نقد مسلسل معاوية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين وعلى أهل بيته أزواجه الطيبين وصحابته الغُرِّ الميامين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
فهذه سلسلة تعليقات تحمل في طياتها فوائد تاريخية مختصرة عن أحداث كانت وما زالت تتشكل حولها الأحزاب وتقوم في سبيلها حتى المعارك
والقصد من هذه التعليقات على تلك الحلقات المتعددة لمسلسل معاوية هو أمور منها:
أن المسلسل أُجّلَ عرضه لعامين متتاليين لأسباب مجهولة
هذا التأجيل منح المسلسل زخما إعلاميا وأثار شهية الفضول عند المشاهدين
وتزامن عرضه مع انتصار ثورة الشام المباركة على محور إيران وقطع دابرهم في لبنان وبداية الضربات على ذيلهم في اليمن
أن أحداث مؤامرة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه وما بعدها صارت حديث وسائل التواصل الاجتماعي كتطبيق إكس (تويتر) وفيسبوك وتلجرام وتيك توك ويوتيوب وغيره
ولا ننسى أن ننسب الفضل لأهله فقد أوقد جذوة هذا الموضوع بالتصحيح والتقيح والبحث والتنقيب والتوجيه والإرشاد فضيلة الشيخ د. طه الدليمي ثم تبعه البقية كل يعمل حسب طاقته وما يفتحه الله عليه
فكل تلك الأسباب كانت دافعا لإثارة الفضول عند المشاهدين في نوعية ما يقدمه العمل.
ولأن اليقين لا يزول بالشك فكان الحذر والانتباه هو عنواني وعنوان غيري من الأصدقاء الباحثين حين طرح هذا العمل عبر الشاشات وما تخللته حلقاته من أحداث كان غالب الظن أنهم سيجترون فيه الرواية العباسية ويعيدون صياغتها من جديد وهو ما كان متوقعا وأنا أكتب هذه المقدمة بعد مرور سبعة عشر حلقة من هذا المسلسل
ولكنني آثرت كتابة نقد بنّاء تجاه كافة حلقات العمل بما له وما عليه متحريا الإنصاف ما استطعت ومبتعدا عن العاطفة ما قدرت لذلك أخرج لكم هذا البحث المختصر لعل فيه الإفادة لإزاحة الغشاوة عن العيون والخروج من أسوار الروايات العباسية الكهنوتية
وسيكون النقد مرقما على ترقيم الحلقات وقد يطول وقد يقصر على حسب الحوادث والله المستعان
الحلقة الأولى
جاء في الحلقة مجموعة من السلبيات وأمر إيجابي واحد فقط
السلبيات
1 - التركيز على حمزة وعلي رضي الله عنهما في مشهدين وأن شجاعة بدر لهما
2 - تأخير إسلام معاوية رضي الله عنه للسنة 8 هـ عام الفتح والصواب إسلامه عام الحديبية سنة 6هـ
3 - الملابس عثمانية التصميم أكثر ما تكون عربية
4 - الحوار بين معاوية والمرأة الكفيفة يذكرني بما يكون من أقاصيص تحاك لتسبق قصص العظماء وهي ايديولوجيا شرقية تجدها في ظهور جنكيز خان أو بوذا أو غيره
6 - اتهام بني أمية بالتأخر في الإسلام والصواب غير ذلك فعثمان رضي الله عنه أموي من السابقين الأولين
الايجابيات
1 - عدم التطرق لقصة كبد حمزة وهند رضي الله عنهما نهائيا
الحلقة الثانية
هذه الحلقة استمرت في استهداف السيدة هند بنت عتبة رضي الله عنها بشكل ممنهج ولئن قلنا أن فيلم الرسالة استخدم الطعن المباشر في هند بأنها آكلة الأكباد فإن مسلسل معاوية طعن في هند بشكل غير مباشر, كظهورها هي دون البقية بملابس متهتكة وأنها امرأة مسترجلة كثيرة المخالطة للرجال
تضمنت هذه الحلقة سلبيات متعددة على النحو التالي :
1 – تصوير مجتمع صدر الإسلام بأنه مجتمع متهتك قائم على أمور خادشة لعفاف نسائه فمعاوية رضي الله عنه يعشق ويحب والنساء سافرات الوجوه متزينات في حياة النبي صلى الله عليه وسلم
2 – ضعف أداء ومؤدي دور شخصية ترجمان النبي صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل زيد بن ثابت رضي الله عنه
3 – تصوير دخول عثمان بن عفان رضي الله عنه على زوجة معاوية رضي الله عنهما
الحلقة الثالثة
السلبيات
1- كثرة الرايات السود في جيوش المسلمين
والرايات السود هي رايات العباسيين ولم نعرف أنها رايات كانت شائعة زمن الخلفاء الراشدين, وحتى حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم لما فتح مكة لبس السواد فراويه هو أبو مسلم الخراساني
2 - استخلاف عمر بن الخطاب رضي الله عنه لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه على المدينة حين توجهه لفتح بيت المقدس
وهذه الرواية إسنادها ضعيف وأوردها البرزنجي في قسم الصحيح من تصحيحه لتاريخ الطبري لكنه أكد في الهامش على ضعف إسنادها
ينظر صحيح الطبري ج3 ص247
الإيجابيات
1 - ذكر أن إسلام معاوية رضي الله عنه تم سنة 6هـ وهذا ينفي وصف الطلقاء كما بينا في مساحتي أمس واليوم عن آل أبي سفيان
2 - عدم إظهار ثوب عمر رضي الله عنه المرقع في الرواية التي لا تصح حين توجهه لفتح بيت المقدس
الحلقة الرابعة
هذه الحلقة جيدة جدا ولا سلبيات لي عليها باستثناء أمر وحيد وهو
مخاطبة الجنود لأبي عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه بكلمة (مولاي) ومولاي كلمة ومفردة ظهرت متأخرة جدا ولم تكن في عصر الصدر الأول فكان حري بالمخرج ومعد الحوار أن يتنبه لذلك
الحلقة الخامسة
كانت الحلقة رائعة من كافة الوجوه (نعم أقر واعترف بروعتها ) وفيها من الإيجابيات الكثير
1 - استشعار معاوية رضي الله عنه للخطر الذي احدق على ممرات التجارة الشامية والعراقية والرومية والفارسية والعربية وتكدس التجارة معناه انخفاض مداخيل الدولة وانخفاض مداخيل الدولة يؤدي إلى عدم قدرتها على الاستمرارية في تأدية مهامها وأيضا توظيف التجار كعيون وباب العيون والجواسيس يحتاج تفصيلا محددا لتدرك عمق معاوية رضي الله عنه في إدراكه لكن الإشارة إليه هنا مهمة ورائعة, حتى في قضية التحقيق واستخلاص المعلومات
2 - إبراز الحوار بين عمر ومعاوية رضي الله عنهما
وقلت ونقلت أنه ما من وال لعمر رضي الله عنه حتى سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه إلا وقد تعرض لنقد أو عزل أو لفت نظر أو غيره من عمر أو مقاسمة مال إلا معاوية رضي الله عنه وفي هذا دليل أن عمر رضي الله عنه وجد فيه الكفاية التامة الكاملة
3 - بناء الأسطول البحري هذه القضية أعمق مما يروج له حتى بعض المؤرخين ذلك أنهم يقرنون المعارك البحرية بالجبهة الشامية فقط وإشكالية البحر كانت في مسألة سواحل الحبشة وخطرها وخطة الالتفاف الرومي على المسلمين عبر حليفهم الحبشة والدخول للجزيرة من بوابة اليمن
أما البحر وركوبه فقد عرف من زمن النبي صلى الله عليه وسلم :
- كان للنبي سرية انطلقت من جُدّة هي سرية علقمة المدلجي سنة 9 هـ لخطر بحري قادم من الحبشة
- كانت هناك محاولات التفاف بحرية قام بها الفرس في الخليج تصدى لها عرب الخليج بحريا وفتحت على إثره جزر الخليج كهرمز وقيس وغيرها زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه
- تخوف عمر بن الخطاب رضي الله عنه من جهة البحر سببه أن هناك وقعة في اليمن هلك فيها المسلمون لما خرجوا للتصدي لهجوم حبشي بحري ما دفع عمر حتى لنقل نصارى نجران للعراق وترحيلهم, وهذا سبب تخوف عمر رضي الله عنه من البحر فأوقف الغزو فيه , إضافة أن خطر سواحل الحبشة وقراصنتها استمر قلقا على الدولة العربية الإسلامية حتى قضى عليه عبدالملك بن مروان لاحقا
4 - أظهرت الحلقة رواية صحيح البخاري رقم 7207 عن المسور بن مخرمة وعبدالرحمن بن عوف في أن أهل المدينة اختاروا عثمان بالإجماع ولم يختاروا عليا , على عكس ما كان يروج أنه تفاضل الاثنان , فأفضلية عثمان على علي مفروغ منها وهذا هو الخبر الصحيح, لكنها أخفت قول عبدالرحمن بن عوف (فلم أرهم يعدلون عن عثمان)
فروى المسور بن مخرمة أنَّ الرَّهْطَ الَّذِينَ ولَّاهُمْ عُمَرُ اجْتَمَعُوا فَتَشَاوَرُوا، فَقَالَ لهمْ عبدُ الرَّحْمَنِ: لَسْتُ بالَّذِي أُنَافِسُكُمْ علَى هذا الأمْرِ، ولَكِنَّكُمْ إنْ شِئْتُمُ اخْتَرْتُ لَكُمْ مِنكُمْ، فَجَعَلُوا ذلكَ إلى عبدِ الرَّحْمَنِ، فَلَمَّا وَلَّوْا عَبْدَ الرَّحْمَنِ أمْرَهُمْ، فَمَالَ النَّاسُ علَى عبدِ الرَّحْمَنِ، حتَّى ما أرَى أحَدًا مِنَ النَّاسِ يَتْبَعُ أُولَئِكَ الرَّهْطَ ولَا يَطَأُ عَقِبَهُ، ومَالَ النَّاسُ علَى عبدِ الرَّحْمَنِ يُشَاوِرُونَهُ تِلكَ اللَّيَالِيَ، حتَّى إذَا كَانَتِ اللَّيْلَةُ الَّتي أصْبَحْنَا منها فَبَايَعْنَا عُثْمَانَ، قَالَ المِسْوَرُ: طَرَقَنِي عبدُ الرَّحْمَنِ بَعْدَ هَجْعٍ مِنَ اللَّيْلِ، فَضَرَبَ البَابَ حتَّى اسْتَيْقَظْتُ، فَقَالَ: أرَاكَ نَائِمًا! فَوَاللَّهِ ما اكْتَحَلْتُ هذِه اللَّيْلَةَ بكَبِيرِ نَوْمٍ، انْطَلِقْ فَادْعُ الزُّبَيْرَ وسَعْدًا، فَدَعَوْتُهُما له، فَشَاوَرَهُمَا، ثُمَّ دَعَانِي، فَقَالَ: ادْعُ لي عَلِيًّا، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حتَّى ابْهَارَّ اللَّيْلُ، ثُمَّ قَامَ عَلِيٌّ مِن عِندِهِ وهو علَى طَمَعٍ، وقدْ كانَ عبدُ الرَّحْمَنِ يَخْشَى مِن عَلِيٍّ شيئًا، ثُمَّ قَالَ: ادْعُ لي عُثْمَانَ، فَدَعَوْتُهُ، فَنَاجَاهُ حتَّى فَرَّقَ بيْنَهُما المُؤَذِّنُ بالصُّبْحِ، فَلَمَّا صَلَّى لِلنَّاسِ الصُّبْحَ، واجْتَمع أُولَئِكَ الرَّهْطُ عِنْدَ المِنْبَرِ، فأرْسَلَ إلى مَن كانَ حَاضِرًا مِنَ المُهَاجِرِينَ والأنْصَارِ، وأَرْسَلَ إلى أُمَرَاءِ الأجْنَادِ، وكَانُوا وافَوْا تِلكَ الحَجَّةَ مع عُمَرَ، فَلَمَّا اجْتَمَعُوا تَشَهَّدَ عبدُ الرَّحْمَنِ، ثُمَّ قَالَ: أمَّا بَعْدُ، يا عَلِيُّ، إنِّي قدْ نَظَرْتُ في أمْرِ النَّاسِ، فَلَمْ أرَهُمْ يَعْدِلُونَ بعُثْمَانَ، فلا تَجْعَلَنَّ علَى نَفْسِكَ سَبِيلًا، فَقَالَ: أُبَايِعُكَ علَى سُنَّةِ اللَّهِ ورَسولِهِ، والخَلِيفَتَيْنِ مِن بَعْدِهِ، فَبَايَعَهُ عبدُ الرَّحْمَنِ، وبَايَعَهُ النَّاسُ المُهَاجِرُونَ والأنْصَارُ، وأُمَرَاءُ الأجْنَادِ والمُسْلِمُونَ.
5 - أحسن المخرج في تصوير علي بن أبي طالب بتلك اللقطات التي تظهر شيئا في نفسه لأن رواية البخاري السالفة أثبتت أن عبدالرحمن بن عوف كان متخوفا من علي بن أبي طالب شيئا في نفسه وتثبت عليه ذلك
6 - وردت إشارة لشخص يعدُّه علي بن أبي طالب صغيرا لأمر وهو أحد قتلة عثمان (محمد بن أبي بكر ) وهي غشارة من المخرج لما سيكون عليه حال هذا القاتل في أحداث مؤامرة مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه
7 - حوار علي مع ابن عباس لم أقف شخصيا فيه على خبر لكن هذا الحوار يظهر لنا ما ثبت في الصحيحين من اعتصام البيت الهاشمي بشقيه ( عباس بن عبدالمطلب + علي بن أبي طالب ) ومطالبتهما بالخلافة منذ موت النبي والأحاديث في ذلك ثابتة في الصحيح عن تأخرهم عن بيعة أبي بكر واختلافهما في قضية فدك زمن عمر , وأيضا فيه إشارة لجذور الخلاف العباسي العلوي الذي انفجر لاحقا وكان دمويا مميتا شنيعا بين الطرفين, ولعل المخرج تحرج من نقل خبر علي وعباس في آخر حياة النبي وجعله فيما بين ابن عباس وعلي
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها عن عائشة أنَّ فاطِمَةَ بنْتَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، أرْسَلَتْ إلى أبِي بَكْرٍ تَسْأَلُهُ مِيراثَها مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ممَّا أفاءَ اللَّهُ عليه بالمَدِينَةِ، وفَدَكٍ، وما بَقِيَ مِن خُمُسِ خَيْبَرَ، فقالَ أبو بَكْرٍ: إنَّ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: لا نُورَثُ، ما تَرَكْنا صَدَقَةٌ، إنَّما يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- في هذا المالِ، وإنِّي واللَّهِ لا أُغَيِّرُ شيئًا مِن صَدَقَةِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ عن حالِها الَّتي كانَ عليها في عَهْدِ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، ولَأَعْمَلَنَّ فيها بما عَمِلَ به رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ. فأبَى أبو بَكْرٍ أنْ يَدْفَعَ إلى فاطِمَةَ مِنْها شيئًا، فَوَجَدَتْ فاطِمَةُ علَى أبِي بَكْرٍ في ذلكَ، فَهَجَرَتْهُ فَلَمْ تُكَلِّمْهُ حتَّى تُوُفِّيَتْ، وعاشَتْ بَعْدَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ سِتَّةَ أشْهُرٍ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتْ دَفَنَها زَوْجُها عَلِيٌّ لَيْلًا، ولَمْ يُؤْذِنْ بها أبا بَكْرٍ وصَلَّى عليها، وكانَ لِعَلِيٍّ مِنَ النَّاسِ وَجْهٌ حَياةَ فاطِمَةَ، فَلَمَّا تُوُفِّيَتِ اسْتَنْكَرَ عَلِيٌّ وُجُوهَ النَّاسِ، فالْتَمَسَ مُصالَحَةَ أبِي بَكْرٍ ومُبايَعَتَهُ، ولَمْ يَكُنْ يُبايِعُ تِلكَ الأشْهُرَ، فأرْسَلَ إلى أبِي بَكْرٍ: أنِ ائْتِنا، ولا يَأْتِنا أحَدٌ معكَ؛ كَراهيةً لِمَحْضَرِ عُمَرَ، فقالَ عُمَرُ: لا واللَّهِ لا تَدْخُلُ عليهم وحْدَكَ، فقالَ أبو بَكْرٍ: وما عَسَيْتَهُمْ أنْ يَفْعَلُوا بي؟! واللَّهِ لآتِيَنَّهُمْ، فَدَخَلَ عليهم أبو بَكْرٍ، فَتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فقالَ: إنَّا قدْ عَرَفْنا فَضْلَكَ وما أعْطاكَ اللَّهُ، ولَمْ نَنْفَسْ عَلَيْكَ خَيْرًا ساقَهُ اللَّهُ إلَيْكَ، ولَكِنَّكَ اسْتَبْدَدْتَ عليْنا بالأمْرِ، وكُنَّا نَرَى لِقَرابَتِنا مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ نَصِيبًا. حتَّى فاضَتْ عَيْنَا أبِي بَكْرٍ، فَلَمَّا تَكَلَّمَ أبو بَكْرٍ قالَ: والذي نَفْسِي بيَدِهِ، لَقَرابَةُ رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أحَبُّ إلَيَّ أنْ أصِلَ مِن قَرابَتِي، وأَمَّا الذي شَجَرَ بَيْنِي وبيْنَكُمْ مِن هذِه الأمْوالِ، فَلَمْ آلُ فيها عَنِ الخَيْرِ، ولَمْ أتْرُكْ أمْرًا رَأَيْتُ رَسولَ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَصْنَعُهُ فيها إلَّا صَنَعْتُهُ، فقالَ عَلِيٌّ لأبِي بَكْرٍ: مَوْعِدُكَ العَشِيَّةَ لِلْبَيْعَةِ، فَلَمَّا صَلَّى أبو بَكْرٍ الظُّهْرَ رَقِيَ علَى المِنْبَرِ، فَتَشَهَّدَ، وذَكَرَ شَأْنَ عَلِيٍّ وتَخَلُّفَهُ عَنِ البَيْعَةِ، وعُذْرَهُ بالَّذِي اعْتَذَرَ إلَيْهِ، ثُمَّ اسْتَغْفَرَ وتَشَهَّدَ عَلِيٌّ، فَعَظَّمَ حَقَّ أبِي بَكْرٍ، وحَدَّثَ: أنَّه لَمْ يَحْمِلْهُ علَى الذي صَنَعَ نَفاسَةً علَى أبِي بَكْرٍ، ولا إنْكارًا لِلَّذِي فَضَّلَهُ اللَّهُ به، ولَكِنَّا نَرَى لنا في هذا الأمْرِ نَصِيبًا، فاسْتَبَدَّ عَلَيْنا، فَوَجَدْنا في أنْفُسِنا. فَسُرَّ بذلكَ المُسْلِمُونَ، وقالوا: أصَبْتَ، وكانَ المُسْلِمُونَ إلى عَلِيٍّ قَرِيبًا حِينَ راجَعَ الأمْرَ المَعْرُوفَ.
8 - منذ مقتل عمر أظهرت الحلقة استشعار معاوية رضي الله عنه للخطر المقبل على المدينة وهم من أسلم حديثا , هذا الخطر الذي استشعره معاوية سبقه في المشاهد الخطر الداخلي الأصلي وهو رغبة الجناح الهاشمي ممثلا بعلي بن أبي طالب رضي الله عنه في السلطة
الحلقة السادسة
الإيجابيات :
1 - إشارة عثمان رضي الله عنه لخطر الداخلين الجدد في الإسلام وبدء تغلغلهم, وهؤلاء كانوا عبارة عن تنظيمات شبه عسكرية قديمة زمن الدولة الساسانية مرتبطة بالأصناف والحرفيين ومنهم جناح عربي كان له ولاء لدعاوى المانوية
2 - الأسطول البحري ومعاوية رضي الله عنه
وأشرت البارحة أنه وجدت معارك بحرية مرت في التاريخ العربي الإسلامي لكنها لم تكن منظمة ولم يكن هناك جهاز إداري وعسكري للأسطول بل كانت التحركات البحرية وقتها مبنية على ردة الفعل والحاجة الآنية , ومعاوية هم من نظم الأسطول البحري الإسلامي وأنشأه وغزا به رضي الله عنه
3 - الإشارة لزواج أمير المؤمنين معاوية رضي الله عنه من ميسون بنت بحدل الكلبية وبالفعل السياسات والتحالفات تكون بالمصاهرات
السلبيات
1 - الحكم بن أبي العاص وابنه مروان والروايات التي جاءت في قضية نفيه وعودته لا تصح, فالبلاذري ساقها من طريق محمد بن هشام بن السائب الكلبي, ومن طريق الواقدي بإسناده, وساقها الذهبي من طريق آخر ضعيف, وابن حجر ساقها من طريق فيه ضعف وانقطاع, والطبراني عن طريق عباد بن يعقوب الرواجني الشيعي, والطبري نقلها بسند ضعيف, وعلق شيخ الإسلام ابن تيمية بالقول (وقصة الحكم ليست في الصحاح, ولا لها إسناد يعرف به أمرها)
ينظر كتاب (أثر التشيع على الروايات التاريخية في القرن الهجري الأول د. عبدالعزيز محمد نور عبدالقادر ولي)
2 - استمرار الإسفاف بتصوير أمير المؤمنين معاوية بتلك الصور المتهتكة مع أهل بيته وهنا وجب الانتباه والتنبيه
الحلقة السابعة
كانت هذه الحلقة عبارة عن كتلة من السلبيات والأباطيل تمثلت في
1 - تصوير عمرو بن العاص رضي الله عنه بالطمع والاحتيال في ذلك وبأنه مخادع وبأنه طامع في حكم مصر
2 - تصوير أمير المؤمنين عثمان بن عفان رضي الله عنه بالضعف في الرأي والضعف في السن
3 - جعل سرجون يعلق الصليب بشكل مستمر في زيه أمام معاوية وإظهار ذلك
الحلقة الثامنة
تمثلت سلبياتها في :
1 - استمرار تصوير عثمان بن عفان رضي الله عنه بالضعف والجهل وعدم حسن اختياره لقادته
2 - تصوير معاوية رضي الله عنه بالقنوط والتفجع والفشل من ناحية العلاقات الأسرية
3 - خطأ في طريقة التسليم من الصلاة
4 - خطأ في طريقة الجلد بجعل الجالد يرفع يده حتى يبان بياض إبطه
جاء في المغني ولا يرفع باعه كل الرفع , ولا يحطه فلا يؤلم . قال أحمد : لا يبدي إبطه في شيء من الحدود . يعني : لا يبالغ في رفع يده , فإن المقصود أدبه , لا قتله
وكذلك تجريد المجلود من الثياب قال ابن مسعود : ليس في ديننا مد , ولا قيد , ولا تجريد . وجلد أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينقل عن أحد منهم مد ولا قيد ولا تجريد .
فانتبه لأن الأحكام الفقهية لا تؤخذ من المسلسلات
5 - قصة الوليد بن عقبة رضي الله عنه وهو أخو عثمان رضي الله عنه من أمه هو حادث حقيقي افترى فيه مانوية الكوفة على الوليد بشرب الخمر وبالإمكان مراجعة هذه الشبهة في تعليق محب الخطيب عليها من كتاب العواصم من القواصم لابن العربي وهو طويل فيطلب من هناك , ومع ذلك فقد جلده عثمان رضي الله عنه وعزله , وفي قصة قيام مانوية الكوفة بسرقة الخاتم حيلة سأستعرضها لاحقا يوما ما إن شاء الله
6 - ظهور علم ومعرفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه بآراء ربيبه محمد بن أبي بكر في النقمة على عثمان رضي الله عنه وطمعه بالمال , ثم نقلهما الكلام على حادثة معاوية وأبي ذر رضي الله عنهما والنفي للربذة
وهنا لا بد أن نفصل حادثة معاوية وأبي ذر رضي الله عنهما سندا ومتنا علما وفقها
7 - قصة الربذة ونفي أبي ذر الغفاري لها وردت في الصحيح لكن إسناد الحديث فيه من تُكلم فيه فمنهم وهم كالتالي :
- علي بن أبي هاشم عبيد الله بن طبراخ الليثي البغدادي, يعرف بابن طبراخ
قال فيه يحيى بن معين ضعيف
وكان مع ابن أبي دؤاد، فكان يقول بكل مقالة ردية
ولينه الذهبي لتوقفه أي ابن طبراخ في خلق القرآن
وقال أبو الفتح الأزدي ضعيف جدا
وقال أبو سعد السمعاني وقف في القرآن فترك الناس حديثه
وقال أبو حاتم الرازي وقف في القرآن فوقفنا عن الرواية عنه فاضربوا على حديثه
-هشيم بن بشير بن أبي خازم
قال فيه إبراهيم الحربي يحدث بالمعنى
قال ابن حبان أنه مدلس
قال ابن حجر مشهور بالتدليس مع ثقته
قال الذهبي إمام ثقة مدلس
قال أحمد بن عبدالله العجلي ثقة، وكان يدلس
قال سفيان الثوري هشيم لا تكتبوا عنه
-حصين بن عبدالرحمن أبو الهذيل السلمي الكوفي
قال أبو حاتم في آخر عمره ساء حفظه
قال ابن حجر ثقة، تغير حفظه في الآخر
قال البخاري والعقيلي وابن عدي ضعيف, ولم يذكروا فيه تضعيفا غير أنه كبر ونسي
قال ابن المديني اختلط وتغير
- زيد بن وهب الكوفي
قال يعقوب بن سفيان الفسوي كبر وتغير ضبطه ,في حديثه خلل كثير
فهذا سند حديث النفي للربذة
لذلك أقول
أ - أما من ناحية السند فتم نقل كلام أهل العلم فيهم سلفا ومدار الخلل في الرواة على ترك حديث علي بن أبي هاشم ابن طبراخ لأنه توقف في خلق القرآن, وتضعيف يحيى ابن معين وغيره له, وهشيم متهم بالتدليس, وحصين تغير حفظه, وزيد بن وهب في حديثه خلل كبير
ب – ومن ناحية المتن فالاختلاف بين معاوية وأبي ذر رضي الله عنهما هو اختلاف في معنى تفسير الآية (الَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالفِضَّةَ وَلاَ يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ) هل نزلت خاصة في اليهود والنصارى أم عامة؟
ج- لاحظ أن البخاري رواها في كتاب الزكاة باب: ما أُدي زكاته فليس بكنز, وهذه لعمري دقيقة لطيفة من البخاري رحمه الله لهذه الرواية ومعنى هذا أن من يؤدي ما افترض الله عليه ولو ملك كنوز الأرض فلا يدخل في وعيد الآية, فكيف يأمر الله أمرا يؤديه عبده وهو زكاة ماله ثم يحاسبه الله على ما اكتنز وهو مؤدٍّ لما عليه
قال ابن حجر العسقلاني في فتح الباري: (قال ابن بطال وغيره : وجه استدلال البخاري بهذا الحديث للترجمة أن الكنز المنفي هو المتوعد عليه الموجب لصاحبه النار ، لا مطلق الكنز الذي هو أعم من ذلك ، وإذا تقرر ذلك فحديث : لا صدقة فيما دون خمس أواق . مفهومه أن ما زاد على الخمس ففيه الصدقة ، ومقتضاه أن كل مال أخرجت منه الصدقة فلا وعيد على صاحبه فلا يسمى ما يفضل بعد إخراجه الصدقة كنزا
وكان أبو ذر يحمل الحديث على إطلاقه ، فلا يرى بادخار شيء أصلا .
قال ابن عبد البر : وردت عن أبي ذر آثار كثيرة تدل على أنه كان يذهب إلى أن كل مال مجموع يفضل عن القوت وسداد العيش فهو كنز يذم فاعله ، وأن آية الوعيد نزلت في ذلك ، وخالفه جمهور الصحابة ومن بعدهم ، وحملوا الوعيد على مانعي الزكاة ، وأصح ما تمسكوا به حديث طلحة وغيره في قصة الأعرابي حيث قال : هل علي غيرها ؟ قال : لا ، إلا أن تطوع " . انتهى . والظاهر أن ذلك كان في أول الأمر كما تقدم عن ابن عمر, ، وقد استدل له ابن بطال بقوله تعالى : ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ؛ أي ما فضل عن الكفاية ، فكان ذلك واجبا في أول الأمر ثم نسخ . والله أعلم . وفي المسند من طريق يعلى بن شداد بن أوس ، عن أبيه قال : كان أبو ذر يسمع الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه الشدة ، ثم يخرج إلى قومه ، ثم يرخص فيه النبي صلى الله عليه وسلم ، فلا يسمع الرخصة ، ويتعلق بالأمر الأول)
ولهذا السبب من أبي ذر رضي الله عنه واختلافه في رأيه وتشدده فيه مع ولي الأمر أو نائبه معاوية في الشام ارتأى معاوية رضي الله عنه تحويله مباشرة إلى ولي الأمر لشدة ضرر الرأي الذي كان يراه أبو ذر وهو ما كان, فاتجه لعثمان رضي الله عنه في المدينة واختار هو بنفسه الانتقال للربذة
د- أن ما يراه أبو ذر رضي الله عنه يخالف قولا للنبي صلى الله عليه وسلم وتوجيها وجه به سعد بن أبي وقاص حين مرض رضي الله عنه إذ روى البخاري في صحيحه حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ ، أَخْبَرَنَا مَالِكٌ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ : كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ : إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الْوَجَعِ، وَأَنَا ذُو مَالٍ وَلَا يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي ؟ قَالَ : " لَا ". فَقُلْتُ : بِالشَّطْرِ ؟ فَقَالَ : " لَا ". ثُمَّ قَالَ : " الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ - أَوْ : كَثِيرٌ - إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ ".
وهذا الحديث يوجه فيه النبي صلى الله عليه وسلم سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بأن الخير أن يترك ورثته أغنياء لا فقراء ينتظرون زكاة المحسنين وصدقات أهل الخير, فالتوجيه النبوي أكمل مما ذهب له أبو ذر الغفاري, كما أن الغنى خير من الفقر, واليد العليا خير من اليد السفلى وفي كل خير, ومن أسماء الله تعالى الغني
هـ – أن هذا الرأي الذي كان يراه أبو ذر لم يوافقه عليه معاوية ولا عثمان أمير المؤمنين رضي الله عنهم ولا جمهور الصحابة ولا حتى واقع كثير من الصحابة الذين عرفوا بثرائهم وغناهم كعثمان بن عفان وعبدالرحمن بن عوف وطلحة بن عبيدالله والزبير بن العوام وقد قبضهم الله وهم أثرياء, وبلا شك هم أفضل في المنزلة من أبي ذر رضي الله عنهم جميعا, كما أن هذا الرأي الذي رآه أبو ذر, رأيٌ غير ملزمٍ لأحد بل تأولُ منه خالفه عليه نائب الإمام في الشام معاوية وخالفه عليه ولي الأمر وجمهور الصحابة, وأفضل الصحابة في زمانه عثمان رضي الله عنه
و – ورغم أن هذه الرواية أصح رواية رويت في مسألة أبي ذر مع عثمان ورغم ما نقلت فيها من كلام أهل العلم في رجال سندها لكنها تظهر انتقال أبي ذرٍّ إلى الربذة باختياره وليس إجبارا عليه من قبل أي أحد
ز – تثبت الرواية السابقة التزام أبي ذر بطاعة ولي الأمر وأنه لا يخالفه قيد أنملة, أما ما أوحت به الدراسات الحديثة في أن أبا ذر كوّن آراءً في سياسة المال والإنفاق كانت سببا في تحريك الفتنة على عثمان فهي روايات واهية
ح – واتهمت الروايات الشيعية عثمان بن عفان بأنه نفى أبا ذر إلى الربذة, فورد ذلك عن سليم بن قيس, ومن طريق محمد بن إسحاق عن بريدة بن سفيان الأسلمي, كما ورد من طريق هشام الكلبي عن أبي مخنف, ومن طريق هشام المدني, ومن طريق الواقدي, ومن طريق عبدالرزاق, والثابت أنا أبا ذر خرج بنفسه واستأذن عثمان في ذلك فأذن له , بل حتى الطبري نفسه الذي نقل في تاريخه كل غث من الروايات تجده حين يبدأ هذه الحادثة يقول: ( وقد ذكر في سبب إشخاصه إياه "يعني أبا ذر لعثمان" أمور كثيرة كرهت ذكر أكثرها)
فتأمل ذلك لتعلم كيف زاد أهل الزيغ والهوى من رواة الشيعة وأضافوا واختلقوا وافتروا وقلبوا الباطل حقا, والحق باطلا, وجعلوا أبا ذر هو المصيب رغم مخالفة جمهور الصحابة لرأيه, وحولوا فعل معاوية وعثمان لمؤامرة عليه للتخلص منه
ط – فهذه الرواية لو صحت فقد زيد عليها لغرض الطعن المباشر في معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما ثم الطعن بشكل مباشر في عثمان بن عفان رضي الله عنه واتهام الاثنين أي معاوية وعثمان بالتآمر على أبي ذر ونفيه, وقد زاد المدلسون من رواة الشيعة ما زادوا, رغم أن ما كان يراه أبو ذر لم يكن إلا رأيا خاصا به تعارضه أحكام الزكاة التي ينبغي فيها مضي الحول وهو عام قمريٌّ كامل وبلوغ النصاب حتى تؤدى كحق من حقوق الله تعالى, إذ لا بد أن يكنز الإنسان ماله ليحول عليه عام قمري كامل لتجب عليه الزكاة بعد بلوغه النصاب, كما عارضه أيضا وصية النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص وقوله بأن الخير بأن تذر ورثتك أغنياء لا فقراء كما بينّا, وعارضه جمهور الصحابة رضي الله عنهم بينما تشبث هو برأيه فكان هذا أدعى لتدخل عثمان بن عفان في الأمر
الحلقة العاشرة
هذه الحلقة بشكل عام عاملا بأس بها ومما جاء فيها:
1 - انتباه معاوية وإدراكه رضي الله عنه لخيوط مؤامرة قتل عثمان رضي الله عنه التي كانت تحاك في الكوفة ومصر , وتعطيله لفتح القسطنطينية رغم اقترابه من ذلك تخوفا من الأمور التي ستحدث في المدينة
2 - أن المحرضين على الفتنة هم جماعة الكوفة ومصر ولحد ما البصرة (مالك الأشتر النخعي في الكوفة ومحمد بن أبي بكر الصديق وابن أبي حذيفة في مصر(
وهذا يظهر لنا ما نؤكده دائما منذ ظهور ماني بارتباط الكوفة أو جنوب العراق وما يظهر فيه من دعاوى بمصر لأن مصر بوابة المغرب عبر حلقة وصل كانت زمن ماني في مكة الكرمة
3- الدعاية التي كان يروجها مالك الأشتر النخعي ومحمد بن أبي بكر لا تختلف عما يروجه الخوارج في كل زمان ومكان إلى اليوم , وعليه فأول ظهور للخوارج هو هذا الظهور وليس خوارج النهروان إنما الخوارج هم جيش علي بن أبي طالب الذين خرجوا على عثمان وقتلوه
4 - إبراز ذكاء ودهاء معاوية في معركة ذات الصواري والتي كادت أن تكون مفتاحا لفتح القسطنطينية لولا ظهور الخوارج قتلة عثمان بن عفان
الحلقة الحادية عشرة
يظهر في الحلقة أمور أثبتها المخرج وهي :
1 - من الإيجابيات إثبات بُعد نظر معاوية بن أبي سفيان تجاه هذا الجمع الخارجي وفهمه لأسباب خروجه وتحركاته وقصر نظر علي بن أبي طالب تجاههم وعدم إدراكه لما وراء الأمر
2 - من سلبيات الحلقة إظهار أن الكلب مالك الأشتر والكلب تسمية سمته بها أم المؤمنين صفية رضي الله عنها والخبر صحيح (إظهار الأشتر) بصورة تلميعية رغم أنهم أثبتوا خبث محمد بن أبي بكر ربيب علي بن أبي طالب لكن هذا التمليع ليس مبررا مطلقا تجاه الأشتر
3 - من سلبيات الحلقة اختصار حادثة مقتل أمير المؤمنين عثمان بشكل مخل جدا لأن الأخبار الصحيحة في مقتله مليئة بالحوادث بينما اكتفوا بثلاثة أو أربعة مشاهد لا غير والمشهد الأهم وهو قتله والتحرش بزوجته الكريمة نائلة بنت الفرافصة حذفوه بينما لم يتورع المخرج في الحلقة التاسعة عن الإتيان بشخصية الممثل لدور معاوية نصف عارٍ مع جارية يحدثها ويلاعبها
الحلقة الثانية عشرة
المسلسل يقوم باستجرار روايات كهنة البلاط العباسي من المؤرخين وإعادة قولبتها وكتابة السيناريو لها من جديد للمشاهد ومع ذلك فهناك سلبيات كما هي العادة وبضع إيجابيات
السلبيات
1 - بطلان بيعة طلحة والزبير لعلي بن أبي طالب فطلحة بايع مكرها والسيوف على رأسه لكن لتخفيف حدة المشهد قام المخرج بتعديل ذلك أنهما بايعا علي بن أبي طالب للقصاص من قتلة عثمان
3 - اتهام طلحة والزبير بالضعف والغباء والمراوغة وكيف يكون ذلك وطلحة فارس يوم أحد والزبير فارس يوم الأحزاب
3 - تصوير الجارية بأنها أداة التسلية والترويح عن معاوية بن أبي سفيان وهذه من عنديّات المخرج
4 - تصوير علي بن أبي طالب بداية بأنه كان غير راغب في الخلافة وهذا خطأ يرده حديث أم المؤمنين عائشة في صحيح البخاري الذي ذكرناه آنفا لما مات النبي صلى الله عليه وسلم واستخلف أبا بكر وتأخر علي عن بيعته 6 أشهر ويرده حديث المسور وعبدالرحمن بن عوف في صحيح البخاري أيضا عن تخوفهم مما قد يفعله علي حين بويع لعثمان ويرده أيضا ما رواه ابن عبدالبر من رواية حسن بن علي ناصحا أخاه حسينا باستشراف أبيه للخلافة منذ زمن أبي بكر ثم عاد المخرج يرقعها بأنه حريص عليها وهو هنا يضع النقائض للتشويش على المتلقي
أما الإيجابيات فهي
1 - إثبات عدم إجماع الأمة على بيعة علي بن أبي طالب وهذا جيد
2 - إثبات أن قتلة عثمان هم من بايع عليا وأن علي قبل بيعتهم وهو يعلم أنهم قتلته وعلى رأسهم الأشتر وطبعا المسلسل ابتلع دور عمار بن ياسر بالكامل كأنه لم يكن موجود
3 - عبارة مهمة ذكرت على لسان معاوية وهي (ستبقى الشام في حرب مع علي بن أبي طالب إلى أن يقضي الله بيننا ) وهذا عين ما شاهدناه في زماننا
الحلقة الثالثة عشرة
هذه الحلقة كانت رائعة جدا وضمت الكثير من الإيجابيات وبعض السلبيات على النحو التالي
الإيجابيات
1 - خطبة معاوية في التحريض للثأر من قتلة عثمان وعرضه لأصابع نائلة وأن هدفه الوحيد القصاص من قتلة عثمان
2 - قبيلة كلب الشامية العربية ودورها في نصرة معاوية للقصاص من قتلة عثمان
3 - إظهار تعنت علي بن أبي طالب المستمر لنصائح ابنه حسن بن علي وأنه يصر على أخطائه
4 - قبل وقعة الجمل علي بن أبي طالب كان هو الفئة الباغية على الشام فهو من تحرك بجيشه للشام لقتال معاوية ذلك الجيش الذي يحوي الطائفة الملعونة من قتلة عثمان
5 - دور أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها في التحريض والمطالبة بالثأر من قتلة عثمان
6 - الإشارة لعبدالله بن عامر الحضرمي في البصرة ذلك الصحابي الذي كان عمه العلاء الحضرمي والي النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر على البحرين والذي قتلته قوات علي بن أبي طالب حرقا في البصرة في تسجيل أول حادثة حرق لمسلم في التاريخ وكان عبدالله بن عامر والي عثمان على مكة وكان أول مستجيب لنداء أم المؤمنين عائشة بعد الانتهاء من الحج فأحرقه جارية بن قدامة قائد قوات علي بن أبي طالب في البصرة ومعه 40-70 رجلا, والإشارة لخبر إحراقه في الصحيح
7 - ضعف رأي علي بن أبي طالب وسوء تدبيره وأنه خاضع لرغبات مالك الأشتر ومن معه
8 - موقف أبي موسى الأشعري مع حسن بن علي بن أبي طالب ومالك الأشتر في رفض التحريض والقتال وإصرار حسن بن علي والأشتر على ذلك
9 - بعد نظر معاوية وحكمته ودفعه بالتي هي أحسن في وقعة الجمل وما تلا ذلك على عكس علي بن أبي طالب المرتهن لأولئك والمندفع للحرب بشدة
10 - الإشارة لمسؤولية علي بن أبي طالب أولا عن كل ما سال من دماء يوم الجمل بإصراره على عدم تسليم القتلة للقصاص , فهو المسؤول عن قتل طلحة والزبير وما جرى لأم المؤمنين عائشة وباقي الدماء المسلمة التي سالت يوم الجمل
11- تولية وإرسال محمد بن أبي بكر لمصر هذا الشخص الغير كفؤ لأي شيء كانت دليلا على تخبط علي بن أبي طالب وفشله السياسي في قراراته وكان هذا أحد أهم أسباب خسارته لمصر لاحقا
12- تغليب معاوية للصلح مع الإصرار على طلبه البسيط وهو القصاص من قتلة عثمان وإصرار علي بن أبي طالب على رفض ذلك
13- من الملاحظات الجيدة أن صار لون قوات ورايات علي بن أبي طالب هي اللون الأسود ولون ورايات معاوية بن أبي سفيان هي اللون الأبيض ( لاحقا صارت الدولة الأموية برايات بيضاء ) (ثم جاءت رايات السلالة الكهنوتية العباسية والعلوية بالسواد قبل أن يحصل الانشقاق الذرّي بينهما ويتفاضح الطرفان)
14- مشهد الأعور السلمي بتذكير ابن عباس وجيش علي بن أبي طالب بأنهم هم من عطّش عصمان بن عفان في الدار
أما السلبيات فهي كالتالي:
1 - لا أعلم خبرا عن إعذار علي بن أبي طالب لمحمد بن أبي بكر في القعود عن مواجهة أخته أم المؤمنين عائشة يوم الجمل
2 - استمرار تصوير عمرو بن العاص بالحرص والطمع في ولاية مصر
الحلقة الرابعة عشر
جاء في الحلقة إيجابيات وسلبيات نذكرها على النحو التالي :
1 - حوار الماء في صفين وهو يثبت حلم معاوية وأن غرضه ليس إلا القصاص من قتلة عثمان وإصراره على ذلك
2 - إثبات ارتهان علي بن أبي طالب للكلب مالك الأشتر ولقراراته (كلب تسمية سمته بها أم المؤمنين صفية لما نخس بغلتها وأراد أن يقلبها عنها حين ذهبت تذود عن عثمان)
والأشتر كان يد علي بن أبي طالب اليمنى بل كان روح دعوته وإمارته
3 - إثبات أن علي بن أبي طالب هو البادئ بالحرب والزحف على جيش الشام
4 - الحوار بين علي معاوية يثبت إصرار معاوية على طلبه الوحيد وهو القصاص من قتلة عثمان أو تسليم القتلة للقصاص في نفس الوقت لما انفصل معاوية وعلي عن بعضهما عاد معاوية لجيشه بنفس قضيته بينما علي بن أبي طالب ترك الأمر جانبا
5 - صفين كانت المعركة التي نصب فيها معاوية أميرا للمؤمنين
ولتأكيد ذلك
- يراجع كتاب (مناهج المحدثين في نقد الروايات التاريخية للقرون الهجرية الثلاثة الأولى للدكتور إبراهيم الشهرزوي الغدادي ص645 )
-يراجع كتاب أغاليط المؤرخين لمفتي سوريا أبو اليسر عابدين ص121
فمعاوية كان من صفين هو خليفة المسلمين وأمير المؤمنين
6- روايات التحكيم باطلة لا يصح منها شيء وقد علق عليها ابن العربي المالكي في العواصم وعلق عليها العلامة محب الدين الخطيب وللصديق العزيز والأخ الغالي والشيخ الكبير الدكتور وليد الزهراني مقالة على موقع الفكر الرابع يرجع لها في الأمر
7 - هناك بعض المصادر الأرمنية المعاصرة تشير إلى أن مقتل علي بن أبي طالب تم في صفين (تاريخ الأزمان لديونسيوس التلمحري ) والظاهر أنه تم على يد أحدهم والغالب أنه عبدالرحمن بن ملجم بالمبارزة , وأن أحداث النهروان سبقت أحداث صفين وليس العكس, لأنه كما ثبت وصح وأسلفنا أن تنصيب معاوية بالخلافة كان في صفين وليس كما يروج أنه بتنازل حسن بن علي بن أبي طالب
8 - لا تصح زيادة عمار تقتله الفئة الباغية مطلقا وقد تم تفنيد بطلان هذه الزيادة من قبل أهل العلم وأنها زيادة مدسوسة على البخاري في صحيحه
9 - استمرار تشويه صورة الصحابي الجليل والقائد الفذ عمرو بن العاص بذلك الشكل
الحلقة الخامسة عشر
كالعادة يستمر استجرار الروايات العباسية وطرحها بلا تمحيص وها هنا تعقيبات
1 - لا يصح اتهام عمرو بن العاص بأنه تلاعب بأبي موسى الأشعري وضحك عليه ولا تصح تلك الرواية
2 - التأكيد والإصرار في الطعن في عمرو بن العاص وأنه إنما تابع معاوية وطالب بدم عثمان رغبة في أن يعود لولاية مصر
3 - تجاوز خطوات معاوية في كيفية ضمه للأمصار الإسلامية ودخولها تحت طاعته كلها بلا استثناء وهذا يعزز ما نقلته يوم أمس عن أن معاوية هو الخليفة من صفين وأن مقتل علي كان في صفين حسب رواية المؤرخ الارمني المعاصر
4 - إظهار أن الخوارج إنما كانوا جناحا وفريقا في جيش علي بن أبي طالب وهذا يثبت لك أن جيش علي بن أبي طالب تكون من خليط متنافر متضاد
5 - أشار المخرج لتفعيل معاوية لاستخباراته العسكرية وعيونه لأخذ الولايات الواحدة للأخرى وهناك إشارة مهمة وردت أن دعاة الكوفة دائما ينفذون لمصر ليتخذوها القاعدة الثانية ونبهت على هذا مرارا وهو ما لم يغب عن معاوية فتخلص عبر استخباراته من مالك الأشتر بشربة عسل وتخلص من محمد بن أبي بكر الصديق وضم مصر فورا فقطع عن الكوفة أسباب حياتها في الغرب
6 - إشارة جيدة إلى إثبات حزن علي بن أبي طالب على موت مالك الأشتر الذي سمّته أم المؤمنين صفية (بالكلب) وكان العمود الفقري لعلي بن أبي طالب وقواته
الحلقة السادسة عشر
هذه الحلقة كانت برواية عباسية بامتياز ليس فيها إيجابيات تذكر مطلقا ونفندها في النقاط التالية
1 - اتهام معاوية بن أبي سفيان بالعجز الجنسي وهذه الرواية أساسها الرواية التي قيلت حول الثلاثة من الخوارج الين ارادوا قتل علي بن ابي طالب ومعاوية بن ابي سفيان وعمرو بن العاص رضي الله عنهم جميعا
إن كافة الروايات الواردة في خبر مقتل علي بن أبي طالب بالصورة المعروفة والتي بثت في المسلسل كل طرقها إما ضعيفة أو معضلة ولا يصح منها شيء وهذا يرجح ما نقلت أن علي بن أبي طالب قتل في صفين على يد عبدالرحمن بن ملجم في المعركة وأن أحداث النهروان تم تأخيرها عمدا من قبل المؤرخين العباسيين والمتشيعين وإلا فهي سابقة لصفين
وكافة الروايات القصيرة التي وردت في مقتل علي بن أبي طالب أوردها محقق تاريخ الطبري البرزنجي في قسم الصحيح لكنها جميعا ضعيفة أو معضلة أو من طريق الواقدي أو الكلبي وأما الروايات الطويلة فقد أوردها في قسم الضعيف لأنها متهالكة تماما
وعليه فقصة الخوارج الثلاثة برمتها لا تثبت والغرض منها أمور هي :
أ - نفي الخلافة عن معاوية بن أبي سفيان من صفين وأثبتنا سابقا خلاف ذلك وأنه عين خليفة في صفين
ب - اتهام معاوية بن أبي سفيان بالعجز الجنسي للانتقاص منه لأن هذه التهمة حين اثبتت لحقها تهم أخرى في أن معاوية حاشاه كان إن أراد أن يمنع من يزيد ابنه جارية ما نظر إليها وقلبها ومنها اتهامه بمقولة (هذا متاع لو كان له متاع) فافهم ذلك أن غرضهم اللمز والطعن في معاوية
وينظر صحيح الطبري الجزء 4 ص418 لتقرأ ان كافة الروايات في مقتل علي بن أبي طالب ضعيفة لا تصح
2 - لا يصح أن حسن بن علي بن أبي طالب تنازل لمعاوية بشرط أن يلي الخلافة بعده فهذا باطل لم يرد وهو من مراسيل الزهري لأن رواية البخاري وهي أصح رواية في خبر تنازل الحسن بن علي لم تثبت أنه اشترط أن يلي الخلافة بعد موت معاوية فانتبه
وكلام أهل العلم في مراسيل الزهري كالتالي :
أ - روى ابن عساكر عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد قال: سمعت يحيى بن سعيد القطان يقول: ((مرسل الزهري شرٌّ من مرسل غيره ؛ لأنه حافظ، وكلما قدر أن يُسَمِّيَ سَمَّى، وإنما يترك من لا يحسن أو يستجيز أن يُسَمِّيَه))
ب - وقال يحيى بن معين: مراسيل الزهري ليس بشيء
ج - وروى أيضًا هو والخطيب البغدادي في "الكفاية" من طريق أحمد بن أبي شريح الرازي، قال: سمعت أبا عبد الله محمد بن إدريس الشافعي الذَّابَّ عن أهل السنة، والمنكر على أهل البدعة - رضوان الله عليه ورحمته - يقول: ((إرسال الزهري عندنا ليس بشيء، وذلك أنَّا نجده يروي عن سليمان بن أرقم)) .
د - وفي لفظ ؛ قال: سمعت الشافعي يقول: ((يقولون: نُحابي، ولو حابَيْنا لحابينا الزهري! وإرسال الزهري ليس بشيء، وذاك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم)).
وسليمان بن أرقم هذا متروك الحديث، كما قال أبو داود وأبو حاتم والترمذي وأبو أحمد الحاكم والدارقطني وغيرهم، وقال البخاري: تركوه.
هـ - وروى ابن عساكر أيضًا عن علي بن المديني ويعقوب بن شيبة أنهما قالا: ((مرسلات الزهري رديئة)).
و - ولما أورد الذهبي في "سير أعلام النبلاء بعض هذه الأقوال ؛ قال: ((قلت: مراسيل الزهري كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه، ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -، ومن عَدَّ مرسل الزهري كمرسل سعيد بن المسيب وعروة بن الزبير ونحوهما، فإنه لم يَدْرِ ما يقول، نعم مرسله كمرسل قتادة ونحوه)).
ز - وفي شرح موقظة الذهبي في علم مصطلح الحديث
ومن أوهى المراسيل عندهم: مراسيلُ الحَسَن.
وأوهى من ذلك: مراسيلُ الزهري، و قتادة، وحُمَيد الطويل، من صغار التابعين.
وغالبُ المحقَّقين يَعُدُّون مراسيلَ هؤلاء مُعْضَلاتٍ ومنقطِعات، فإنَّ غالبَ رواياتِ هؤلاء عن تابعيٍّ كبير عن صحابي، فالظنُّ بمُرْسِلِه أنه أَسقَطَ من إسنادِه اثنين
وإذا عدنا لصحيح الطبري بتحقيق البرزنجي لا نجده أي البرزنجي أورد أي رواية تخص اشتراط الحسن بن علي تولي الخلافة في حال موت معاوية وهو حي, بل إن الروايات التي رواها في صحيح الطبري لتلك الفترة تتكلم عن نفس الشرط المذكور في رواية البخاري وهو أن الحسن بن علي أصاب من هذا المال
والروايات التي ذكرت اشتراط الحسن بتولي الخلافة بعد معاوية متهالكة , فاجتهد بعضهم كابن عبد البر وقال : ( ولا خلاف بين العلماء أن الحسن إنما سلم الخلافة لمعاوية في حياته لا غير, ثم تكون له من بعده, على ذلك انعقد بينهما ما انعقد)
قلت : وهو يقول ذلك وأصح رواية في ذلك لم تذكر الأمر أي تولي الحسن للخلافة بعد معاوية لا بالتصريح ولا بالتلميح رغم أنها ذكرت ما هو دون ذلك أي المال وما أخذ منه الحسن وأصاب فما بالك بالإمامة الكبرى والولاية العظمى وهي الخلافة والتي كان يدور محور القتال عليها ومن أجلها سالت الدماء بين الطرفين!!
وحين أراد معاوية أخذ البيعة لابنه يزيد لم نجد أحدا من الصحابة يلوح له بهذا الشرط مثلا وهو يعترض عليه, بل الأدهى أننا لا نجد حسين بن علي بن أبي طالب يذكر ليزيد أو لغيره من الصحابة أن شرط أخيه الحسن مع معاوية كان على أن يتولى الحسن في حال موت معاوية, أما وقد مات الحسن فإنها تؤول لي من باب أولى, فهنا لم ينوه أو يذكر أو يشير حسين بن علي بن أبي طالب عن هذا الأمر في اعتراضه على إمرة يزيد أو بيعته أو في رحلة خروجه عليه
ولا نعلم بالتحديد متى ظهرت هذه الإشاعة في أن الحسن بن علي اشترط الخلافة على معاوية بعد موته, والظاهر لي أنها ظهرت لاحقا في إثر توالي خروج دعاة الطالبيين خاصة في مطلع عهد الدولة العباسية, لأنها في صلبها تطعن في بيعة يزيد وفي معاوية نفسه وتحاول أن تؤكد أن لهم حقا في الخلافة مغتصبا كما يدّعون
3 - الحوار والخلاف المفترض والصلح بين معاوية وقيس بن سعد بن عبادة هو من مراسيل الزهري وقد ضمها البرزنجي قسم الضعيف من كتابه صحيح وضعيف تاريخ الطبري ولا تصح وتكلمنا عن مراسيل الزهري سابقا في النقطة رقم (2) وينظر كتاب صحيح تاريخ الطبري ج4 ص9
4 - لم يُلعن علي بن أبي طالب زمن معاوية ولا زمن بني أمية كله , وهذه فرية وكذبة عباسية أقحموها ودسوها أن علي بن أبي طالب كان يُلعن في زمن معاوية ومن بعده من الأمويين وهذا أمر لا يصح, وقد ظهرت في القرن الرابع الهجري من قبل المؤرخين العباسيين ولم تكن معروفة سابقا
وينظر كتاب ( أباطيل يجب أن تمحى من التاريخ ص203)
الحلقة السابعة عشر
هذه الحلقة استمرار لاستجرار الروايات العباسية التي لا تسمن ولا تغني من جوع ونعقب على النحو التالي:
1 - لا يصح خبر في استلحاق معاوية لزياد بن عبيد الثقفي ولم يرو صاحب صحيح تاريخ الطبري في القسم الصحيح أي رواية حول الأمر رغم وضعه للعنوان في حوادث سنة 44 هـ
وما هي إلا دسيسة شعوبية وضربة فارسية تتهم معاوية بن أبي سفيان وأبوه وأهل أبي سفيان كلهم
وينظر صحيح تاريخ الطبري بتصحيح البرزنجي (ج4 ص20)
أما المهم من النقاط في الحلقة فيظهر في قضية :
1 - تنشئة يزيد بن معاوية على الفروسية والقوة
2 - اهتمام معاوية بن أبي سفيان بالبريد والبريد كان يمثل وقتها ما يعرف بجهاز الاستخبارات العامة في زماننا وصاحب البريد كانت مهمته تماثل مهم رئيس جهاز المخابرات
الحلقة الثامنة عشر
بلغ هنا الإسفاف والقبح حده في تصوير المجتمع في زمن أمير المؤمنين معاوية بأنه مجتمع له بيوت مخصصة للأعمال المشينة والغير أخلاقية , ثم صوروا أن في العرب جواري
والقصة برمتها من زبالة خيال المؤلف والمخرج ولم أقف فيها على مصدر
الحلقة التاسعة عشر
هذه الحلقة كلها مساوئ وسلبيات فاقت ما أتى به مؤرخي البلاط العباسي, فبدلا من تصوير الفتوحات افترض المخرج من زبالة أفكاره قصة الجارية العربية ولا نعلم أن في العرب جواري وصارت تغوي معاوية وأدخلنا في متاهة أشبه ما تكون بمتاهة الأفلام المصرية الرخيصة التي صُدّرت في السبعينات الميلادية
ثم تصور الحلقة أن معاوية يشك في ابنه يزيد وهو تلميح وتنويه لما افتراه مؤرخي البلاط العباسي على يزيد وتم تفنيده سابقا في بطلان كل خبر عن شرب يزيد للخمر في مساحات متعددة ومختلفة
وينظر هذا الرابط على يوتيوب
https://www.youtube.com/watch?v=fJPB1eGSk1Q
أما شخصية معاوية الصغير فهي شخصية افتراضية لا وجود لها مطلقا إنما عرف يزيد بن معاوية بأنه أبو خالد وكافة الأخبار الواردة في شخصية معاوية الثاني لا تثبت وتم تفنيدها في مساحة سابقة في العام الماضي على يد الشيخ د. وليد الزهراني
وبالإمكان الاطلاع عليها عبر الرابط في قناتي على اليوتيوب
https://www.youtube.com/watch?v=JwGekVPWmzY
وباختصار الحلقات سيئة هابطة رخيصة لا مستوى فيها حتى من ناحية الدراما والتشويق
الحلقة العشرون
1 - سلبية خطيرة جدا في أنهم أوردوا إقرار معاوية بن أبي سفيان بخلافة علي بن أبي طالب وهذا عجيب وخطأ فادح لا يقع فيه إلا الصبية الصغار فسياق المسلسل ينافيه فضلا عن الحقيقة التاريخية !!!
2 - نعيد ونكرر ونؤكد زياد بن عبيد الثقفي وليس زياد بن أبي سفيان ولا تصح أي رواية في قصة الاستلحاق وفندنا ذلك سابقا
3 - ضعف أداء الممثل الذي قام بدور زياد بن عبيد الثقفي
4 - إهمال تام للأعمال العظيمة والجليلة المدنية والعسكرية الداخلية والخارجية التي كانت في عهد خلافة معاوية التي استمرت لقرابة عقدين من الزمان
والباقي لا قيمة له
الحلقة الحادية والعشرون
تضمنت هذه الحلقة إيجابيات وسلبيات على النحو التالي:
الإيجابيات
1 - مبارزة معاوية لابنه يزيد وفي هذا إشارة إلى أن معاوية نشّأ يزيد ولده على الفروسية
2 - الإشارة لحصار القسطنطينية والإشارة لحديث النبي صلى الله عليه وسلم أن أول جيش يغزون القسطنطينية مغفور لهم والبشارة هنا تشمل معاوية ويزيد وسائر الصحابة والمؤمنين الذين كانوا في هذا الجيش
3 - الإشارة لكفاءة يزيد بن معاوية وحزمه وقدرته في إدارة حصار القسطنطينية
4 - الإشارة أن أبا أيوب الأنصاري بلّغ وصيته ليزيد بن معاوية أميره وأمير الجيش
5 - الإشارة أن معاوية بن أبي سفيان تم به اجتماع المسلمين ووحدة كلمتهم وصفهم
أما السلبيات فهي كالتالي:
1 - الإشارة أن هناك فاتحا آخر للقسطنطينية وهنا هم يلقون فكرة عن السلطان العثماني محمد الثاني "الفاتح" وقد نقاشنا في مساحات سابقة عدم صحة تلك الأحاديث وكذلك ينظر في كتابي (الدولة العثمانية قرون من الظلم والظلام)
2 - كما بينا سابقا لا يوجد أي إثبات يثبت أن حسن بن علي بن أبي طالب بايع معاوية بن أبي سفيان مشترطا تولي الخلافة من بعده, كما أن معاوية لم يأخذ في الاعتبار حين أراد تولية يزيد ابنه حسن بن علي أو أخوه حسين
3 - لا تصح رواية اعتراض ووجود عبدالرحمن بن أبي بكر الصديق عن بيعة يزيد بن معاوية لأن عبدالرحمن توفي سنة 53 للهجرة ويزيد بويع بولاية العهد سنة 55 للهجرة وكذلك موقف عبدالله بن عمر واضح وكان من المبايعين والثابت هو أن الأمة أجمعت على بيعة يزيد بن معاوية بمن فيهم ستون صحابيا باستثناء اثنين هما حسين بن علي وعبدالله بن الزبير
4 - ضعف إخراج حصار القسطنطينية وضعف إخراج حوار معاوية في توصيته لابنه يزيد
5 - لم يثبت ولم يذكر في أي رواية أن معاوية كان يسير في آخر عمره هائما في دمشق كالتائه وهذه من خيالات المؤلف
6 - في حلقة أمس في رسالة نعي عتبة بن أبي سفيان ورد في الكتاب المُرسل عبارة (إبلاغ حضرتكم) وهذه العبارة ظهرت في العهد العثماني المتأخر ولا علاقة لها بالعهد الأموي وهو ما يبين الضعف الكثير في هذا العمل
الخاتمة:
1 – قدّم المسلسل ومضات بسيطة في خضمّ ظلمات متعددة فنحن نتكلم عن بضع حلقات لا تتجاوز أصابع الكف الواحد هي التي قدمت إلى حد ما بشكل نسبي حقائق تاريخية متعددة في مقابل افتراضات وقصص لم ترد حتى في المصادر المناوئة لمعاوية
2 – يُحسب للمسلسل أنه قدّم بشكل يسير أحداث قتل عثمان دون الخوض في التفاصيل بينما في نفس الوقت أظهر عثمان بمظهر الضعيف, ويُحسب له إظهار علي بن أبي طالب في دور الطامع في السلطة وفي نفس الوقت قدّم النقيض عبر ترويج رواية أن معاوية هو الفئة الباغية فالمسلسل ويكأنه يرضي الطرفين مع ميل شوكته للرواية التقليدية
3 – لا تنتظر عزيزي القارئ من المسلسلات تصحيح التاريخ, فهذه المهمة شاقة تتطلب الغوص في أعماق الكتب والروايات وتقليبها
4 – يحسب على المسلسل أكثر مما يحسب له, لكن التعلق بالمَشاهد صار همُّ المُشاهد على عكس المقروء والمسموع فهنا عبر المشاهد المرئية تلتصق المعلومة أكثر وأكثر
5 – نصيحة الختام لكم هو في إماتة ما ورد من أباطيل في هذا المسلسل والرد على ما فيه الشبهات وتثبيت الحقائق
الأستاذ والباحث : إبراهيم بالحمر
إرسال تعليق