الخُمس بين تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ الامتياز السلالي

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

الخمس بين تحقيق العدالة الاجتماعية وترسيخ الإمتياز السلالي

الخُمس في القرآن ليس تركة لعائلة، ولا امتيازًا لنسب، ولا حقًا دائمًا لسلالة، بل هو مورد عام مرتبط بالمصلحة، ووسيلة لتحقيق العدالة الاجتماعية، لا أداة لتكريس الطبقية والتمييز. الخُمس ورد في سياق الأنفال، وليس في سياق الأموال العامة كلها، وكان مرتبطًا بالمصلحة لا بالوراثة. قال تعالى: "يسألونك عن الأنفال قل الأنفال لله والرسول" ثم قال: "واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل" [الأنفال: 41]. الأنفال تعني الزيادة، وهي هنا خمس الغنيمة الزائد عن الأربعة الأخماس التي تُعطى للمقاتلين. فالخُمس إذن جزء من غنائم الحرب، وليس من سائر الأموال، وهو "لله" يُصرف في المصالح العامة، و"للرسول" باعتباره قائد الأمة، يُنفِقه حسب الحاجة والمصلحة، وليس بناء على النسب أو الانتماء. وفي سورة الحشر، أوضح القرآن الغاية من هذا التشريع فقال: "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" [الحشر: 7]. وهذه علة صريحة، تبين أن الهدف من تشريع الخُمس هو منع احتكار المال في أيدي فئة معينة، وتحقيق التوازن الاجتماعي من خلال توزيعه على من يحتاج. أما ذكر "ذوي القربى" و"اليتامى" و"المساكين" و"ابن السبيل" فليس على سبيل الحصر ولتخصيص هؤلاء وحدهم، بل كأمثلة على المستحقين بحسب الحاجة. اموال الخمس تصرف حيث تكون المصلحة، وتوزع وفق متطلبات الحال، وحسب ما يقدره ولي الأمر. وقد بيّن النبي ﷺ هذا حين طلب بعض أقاربه شيئًا من الغنائم فقال: "لا والله لا أعطيكما وأدع أهل الصفة يطوون بطونهم من الجوع". وبشكل أوضح، كان الخُمس بمثابة اعتمادًا ماليًا خاصًا جعله الله للنبي بصفته قائدًا للمجتمع المسلم ، يصرفه على مصالحهم ويقضي منه حاجة اهله وحوائجهم، من إطعام ومساعدة وسداد ديون وغير ذلك. وكان من الطبيعي أن يكون للقيادة مصدر مالي خاص. وبعد النبي، انتقل هذا المورد لأمير المؤمنين باعتباره المسؤول عن الشأن العام، المتفرغ للقيادة والإدارة . لكن مع تطور الدولة وتوقف الحروب ونهاية الغنائم، ظهر النظام المالي العام والرواتب، فانتهى دور الخُمس ولم يعد له وجود. الخُمس في زمن النبي والخلفاء الراشدين لم يكن ضريبة دائمة، ولا حصة وراثية، بل كان جزءًا من غنائم الحرب يُصرف في مصالح المسلمين حسب تقدير ولي الأمر. وإن أعطي منه شيء لذوي القربى، فكان للفقراء منهم فقط كغيرهم من الفقراء والمحتاجين، لا لأنهم أقارب النبي أو ولي الأمر ، بل لحاجتهم. لكن التأويلات السلالية حرفت هذا المفهوم، فجعلت من الخُمس ضريبة مفروضة تُؤخذ من الثروات و أموال الناس وتُعطى لفئة محددة فقط لأنها تنتسب إلى سلالة معينة! فأي عدالة تقر بذلك؟ وأي شريعة تجعل المال حكرًا على نسب معين؟ بل كيف يُتجرأ على كتاب الله، ويُؤخذ منه ما يوافق الطمع، ويُهمل ما يبيّن الغاية من التشريع؟ "كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم" والواقع أن الخُمس اليوم لم يعد له وجود، لانعدام الغنائم، فلا حرب تعني لا غنيمة، وبالتالي لا خُمس. وحتى لو افترضنا وجوده، فهو مال عام لا يُورث ولا يُملَك، ولا يخص أحدًا بنسبه وسلالته، بل هو مورد عام تُقدّره الدولة حسب حاجات الناس ومصالحهم. أما القول بوجوب الخُمس في الثروات والأموال الشخصية، فليس إلا افتراءً صريحًا، وسرقة مقنعة باسم الدين، لصالح الامتياز السلالي. أول طريق الإصلاح هو نزع القداسة عن الامتياز السلالي، والعودة إلى روح القرآن، لا إلى تأويلات من جعلوا لأنفسهم حقًا لم يأذن به الله. فالله لم يشرّع طبقية، والنبي لم يورّث سلطانًا. فهل حان الوقت لنُعيد لهذا التشريع عدالته، وللدين روحه، وللنص سلطانه؟


الأستاذ : عبدالكريم عمران



قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث