضرموت ولم تستمر سيطرته سوى عامين وعاد ليبدأ في سلسلة انحسار إلى أن عزل وهذه العلاقة أيضا هي أن هذا المهدي الزيدي كان أول من أدخل طائفة البانيان الهندوس كتجار لموانئ اليمن للمتاجرة والاستقرار فيها خاصة المخا وبنّها المشهور ومنها نشأت العلاقة فيما بينه وبين بريطانيا 
  5. - خاض الهاشميون منذ مقتل عثمان إلى اليوم 10567 تمرد بمختلف الأنواع بمعدل 15 تمرد كل سنة وبمعدل تمرد كل شهر, بلغت معارك دعاتهم في اليمن وحدها منذ صفين والجمل 3456 معركة, مرورا لغارة إبراهيم الجزار مدعوما بمرتزقة من أقاربه الطباطبائيين في طبرستان


المصادر :

  1. البداية والنهاية, ابن كثير 
  2. الرسول القائد, محمود شيت خطاب
  3. أنساب الأشراف, البلاذري
  4. العقد الفريد, ابن عبدربه
  5. البرق اليماني في الفتح العثماني, قطب النهروالي
  6. قرة العيون بأخبار اليمن الميمون, ابن الديبع الشيباني
  7. موجز تاريخ اليمن في العصر الإسلامي, دمحمد أحمد الكامل
  8. الأمراء العبيد والمماليك في اليمن, د.حسين بن عبدالله العمري
  9. البحر الأحمر والجزر اليمنية, د.سيد مصطفى سالم
  10. الحكم العثماني في اليمن 1872  - 1918, د.فاروق عثمان أباظه
  11. الجزر اليمنية, د.شهاب محسن عباس
  12. الفتح العثماني الأول في اليمن, د.سيد مصطفى سالم
  13. عدن والسياسة البريطانية في البحر الأحمر 1839 – 1918 , د. فاروق أباظه
  14. بحوث الندوة الدولية حول اليمن في العهد العثماني
  15. الوجود العثماني في اليمن 1538 – 1635 , محسن محمد عايض الدربي
  16. 16.القبيلة الهاشمية, سام الغباري.

الأستاذ : ابراهيم بالحمر


التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث