المباهلة بين عقيدتين ومجتمعين، لا بين أفراد أو عائلات
يتجه التأويل السلالي لآية المباهلة – كعادته – إلى تكريس التمييز والاصطفاء لعليٍّ وذريته، رغم وضوح الآية التي جاءت لحسم الجدل العقائدي مع وفد نصارى نجران حول حقيقة عيسى بن مريم. ولخدمة هذا التفسير المنحرف، اختُلقت روايات موضوعة تُحمِّل الآية ما لا تحتمله. قال الله تعالى: "فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين" [آل عمران: 61]. هذه الآية تتحدث عن مواجهة دينية بين مجتمعين، المجتمع الإسلامي ومجتمع نصارى نجران، وليست محاجّة بين أفراد أو أسر بعينها. فجاء التوجيه الإلهي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بصفته نبيّ الأمة وقائدها، يدعوهم إلى المباهلة كوسيلة فاصلة لإنهاء الجدال حول عقيدتهم في المسيح. وعليه، فإن "أبناءنا" و"أبناءكم" تعني أبناء المجتمع الإسلامي وأبناء مجتمع نصارى نجران، و"نساءنا" و"نساءكم" تعني نساء كلا المجتمعين، و"أنفسنا" و"أنفسكم" تعني رجال المجتمعين. أي أن المباهلة كانت بين كيانين دينيين، وليس بين وفد نصارى نجران وبين النبي وأفراد من عائلته كما يدّعي البعض. لكن المباهلة لم تتم، إذ تراجع وفد نجران بعد أن استشاروا كبيرهم "العاقب"، الذي حذّرهم من المضي فيها لعلمهم بصدق النبي صلى الله عليه وسلم، وخشيتهم من أن تحل عليهم لعنة الله إن باهلوا. وبدل ذلك، قبلوا بما عرضه عليهم رسول الله وطلبوا أن يرسل معهم رجلًا أمينًا، فأرسل معهم أبا عبيدة بن الجراح، أمين الأمة، وانتهى الأمر، كما جاء في صحيح البخاري. أما الرواية التي تزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج للمباهلة ومعه الحسن والحسين، وخلفه فاطمة وعلي، وقال: "اللهم إن هؤلاء أهلي"، وأن وفد نجران خاف لما رأى هذا المشهد، فهي مجرد أسطورة من روايات الكوفة. في سندها بكير بن مسمار (مولى من الكوفة) الذي قال عنه البخاري: "فيه نظر". وهي رواية هدفها الوحيد تكريس احتكار الدين والفضل في عليٍّ وذريته بلا مسوّغ، في سياق ترسيخ التشيّع. والأدهى أن التأويل الشيعي لم يكتفِ بادعاء أن هذه الرواية تُثبت دخول علي وفاطمة والحسن والحسين في "أهل البيت"، بل زعم أن عبارة "وأنفسنا وأنفسكم" تعني أن عليًّا بمنزلة النبي، بحجة أنه الوحيد الذي خرج معه، مما يُفهم منه – بزعمهم – أنهما في مرتبة واحدة من الفضل، وأنه نفس النبي، وأن هذا دليل على عصمته وذريته وحقهم الإلهي المزعوم. خلاصة الأمر: المباهلة كانت بين عقيدتين ومجتمعين، وليست بين أفراد أو عائلات. المباهلة لم تتم، لأن وفد نجران تراجع وقبل ما فرضه النبي عليهم. لا صحة للروايات التي تدّعي خروج علي وفاطمة والحسن والحسين مع النبي للمباهلة. "أبناءنا" تعني أبناء المجتمع الإسلامي، "نساءنا" تعني نساءه، و*"أنفسنا"* تعني رجاله. لا يوجد في الآية أي تمييز سلالي أو مكانة خاصة لأحد، بل هي انتصار لدين الله الحق، وتأييد للنبي الكريم الذي أثبت الله بهذه المباهلة صدق ما جاء به من الحق وكذب منكريه.الأستاذ : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق