تمتمة تاريخية - المانوية

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


 تمتمة تاريخية - المانوية

من لم يقرأ التاريخ ويربط الماضي بالحاضر والوقائع مع الواقع يضيع في تفاصيل يعدها لك المعدُّون عمدا لتغرق فيها وفي تفكيكها , بينما صلب القضية واحد ولب الموضوع واحد 


تكلمنا أن المانوية اتخذت لها قواعد متفرقة مشرقية وأوسطية ومغربية 


ففي الشرق تركزت في المدينة المقدسة قاعدة خراسان نيسابور , وفي الوسط تتركزت في الكوفة القريبة من الحيرة وطيسفون , وفي الغرب تركزت في مصر ولا يعنينا أمر مصر كثيرا الآن 


اندحرت الكوفة لأنها كانت أول الثائرين وأكثر الفائرين, وبانت هشاشتها وضعفها , ليقتنص الفرصة هاشمي عباسي وينقل القاعدة لقلب المانوية (خرسان) تلك المانوية التي تشكلت من حركية واندفاع التُّرك ومنهجية الفُرس فكانت خراسان القاعدة الكاملة لليد الباطشة والمنهج العامل فظهر سيف أبو مسلم الخراساني التركي مع قواته التركية وفِكْر البرامكة وبنو سهل وبنو نوبخت وغيرهم من أعمدة المانوية القديمة في الدولة الساسانية في طور الدولة العباسية


ظلت الكوفة تغلي في الصراع العلوي العباسي ونيسابور تجني حصاد الريادة والسيادة فصارت رئة بني العباس وقلبهم وجهازهم العصبي والحركي 


ظهر جنكيز خان ولم يكن ظهوره إلا بتواطؤ من الناصر العباسي خليفة سراويل الفتوة , ولم تكن رغبة الناصر العباسي من جنكيز خان إلا أن يكف عنه بطش الخوارزميين الذين ارادوا أن يحكموا كما حكم السلاجقة ويتحكموا بالعباسيين


فعّل العباسيون خططهم القديمة المعتادة بالاتصال بكل جماعة باطنية فاتصلوا بالحشاشين الباطنية المانويين المتخصصين في عمليات الاغتيال ونفذ الحشاشون عمليات اغتيال لصالح الناصر العباسي, اتصلوا أيضا بجنكيز خان فاجتاح المشرق وضعضع دولة الخوارزميين وتوقف 


تنفس الناصر الصعداء بعد زوال الخوارزميين ولم يدرِ أنه قطع أنفاسه في خراسان وضعضع عش دبابيرها ومدرستها المانوية الباطنية, تلك المدرسة التي أخرجت لنا عتاة الأسماء في الباطنية من كل شكل ولون, فالتصوف الملامي الذي خرجت من رحمه القلندرية إنما كتبت رسالته على يد السُّلمي صاحب الرسالة والذي كان البيهقي والحاكم صاحب المستدرك من أشهر تلاميذه 


وإبراهيم بن أدهم أول من تغول في التصوف نشط تلاميذه بداية في بلخ ثم انتقلوا لخراسان حتى قال الجنيد البغدادي ( التصوف والفتوة بخراسان) لأنها قاعدة المانوية الأم 


كان الغزو المغولي مؤذنا بزوال هذه القاعدة وتضعضع أمرها وزوال وهجرة دبابيرها فمن خادم فيهم للمغول ومن مؤسس لقاعدة جديدة في بقعة جديدة 


خرجت القلندرية من خراسان متزامنة مع الاجتياح المغولي , استقرر جمال الدين الساوجي في صعيد مصر ناشرا بينهم الحشيش, جاء غيره لدمشق ولحلب وصل بعضهم لمكة والمدينة, جيش عرمرم من الفقراء المولهين كما سمتهم المصادر حفاة وعراة أو شبه عراة , نقض المغول مركزهم في خراسان فانتفشوا في المشرق 


قطع المغول نيسابور وخراسان عن بني العباس , وأيقن هولاكو حفيد جنكيز أن بقاء العباسيين مما لا داعي له فعمد لتطهير كوكب الأرض منهم, سدد ضربته لخراسان فأخضعها فاختنق العباسيون, سدد الضربة الثانية للحشاشين حلفاء العباسيين في ألموت ودمرهم, دخل بغداد ووزير الخليفة شيعي ؟ نعم شيعي لأن الناصر والعباسيين إنما كانوا شيعة وخاصة الناصر كان يبغض أبا بكر وعمر وعثمان والمستعصم حفيده


انتهت مهزلة العباسيين, هناك فيما زعموا أن رجلا جاء من الأندلس ولا أراه إلا قادم من خراسان زعم أنه جاء من الأندلس فقصد مكة ونشر فصوصه ونصوصه , تلقفه سلاجقة الروم ونقلوه لقونية فتغوط منهج وحدة الوجود المانوية الباطنية في ربيبه صدرالدين القونوي المعاصر لجلال الرومي القادم هو أيضا من خراسان وكذلك عشيقه شمس التبريزي القادم من تبريز ولا ننسى المحقق البرهان الترمذي نزيل قونية القادم من ترمذ والسهروردي القادم من العراق والذي عينه الناصر مفتي بلاد الروم


فأنت أمام أسماء خرسانية باطنية وجودية تركزت عمدا عند سلاجقة الروم غرضها اختراق بلاد الشام وقد نجحت في ذلك


رأينا شمس التبريزي يلاعب الافرنج في أحد خانات دمشق ويسبق دخول المغول لحلب قدوم جلال الرومي ويتمركز جمال الدين الساوجي في مصر وتلعب أسماء أخرى كبابا براق وغيره أدوارها 


يظهر ابن تيمية في الشام في ظرف فكري وسياسي خطير ويجاهد في سبيل دحض الباطنية الوجودية التي تظهر بمظهر الأشاعرة, فيعاني منهم في دمشق ويقضي 12 عاما من عمره بين السجون بسبب مكائدهم


مات ابن تيمية واستمر هؤلاء الوجودية الباطنية وعملوا كل جهدهم على طمس رسمه ومنهجه وفقهه ومدرسته فلم يمر قرن في دمشق حتى بالكاد تجد من يذكر ابن تيمية 


دخل العثمانيون دمشق فأبرزوا قبر ابن عربي في الصالحية لذلك تحولت دمشق لكعبة المؤمنين بوحدة الوجود فابن عربي هو مجدد هذه العقيدة المانوية الأصل, وبالتالي تبنتها الدولة العثمانية كعقيدة دولة وعملت على فرضها في الأناضول والشام ومصر والعراق والمغرب والحجاز , والويل كل الويل لمن ينتقد ابن عربي أو يتكلم في حقه , فهذا جوي زادهالشهيد شيخ إسلام العثمانيين يُعزل ويهمش لأنه اتهم ابن عربي بالضلال , ليعلق طاشكبري زاده صاحب الشقائق النعمانية بالقول (لم ينل بركات مولانا ابن عربي) , وكذلك فعل ابن كمال باشا أحد كبار أئمة الوجودية وسبقه الملا الفناري أول شيخ إسلام عثماني


لذلك تجد شيخ الإسلام ابن تيمية مات داخل أسوار دمشق بل داخل سجن قلعتها والبدع التي حذر منها وحاربها مورست أثناء تشييع جنازته وانطلق سيل من الرؤى والأحلام المخبرة عن مصيره وبقيت مؤسسة وحدة الوجود الباطنية في دمشق تطمر كل صوت مناد للحق ولا تتزحزح


نعم تحولت دمشق للمدينة المقدسة لكل معتنق لوحدة الوجود  ورسخ ذلك طوال فترة الدولة العثمانية ومنحت بعض الكرامات والميزات وصارت رابع مدينة مقدسة بعد مكة والمدينة والقدس, ومنعوا دخول البعثات الأجنبية لها , ذلك المنع الذي استمر حتى القرن التاسع عشر وزوال اجتياح إبراهيم باشا للشام ولإحكام القداسة جعلوا آدم عليه السلام نزيل جبل قاسيون !! وإبراهيم عليه السلام ولد في شرق قاسيون !! وفي الربوة غرب قاسيون أومي لعيسى عليه السلام وأمه , وفي النيرب وهي كلمة سريانية معناها ( الوادي ) كان مسكن حنا أم مريم عليها السلام وجدة عيسى عليه السلام !!

وقس عليها مخطوط عبدالرزاق الدمشقي المتوفى سنة 1103 هـ وهو موجود في المكتبة الظاهرية باسم ( حدايق الأنعام في فضايل الشام )


ولم يكن دخول الفرنسيين لدمشق إلا بعد ضمان مصالح أتباع ابن عربي فيها ومؤسستهم الرسمية, وكذلك أصحاب الإقطاع فيها , ولم يكن حافظ الأسد بعيدا عن هذه الخطة والخلطة فأعمدة دمشق القديمة الدينية والاقتصادية باقية طوال زمانه, وما التغير الذي حدث إلا حينما جاء بشار الأسد فمال تجاه الاثنى عشرية الإيرانية الخمينية, والتي أوفدت مدرسة فكرية لا تنتمي لابن عربي كثيرا ولها مصادر أخرى وإن كانت تقدسه, في حلقة لا يكاد يدركها إلا المؤرخ البصير, تلك الحادثة التي وقعت في كربلاء بين نجيب باشا 1843 م وميلشيات كربلاء اللوتية أو الزقرتية التي أخرجت كربلاء من سلطة العثمانيين ضمنيا , فالدولة العثمانية ضمنت المرجع الشيعي الأحسائي ضد مراجع كربلاء لأن الأحسائي نادى بوحدة الوجود وهو ما لم تقله مرجعيات الإمامية وقتها , وجعلت منزل الأحسائي أمانا لمن لجأ له من الناس وعزلت علي رضا باشا اللاظ الشيعي وعينت محله نجيب باشا الوجودي


فأنت الآن لربما أنك أمام صراع بين متبني لعقيدة وحدة الوجود تمثله الجمهورية التركية الحالية ومتبني لعقيدة أخرى تختلف


ولنختم الموضوع حتى لا يطول فالمانوية منذ أيام مؤسسها الأول ماني وهي في جهد جهيد دفع ماني بنفسه لتعلم السرياني وتأليف كتابه بالسريانية لاختراق الشام تحديدا, وتلك رحلة استمرت قرونا طويل حتى نجح العثمانيون ببناء ضريح ابن عربي كعبة الباطنيين أرباب وحدة الوجود , مؤلفين خرافة أنه تنبأ لسليم ياووز بدخول دمشق ومنها منحت دمشق القداسة لكنها قداسة الباطنية وترسخت مؤسساتها على ذلك , وما فشل فيه شيخ الإسلام ابن تيمية لن ينجح فيه غيره


والحديث ذو شجون 

وللحديث بقية


الأستاذ والباحث : ابراهيم بالحمر



قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث