ضرورة العثمانيين في إبقاء إيران شيعية .. أفغانستان نموذجا
بقلم إبراهيم بالحمر
المقدمة :
في هذا البحث المختصر نسلط الضوء على فصل مهم من فصول التاريخ الحديث, ذلك التاريخ الذي أحدث الهزات المتتالية سياسيا واقتصاديا ودينيا وفكريا في عالمنا العربي والإسلامي, وهذا البحث يتحدث عن فترة حرجة أدت لسقوط أحد ركائز التاريخ الحديث ألا وهي الدولة الصفوية, تلك الدولة التي مثلت عبر التاريخ أول دولة حقيقية وإمبراطورية فعلية للشيعة الإمامية الإثنى عشرية
وإنه لمن المؤسف جدا أن تفتقر المصادر العربية بشكل حاد لتأريخ هذه الأحداث عبر طلبها من مظانها, بل إنك لا تجد مصنفا عربيا يفردها على حدة عبر تسميتها باسمها ألا وهو نشوء أو قيام الدولة الهوتاكية الأفغانية التي قضت على الصفويين
على أننا في هذا سنأتي بشكل مختصر على ما وقعت عليه الأيدي من مصادر تاريخية أرخت أو تحدثت عن تلك الفترة
1 – أصل القصة
كانت أفغانستان حتى القرن السادس عشر والسابع عشر الميلاديين غير مكتملة سياسياً، ولا يوجد بها حكومة موحدة قادرة على قيادة البلاد الأفغانية .وفي هذه الصورة وجدت أفغانستان نفسها واقعة بين الدولة البابرية التي تسيطر على الأجزاء الغربية من أفغانستان ، في حين أن قسمها الشرقي كان تابعاً للدولة الصفوية ، في الوقت الذي كانت فيه قندهار تارة تتبع للدولة البابرية وتارة أخرى تتبع الصفويين ، وقد ظلت هكذا إلى أن ضمها الشاه عباس الأول إلى الدولة الصفوية عام ١٦٢٢ م وبقيت على هذا الحال يتناوب على حكمها ولاة صفويين إلى مطلع القرن الثامن عشر الميلادي
وفي عهد الشاه سلطان حسين بن الشاه سليمان( 1694 / 1723 م ) كانت قندهار تابعة للصفويين وقد أسند حكمها إلى الأمير "جوركين خان الكرجستاني" وقد كان"جوركين "والياً على كرجستان المسيحية، وقد حاول الاستقلال بتلك الإمارة فلم ينجح، ثم دان بالإسلام فعفا عنه الشاه وعينه على قندهار
وقد عامل "جوركين" أهل قندهار بأعلى درجة من الذل والاحتقار، مما جعلهم يجأرون إلى الشاه الصفوي مما يلحقهم من "جوركين "ورجاله، إلا أن شكواهم تلك لم يتم تقديرها حق قدرها، أو التعامل معها من قبل الصفويين على القدر الذي كان أهل قندهار يأملون، بل لقد ظل حال "جوركين" ورجاله على ما هم عليه
ومع ذلك فقد أزعجت تلك الشكاوى "جوركين" وقرر سحقها من جذورها وذلك بالقضاء على زعامات النضال، فألقى القبض على " الأمير أويس أحد أهم زعامات قندهار وتم إرساله إلى أصفهان عاصمة الصفويين، حيث كتب"جوركين"إلى الشاه يحذره من خطر"الأمير أويس" وأنه أحد العصاة المارقين على سلطة الشاه وأن الخير كله في بقائه في أصفهان بعيدًا عن قندهار
وقد أخطأ "جوركين "بإرسال "الأمير أويس "إلى أصفهان، إذ كان أويس على قدر من الحكمة، مما جعل الشاه يعجب به حتى أصبح من خاصة الشاه وجلسائه. وقد مهد له هذا القرب من البلاط الفارسي من تحسس البيت الصفوي عن قرب ومعرفة أحواله عن كثب, وساعده في ذلك أنه وجد رجال الشاه منقسمين إلى قسمين قسم مؤيد لـ "جوركين "، وقسم آخر يريد التخلص منه، مما جعل"الأمير أويس" يضع يده في يد القسم الأخير
وفي أصفهان استأذن "أويس" من الشاه للذهاب إلى الحج فسمح له بذلك، وأثناء تأدية شعيرة الحج التقى أويس ببعض العلماء حيث شرح لهم ما تعانيه قندهار من نير الحكم الصفوي الرافضي، ومحاولاته الدائمة والمتكررة إلى طمس الدين السني, وقد حصل"أويس "من العلماء على فتوى تبين خطر الحكم الصفوي الرافضي على أهل السنة في قندهار وأنه من الواجب التخلص منه بل ومقاومته، وأن هذا الأمر يعتبر جهادًا .
وأثناء عودة "أويس "إلى أصفهان دخل في مفاوضات مع عدد من التجار الروس ومبعوثي بطرس الأكبر الذين كانوا يقيمون في أصفهان، فحرضته تلك الجماعة على إثارة الأفغان في قندهار ضد إيران
وقد واتت الفرصة" أويس"، وذلك عند وصول مبعوث الإمبراطور"بطرس الأكبر" إلى الشاه "سلطان حسين"، فقد كان يرأس تلك البعثة أخو "جوركين" حيث استغل" أويس" ذلك وأخذ يحرض الشاه ويؤلبه ضد"جوركين"والذي اتهمه بميله إلى الروس مما جعل الشاه يصدر مرسوماً بأن جعل من"أويس"مراقباً على جوركين
وعلى أي حال فقد استطاع "أويس" القضاء على خصمه" جوركين" والانفراد بحكم قندهار، وكان معنى ذلك الخروج على الحكم الصفوي، في الوقت الذي كان فيه الصفويون أبعد وأضعف ما يكونون عن بعث جيش لمحاربة "أويس"، وقد فضلوا الوصول معه إلى اتفاقية تقضي باعتراف إيران بحكم أويس في مقابل إعلانه الخضوع والطاعة لإيران
لكن كان أويس أبعد ما يكون للتسليم بالحكم الصفوي، فقد رفض التفاوض مع مندوب الصفويين، كما بعث معه برسالة تهديد إلى الشاه جاء فيها: ( لتكن واثقاً من أن ساعة الانتقام قد أزفت، وأن الأفغان البواسل هم من اختارهم الله لمعاقبة الفرس المارقين)
وإزاء الوضع الراهن فقد أمر الشاه الصفوي حاكم خراسان بقمع التمرد، إلا أنه لم يستطع ذلك فوجه الشاه أمرًا إلى حاكم جورجيا "خسروخان" بقمع ذلك التمرد الأفغاني وكان "خسروخان" على استعداد لمثل هذا الأمر انتقاماً لابن عمه "جوركين" فحاصر "خسروخان" قندهار وعندما طال الحصار عزم الأهالي على تسليم المدينة بشرط الأمان، لكن حماقة "خسروخان" التي رفضت إعطاء الأهالي الأمان جعلتهم يستميتون في الدفاع عن المدينة حتى تمكنوا من جيش "خسرو" فأبادوا من جيشه ٢٤ ألفاً من مجموع 25 ألفا ، كما سقط خسروخان صريعاً في المعركة, كل هذه الأحداث مكنت أويس من التفرد بحكم قندهار حتى موته في سنة 1715
على أن سياسة قندهار قد تغيرت بعد موت "الأمير أويس "وتولي أخيه عبدالله للحكم من بعده إذ كان عبدالله يميل إلى عقد صلح مع الصفويين بالشروط التالية:
أ - عدم التزام الجانب الأفغاني بأي مبالغ مالية تجاه الفرس
ب - عدم إرسال أي قوات ضد قندهار
ج - أن يكون الحكم وراثياً في أسرة "عبدالله"
إلا أن هذه التصرفات التي صدرت من قبل عبدالله أخذت توغر عليه قلوب الأفغان الذين ضحوا بأنفسهم في مقابل الحرية حتى إذا ما كادوا أن يتذوقوها إلا وقد عزم عبدالله ردهم إلى الحكم الصفوي مرة أخرى.
وهكذا فقد ثار محمود ابن أويس على عمه عبدالله وقتله وتولى حكم قندهار متبعًاً في سياسته ما كان عليه أبوه من قبل في مجابهته للصفويين.
ونتيجة للاستقلال السياسي والذي حصلت عليه قندهار فقد حذت حذوها كبرى العشائر السنية وهي عشيرة "العبدلي "البشتونية إذ ثارت تلك القبائل معلنة الخروج على الصفويين، وقد تعاونت مع الأوزبك على غزو خراسان.
واستولى محمود على سيستان ثم استولى على كرمان سنة 1720 ثم توجه إلى يزد واستولى عليها فجمع الشاه جموعه ودفعهم إلى جلناباد المعبر الوحيد لأصفهان فانهزم الصفويون وفروا باتجاه أصفهان
اجتمع فلول أمراء الدولة الصفوية من القبائل التركمانية الشيعية ونصبوا طهماسب ميرزا شاها على ما بقي معهم من إيران لإنقاذ العرش الصفوي فجهز مير محمود حملة عليها قائده "أمان الله خان" نحو قزوين ففر الشاه إلى تبريز تاركا قزوين للأفغان هذا الوضع الذي أصاب الدولة الصفوية جعل القوى المحيطة الطامعة (العثمانيون والروس) يتحركون للاستيلاء على ما يمكن حيازته من الأراضي الإيرانية ففرصة مثل هذه لا تتكرر, وفي الوقت نفسه الذي أخذ محمود يعد العدة لغزو فارس نفسها, وبناء على ما وصلت إليه الدولة الصفوية من ضعف فقد طمع محمود في دخول العاصمة الصفوية "أصفهان "خصوصاً بعد انتصار الأفغان الأخير على الصفويين
تأهب الجانبان الأفغاني والفارسي عام 1722 لخوض تلك المعركة بينهما التي عرفت بـ "جلناباد " حيث انتصر الجانب الأفغاني بعد أن استولى الأفغان على المدفعية الصفوية واستخدموها ضد المشاة الصفويين مما عجل بفرار الجيش الصفوي وتفرقه
وتنفيذًا لذلك فقد واصل محمود بمن معه سيره نحو أصفهان, وعلى أسوار أصفهان ضربت قوات مير محمود الأفغاني حصارها الذي امتد لأشهر حدثت فيها المجاعة لأهل أصفهان فلم يجد الشاه حسين بدا إلا تسليم المدينة له على شرط محمود الأفغاني فخرج هو وابنته وكان من شرط محمود الأفغاني أنه سيتزوجها
وقد قام الأفغان بنهب القرى والمدن التي في طريقهم إلى أصفهان، بينما أعلنت بعض المقاطعات الفارسية استقلالها عن الدولة الصفوية مثلما حدث مع ملك أحمد والذي أعلن استقلاله بـ"تون" عن جسد الدولة الصفوية، كما انتشرت المجاعة في أرجاء أصفهان بعد حصار الأفغان لها حتى بدأ الناس يأكل بعضهم بعضا, وفي ظل هذه الظروف فقد قرر الشاه سلطان حسين التنازل بالعرش إلى محمود بعد أن فقد كل أمل في المقاومة، وقد كان ذلك عام ١٧٢٢م
على أن كبار رجال البلاط الصفوي لم يكونوا راضين على تنازل الشاه سلطان حسين عن العرش إلى الأفغاني محمود مما جعلهم ينصبون طهمسب الثاني بن الشاه سلطان حسين شاهاً على البلاد في محاولة منهم لإنقاذ العرش الصفوي
رواية أخرى
وهذه الرواية الأخرى نقلها المؤرخ العراقي عباس العزاوي فقال : (استفحل أمر أمراء وولاة الدولة الصفوية في مناطق الأفغان وتعدوا على كل شيء فقام حاكم قندهار الصفوي كوركين خان وهو كرجي "جورجي" الأصل بالتعرض لأخت الأمير أويس وهو من العشائر الرحل لأنه حدث مرة أن دعا الصفوي أويسا لوليمة في قندهار فرأى أخته فأعجبته وعليه عمل وليمة ثانية جعل فيها الرجال مع الرجال والنساء مع النساء وبين النساء المدعوين أخت أويس فحين حضرت منعها من أن تعود لأهلها فكان هذا هو الداعي لتحرك أويس وعشائر الأفغان فاكتسحوا قندهار بطولها وعرضها وقتلوا كوركين ونكلوا بأتباعه واستولوا على قندهار سنة 1719 م واستولى ابن أخيه قاسم على هيرات)
هذا الاكتساح الأفغاني والانهيار الصفوي جعل الطامعين المتربصين وهم العثمانيون والروس يسيل لعابهم لحيازة ما يمكن حيازته من أراضي الصفويين
2 – ردة الفعل العثماني
هذه التحركات الأفغانية جعلت والي أرضروم العثماني يكتب بوجه السرعة لولاة الولايات العثمانية القريبة ومنهم حسن باشا والي بغداد
فكتب حسن باشا كتابا للأمير محمود الأفغاني وأرسله مع الحاج عثمان آغا وجعله كتاب تهنئة بهذا الفتح الأفغاني وفيه تنديد بالعجم وأنهم أعداء, فرد محمود الأفغاني أنه لم يفعل ذلك إلا ابتغاء مرضات الله وأنه مطيع لسلطان المسلمين "العثماني" وأكرم الرسول العثماني وأرسل وزيره محمد صادق خان بكتاب إلى حسن باشا يذكر فيه جرائم الإيرانيين وكيف هزمت جيوشهم جيوش الصفويين وأظهر في كتابه طاعته للسلطان العثماني وخضوعه ورغب أن يكون مع العثمانيين على الصفاء والمودة.
أما حسن باشا فكان نبه الرسول أن يصف مشاهداته ويبين حالة بلاد العجم "إيران" ووضعها وأخبارها لأن هناك مناطق لم يصلها الأفغان بعد وهي محاذية لحسن باشا وقريبة منه وستسقط في يده إن تحرك لها والصفوية انتهت تماما في نظر حسن باشا وعشائر العراق أذعنت له فزادت أطماع حسن باشا لاستخلاص ما يمكن استخلاصه من هذه الغنيمة "إيران"
وبهذا الأمر تبين للوزير حسن باشا سهولة الاستيلاء على ما يحاذيه من إيران فأرسل لسلطانه العثماني بذلك فجاء الرد الأولي أن بين العثمانيين وإيران عقودا وعهودا لكنها أمرته باتخاذ اللازم والتحسب للطوارئ
في سنة 1723 م صدر أمر السلطان بالاستيلاء على بقية بلاد إيران التي لم يأخذها الأفغان بعد وعدم التعرض لما في يد الأمير محمود الأفغاني, فاختير حسن باشا قائدا لجبهته ووالي وان عبدالله باشا الكوبريللي من جهة تبريز وأذربيجان وإبراهيم باشا السلحدار والي أرضروم من جهة كنجه وروان "أرمينيا"
وأرفقت الدولة العثمانية فرمانها بفتوى شيخ إسلامهم بأن الشيعـة كفار لا يعترفون بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم ويطعنون في أم المؤمنين عائشة ويكفرون الصحابة ويستحلون دماء المسلمين وأموالهم وأعراضهم .. الخ وعليه تجري عليهم أحكام أهل الـردة
انطلق حسن باشا من جهته إلى كرمانشاه فدخلها فصار الايرانيون يستسلمون ويستقبلون العثمانيين بالترحيب ذلك أن كرمانشاه من مناطق الأكراد السنة في إيران, ثم عزم التوجه إلى همدان لكنه آثر التوقف في كرمانشاه وبعث السرايا إلى لورستان وخرم آباد
وبالطبع هذه المناطق هي مناطق كردية في إيران وليست مناطق فارسية أو تركية كحال تبريز وأذربيجان
وقد طالب كبراء همدان بعدم التعرض لنسائهم واشترط عليهم حسن باشا إيقاف سب الصحابة وترك الرفض وينقادوا للسلطان فيأمنون
بعد دخول حسن باشا لإيران وانهيار الحكم الصفوي التام كتب حسن باشا كتابا لحاكم أصفهان الأمير محمود الأفغاني يخبره بما جرى يعني من دخوله لتلك المناطق في عملية تشبه "جسّ النبض" وهو ينتظر الجواب التام ومشاهدات مرسوله عثمان آغا
وقد توقف حسن باشا في أقصى نقطة وهي كرمانشاه في انتظار جواب عثمان آغا وفي انتظار والي ارضروم من جهة تفليس "تبليسي" وانتظار الوزير عبدالله باشا الكوبريللي المتقدم لهمدان من جهة وان
وادّعوا أي العثمانيين أن سبب توقفهم حلول الشتاء والثلوج وصعوبة الطرق الخ
في سنة 1724 توفي حسن باشا في كرمانشاه وخافوا أن يدفنوه في كرمانشاه فيعود الصفوية, فشـقوا بطنه واستخرجوا أمعائه وطيبوه بالأدوية ونقلوا الجثة إلى بغداد وخلفه ابنه أحمد باشا الذي كان واليا على البصرة فتوجه نحو بغداد ومنها إلى كرمان شاه وفيها أمر بالتوجه لدخول همدان.
قام أمير اللّر علي مراد خان بعدما علم عجز جيشه بطلب الأمان من العثمانيين فأعطوه ذلك ودخلت اللّر في حكم العثمانيين, توجه العثمانيون نحو همدان فحاصروها لشهرين ثم دخلوها واستولوا على الأنحاء المجاورة لها مثل كرند وسنقور وبروجرد ونهاوند
في سنة 1725 عاد الوزير أحمد باشا لبغداد بسبب العبث فيها والذي قيل أن سببه بني جميل وبني لام فدخل بغداد ثم توجه بعدها لبني جميل فأوقع بهم وتكون همدان أقصى نقطة توغل لها ووصلها العثمانيون داخل إيران
وفي سنة 1729 وبعد وفاة الأمير محمود خان وقيل أنه عزل بسبب تغير عقله خلفه الأمير أشرف خان الأفغاني والذي حارب العثمانيين واحتج عليهم باتفاقهم مع الروس النصارى ضد المسلمين وهذا الأمير طالب العثمانيين برد ما أخذوه من إيران فكتب كتابا للسلطان وكتب وزيره زلاخان كتابا للصدر الأعظم وكانت كتبهم التي كتبوها باللغة العربية ومما جاء فيها أنه حكى فتوحاتهم في إيران وأشار أن وجود أحمد باشا والي بغداد وجيوشه في همدان مما ينافي وحدة الحكومة ويرجو من السلطان العثماني إرجاعه كما ويأمل أشرف الأفغاني من السلطان العثماني أن تكون حدود الدولتين بين الأفغان والعثمانيين هي حدود إيران مع العثمانيين سابقا المتفق عليها وفق معاهدة قصر شيرين, ونبه الأفغاني السلطان العثماني بأنه إن لم يستجب فستكون العواقب وخيمة وقدم السفير الأفغاني محضرا موقعا من 19 عالما من بلاد الأفغان في جواز تعدد الأئمة وأن أشرف خان أحق بإيران من السلطان العثماني وقالوا أي الأفغان: (نحن قرشيون نسبتنا ثابتة إلى خالد بن الوليد بالاتفاق وإننا أحق بالإمامة منكم وأولى بها والأئمة من قريش ولا يجب علينا متابعتكم ولا طاعتكم وإنكم جائرون وعلى غير الحق في دعواكم إذ من شرط الإمام كونه قرشيا مجتهدا "يعني عالم " وهذان الشرطان مفقودان منكم أي "العثمانيين" على أنّا نقول : لا إمامة واجبة عقلا وسمعا لقوله صلى الله عليه وسلم الخلافة بعدي ثلاثون سنة ثم تكون ملكا , أما قوله صلى الله عليه وسلم من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية فالإمام محمول على النبي صلى الله عليه وسلم , ونعتقد أن الإمامة لنا لا لكم ونفعل في هذه الأمصار ما يجب على الإمام العادل فعله .
أما فتوى شيخ إسلام العثمانيين فاستندت على حديث : إذا بويع لخليفتين فاقتلوا الثاني منهما وأنه لا يصلح أن يكون إمامان للمسلمين إلا أن يكون بين مملكتيهما حاجز عظيم وهكذا كتب علماء اسطنبول محضرا ومعه كتاب ينصح فيه أشرف خان بألا يتورط في الحرب مع السلطان وأرسل مع رسول أشرف خان وهو عبدالعزيز خان
وعلى هذا صدر فرمان للوزير أحمد باشا بلزوم الحرب ضد الأفغان تأييدا لفتوى شيخ إسلام العثمانيين
ولاحظ رواية ابن كنان هنا عن هذه القصة من نفس تاريخ السنة 1139 للهجرة إذ يقول :
((وفيه سُمِعَ أن الأمير أُويس الذي بمملكة العجم أخرج الشاه وتملك أصبهان، تغلب على عسكر بني عثمان، ورجعوا ولم تحصل نصرة، وهو من أهل السنة، وقع له رؤيا في قتالهم لارتكابهم مسبة الصديق والصحابة، وهم مستاهلون أكثر من ذلك، ومعه عساكر جرارة لا تحصى ومعه علماء وفضلاء، ولا يعمل شيئاً إلا على وجه الشرع الشريف، وله تنسُّك وتعبُّد سار في جميعهم كالصحابة ))
تعليق :
هذا وصف ابن كنان للأمير أويس ملك الأفغان الذي قضى على الدولة الصفوية وهنا تثبت هذه السطور قتال العثمانيين للأمير أويس ابتداءً من قبل أن يظهر حفيده وتثبت أن العثمانيين ناصروا الدولة الصفوية وروسيا على أويس الأفغاني وأنهم شكلوا تحالف ثلاثي ضده
3 – المواجهة العثمانية الأفغانية
استعد الطرفان للحرب فعمد أشرف خان الأفغاني لاستمالة الأكراد في مناطق توغل العثمانيين داخل إيران وعلى كل التقى الجيشان جيش أحمد باشا وأشرف خان بين همدان وأصفهان فانهزم الأفغان وانسحب الأكراد من عند أحمد باشا حين عاد لمعسكره فعاد الى كرمانشاه وكتب لدولته فأيدته وارسلت له الامدادات
في 1728 م توجه أحمد باشا لأصفهان فطلب الأفغان الصلح فوافق أحمد باشا بشرط أن تكون همدان وكرمانشاه للعثمانيين ويكون هناك ممثل عثماني في حكومة أشرف خان
في سنة 1729 م وصلت هدايا أشرف خان للعثمانيين منها فيل
في سنة 1731 م نهض الشاه طهماسب مع اعتماد دولته نادر خان واستطاعوا أن يجمعوا فلولهم وأزاحوا الأفغان من عاصمتهم أصفهان وبقية إيران
ثم توجهوا لهمدان وكرمانشاه واستطاعوا هزيمة الولاة العثمانيين فيها فتم الكتابة من الدولة العثمانية نحو الوزير أحمد باشا في بغداد بالتوجه هناك فوصل إلى ما يعرف بقرية المنصورية اليوم وعندها توفي السلطان وخلفه السلطان محمود الأول فجاء أمر بالتوقف حتى ينظر السلطان الجديد في المسألة
في سنة 1731 م صدر الفرمان بالتوجه لإيران فتوجه لكرمانشاه مجددا فاستسلمت له البلد وبعدها توجه نحو همدان فاستعد أهلها للحصار واستطاع العثمانيون الاستيلاء عليها
4 – الاتفاقيات الروسية العثمانية ضد الأفغان
إن دخول "محمود" العاصمة الصفوية "أصفهان وجلوسه على عرش فارس لم يكن آخر المطاف، إذ كانت الأخطار محدقة به، وكان عليه مواجهتها, فالأفغان الذين غزو إيران من الشرق قد لفتوا نظر روسيا التي عزمت على غزو إيران من الشمال، بينما أراد العثمانيون مثل ذلك من الغرب. في الوقت الذي أخذ فيه ولي عهد الشاه حسين وهو "طهمسب " تكوين جيش كبير ومهاجمة الأفغان وتخليص إيران منهم، هذا فضلاً على أن كثيرًا من المقاطعات الفارسية أصلا أخذت في الاستقلال عن جسد الدولة الصفوية حتى لا تحمّل نفسها مغبة التبعية لمحمود الأفغاني
وقد أدرك محمود تلك الأخطار المحدقة به فأخذ يعد العدة فأرسل إلى قندهار بمبلغ ٣٠٠ ألف جنيه إسترليني بغرض تجنيد عناصر جديدة وإرسالها إلى فارس للخدمة العسكرية هناك، إلا أن حاكم سيستان استولى على المال قبل وصوله إلى هناك وأمام هذا الوضع الراهن فقد قرر محمود البدء أولاً بـطهمسب في شمال فارس ، فوجه حملة كبيرة إليه هناك، ومع نجاحها في دخول بعض المدن مثل قم إلا أنها لم تستطع القضاء على طهمسب.
وتحت وطأة الظروف الراهنة فقد بعث إمبراطور روسيا "بطرس الأكبر" ببعثة إلى إيران كان الهدف من ورائها الاطلاع على ما وصلت إليه أحوال إيران الداخلية في محاولة من "بطرس" لاستغلال الأوضاع الراهنة في توسيع مملكته على حساب إيران، وتحويل بحر قزوين إلى بحيرة روسية فما لم يدركه بطرس الأكبر في البحر الأسود وقتها ربما يدركه في بحر قزوين
ولم يكن ذلك بمستغرب على بطرس فقد ذكر في وصيته في الفقرة التاسعة قائلا (( والتعجيل بضعف بل بزوال دولة إيران لنتمكن من الوصول إلى البصرة وربما إعادة تجارة الممالك الشرقية القديمة إلى بلاد الشام والوصول منها إلى الهند التي هي بمثابة مخزن للدنيا ))
وقد ادّعى الروس أن الهدف من وراء تلك البعثة هو المطالبة بتعويض عما لحق القافلة الروسية على يد خان خيوه التابع لإيران
وقد قابل تلك البعثة الروسية" محمود بن أويس الأفغاني" التي شكت إليه اختلال الأوضاع في شمال فارس، فما كان منه إلا أن ردهم بعدم استطاعته السيطرة على الأوزبك أو الليجيان المتواجدين هناك, وكان هذا الجواب في حد ذاته يدل على الجهل في الدبلوماسية السياسية لدى "محمود" فبدلاً من الرد على الروس بإمكانية السيطرة على تلك المناطق ومعاقبة الخارجين فيها، فإنه بالجواب السالف الذكر قد فعل التالي :
أ - مهد للروس بالتحرك ضده لما نما إليهم من ضعفه وعدم قدرته على السيطرة على أحد العناصر المكونة لدولته
ب – خسر إمكانية التحالف مع دولة وليدة اسمها روسيا أو تحييدها في أقل الأحوال
ج – أظهر للروس كل عوراته السياسية والأمنية الداخلية والخارجية فلا هو الذي ضبط مناطق سيطرته والنسيج المكون لدولته ولا هو الذي استطاع الاتفاق أو تحييد الروس
وبالتالي فقد سال لعاب بطرس لتحقيق تلك الأمنية في ظل أوضاع الدولة الصفوية والاجتياح الأفغاني لإيران, وقد تحرك "بطرس الأكبر" في ٢٢ ألف مقاتل تجاه فارس معلناً أنه يريد أن يخلص فارس من الطاغية الأفغاني محمود فاستولى على دربند واتجه إلى شماكا وبينما هو في طريقه إليها إذ وصله المبعوث العثماني والذي حذر الروس بأن أي تقدم من الجانب الروسي داخل أراضي إيران ما هو إلا إعلان الحرب ضد العثمانيين، وبالتالي فقد فضل "بطرس" عدم الدخول مع العثمانيين وقتها في حرب.
على أن ذلك التحرك العثماني قد سبقه مجلس حرب عثماني عقد لتداول الأمر حول اجتياح الروس للأراضي الإيرانية، وذلك بعد ورود تقارير الولاة العثمانيين التي تفيد بذلك الاجتياح الروسي, حيث ورد تقرير حسن باشا والي العراق، وحسين باشا زاده والي وان، وإبراهيم باشا والي أرضروم, وكذلك أمراء قارص، وجلدر، وسهرورد, والتي أكدت على أهمية التحرك العثماني لمواجهة الخطر الروسي.
ولو عدنا بالزمن نجد أن السلطنة العثمانية قد بعثت قبل ذلك بمبعوثها "دوري أحمد أفندي" سنة ١٧٢٠ م إلى البلاط الصفوي للوقوف على أحوال إيران، وقد صدر تقرير أفندي محذرًا من الخطر الأفغاني والذي بدأ يهدد إيران وقتها, ومعنى ذلك أن العثمانيين لديهم علم مسبق باحتمال سقوط الدولة الصفوية على يد الأفغان من قبل سقوط أصفهان نفسها بحوالي العامين.
وقد تقرر من خلال المجلس الحربي العثماني ذاك أن "جار الدار أحق بدار الجار" ،كما أصدر شيخ إسلام العثمانيين في اسطنبول فتواه بأن إيران هي دار حرب، وأن الرافضة هم في حكم المرتدين، بسبهم الصحابة، وقذفهم أم المؤمنين عائشة، واستباحتهم قتل أهل السنة والجماعة، واستحلال نسائهم.
وسرعان ما اجتاحت القوات العثمانية كلاً من روان وشهرارد وآباد ونمجوان ونهاوند وتبريز ولار كما بينا سابقا
كما استنجد أهل شيروان، التي يقطنها غالبية سنية من سكانها، وكنجه وهمدان بالسلطان العثماني، فتحرك لها العثمانيون خوفاً من وقوعها في يد الروس.
وإزاء الوضع الراهن فقد بعث" طهمسب الثاني" برسالة إلى اسطنبول يستفسر عن هجوم القوات العثمانية على بلاده، وكان رد العثمانيين بأن الأفغان قد استولوا على أصفهان، وبأن القوات الروسية استولت على باكو ودربند وبالتالي فإن العثمانيين يريدون استرجاع إيروان وتبريز قبل سقوطهما في يد الأعداء.
ومن خلال تلك الإجابة العثمانية فقد فهم "طهمسب" أن العثمانيين قد بيتوا النية لإتمام ما قد بدؤوه.
ومن ناحية أخرى فإن تحركات الروس قد أقلقت الباب العالي فالروس ما فتئوا يستغلون الفرصة تلو الأخرى لاجتياح الأراضي الإيرانية، ومن ذلك أن حاكم رشت قد استنجد بالروس لتخليصه من الأفغان مما مهد الطريق للقوات الروسية للاستيلاء عليها تحت مظلة حمايتها من الأفغان.
كل تلك التحركات الروسية قد صحبها غضب عثماني تمثل بإرسال رسالة من السلطان "أحمد الثالث" إلى الإمبراطور"بطرس الأكبر" تضمنت تهديدًا عثمانياً للروس بأنه في حالة تجاوز القوات الروسية جنوب دربند فسيكون ذلك بمثابة إعلان للحرب بين الدولتين.
وأمام هذا الوضع فقد أحست فرنسا بتضرر مصالحها التجارية في حال قيام حرب بين الجانبين العثماني والروسي ولذلك أوعزت إلى سفيرها في استانبول" الماركيز دي بوناك" بالتوسط لحل الأزمة بين الجانبين
استغلت روسيا الفرصة وتقدمت من الشمال وطلب الصفويون الدعم من روسيا لكن العثمانيين هددوا الروس فتوقفوا, ثم اتفق العثمانيون والروس مبدئيا على أن يأخذ كلا الجانبين جزءا من فارس.
لقد كانت رغبة قيصر روسيا التوسع في ايران لذا لم يعترف بحكم مير محمود وزحف بجيشه بحجة انقاذ بلاد فارس من الافغان, وشدد الافغان الضغط على مدينة رشت فاستنجد حاكمها بالروس واستطاع الروس اخذها وعقد ولي العهد طهماسب الثاني معاهدة مع الروس تنازل لهم بمقتضاها عن (شروان , جيلان , داغستان , ومازندران) واتفق الروس والعثمانيون مبدئيا على تقسيم فارس على النحو التالي :
أ - تاخذ روسيا سواحل بحر قزوين وجيلان ومازندران الى شمال المجرى الجنوبي لنهر آراس او بالذي تنازل فيه طهماسب لروسيا
ب - يأخذ العثمانيون الولايات الغربية
ج- اذا وافق طهماسب على هذه الاتفاقية يتم الاعتراف به شاها على فارس
د - يتحالف العثمانيون والروس ضد اي محاولة يقوم بها طهماسب لاستراداد اي شيء
5 - الوساطة الفرنسية بين روسيا والعثمانيين في اقصاء الأفغان وإعادة إحياء إيران
ولبدء المحادثات فقد اشترطت روسيا انسحاب العثمانيين من كافة المناطق التي دخلوها في إيران، وبالطبع فقد رفض الجانب العثماني ذلك الشرط على لسان رئيس الكتاب محمد أفندي، والذي أوضح أن ما وضع العثمانيين يدهم عليه سواء من أذربيجان أو جورجستان وكذا شيروان وداغستان هي في الأصل حق عثماني قبل استيلاء إيران عليها، وبالتالي فمن المستحيل رد ما هو للعثمانيين إلى إيران.
وعلى هذا الأساس فقد طلب سفير روسيا مهلة ثلاثة أشهر لإخبار دولته بما كان، منتظرًاً منها الرد في إكمال المفاوضات من عدمها في الوقت الذي اقترحت فيه فرنسا على الطرفين العثماني والروسي إقامة هدنة بين الجانبين لحين الوصول إلى حل نهائي لهذه الأزمة بين البلدين وبالفعل فقد وافق الجانبان على تلك الهدنة
وبهذه الهدنة تكون انتهت الصفحة الأولى من المفاوضات العثمانية الروسية.
والذي يبدو أن روسيا إنما أرادت من تلك الهدنة كسب الوقت في الوصول إلى صيغة تفاهم جانبية مع "طهمسب" إذ إن روسيا، وعلى الجانب الآخر، قد بدأت مفاوضات مع سفير الدولة الصفوية في سان بطرسبرج "إسماعيل بك "وقد أسفرت تلك المفاوضات التي توصل إليها الطرفان الصفوي والروسي إلى تنازل الصفويين عن الولايات الشمالية لروسيا وفي جملتها دربند وداغستان وشيروان وكيلان ومازندران وأسترباذ في مقابل مساعدة روسيا للشاه "طهمسب"في طرد أعداء إيران الأفغان من الأراضي الإيرانية.
ولتبدأ الصفحة التالية من المفاوضات العثمانية الروسية بحلتها الجديدة في إعلان روسيا اعترافها بالشاه "طهمسب" شاهاً على إيران، بالإضافة إلى إفصاح روسيا عن المعاهدة التي تمت بين الجانبين الصفوي والروسي, وإنما أرادت روسيا من ذلك صبغ ما أخذته من الأراضي الإيرانية بالصبغة الرسمية وتسويغ ذلك الاجتياح الروسي لإيران بأنه ليس كما يظن، وإنما هو حق مكتسب بما كفلته المعاهدة المبرمة مع الدولة الصفوية, ومن جانب آخر إرسال رسالة إلى العثمانيين بأن ليس هناك ما يمكن التفاوض معهم بشأنه.
لكن الدولة العثمانية لم تعترف ب "طهمسب "شاهاً لإيران في ظل وجود الشاه" سلطان حسين " كما أكدت الدولة العثمانية على ضرورة خروج الروس من كافة المناطق الإيرانية التي قد استولوا عليها، في الوقت الذي أعلن العثمانيون فيه أنهم سوف يسعون إلى إخراج الروس بالقوة وبمنطق الحرب إذا اضطروا إلى ذلك.
وأمام تجدد الأزمة بين العثمانيين والروس التي قد تؤدي بينهما إلى الحرب فقد تدخلت فرنسا مرة أخرى لنزع فتيل الحرب بين الجانبين، وبالفعل فقد تقرر في٢٤ يونيو ١٧٢٤ م معاهدة بين العثمانيين والروس تقضي بتقسيم أجزاء من المناطق الإيرانية بينهما كحل مرضٍ للطرفين بديلا عن الحرب، وقد جاءت معاهدة الصلح تلك على النحو التالي :
أ - يكون الخط الممتد من تركستان شرقاً إلى ملتقى نهري كورا وآراس إلى دربند حداً فاصلاً بين الدولتين.
ب - تكون مقاطعات أسترآباد ، مازندران ، كيلان وقسم من شيروان للروس.
ج - تكون