اسطورة نزول عيسى بن مريم عليه السلام
الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا الكريم محمد وعلى ازواجه الطاهرات امهات المؤمنين وعلى الصحابة الكرام وكل من سار على نهجهم الى يوم الدين وبعد..
نبدأ من الأشراط التي اوجدها الوعاظ والمشايخ والقصاصين حول علامات و أشراط الساعة وقسموها الى قسمين.. اشراط وعلامات صغرى وعلامات كبرى معتمدين بذلك على احاديث ظنية الثبوت وجلها لا يرتقي الى الصحة حسب القواعد التي وضعت لعلم الحديث وتبقى ظنية الثبوت..
ومن العلامات الكبرى التي ادخلوها في باب الإعتقاد هي نزول عيسى بن مريم عليه السلام في آخر الزمان متأولين بعض آيات الله عزو جل في القرآن الكريم!.. لذلك سأختصر بحثي معتمداً على كتاب الله عز وجل، وبما ان علماء الحديث قالوا: ان أعلى درجة لصحة الحديث إلا انه يبقى ظني الثبوت والله تعالى يقول : ﴿وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا ۚ إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} [يونس 36]
لايعلم الغيب والأحداث المستقبلية إلا الله عزوجل
﴿قُل لَّاۤ أَمۡلِكُ لِنَفۡسِی نَفۡعاً وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۚ وَلَوۡ كُنتُ أَعۡلَمُ ٱلۡغَیۡبَ لَاسۡتَكۡثَرۡتُ مِنَ ٱلۡخَیۡرِ وَمَا مَسَّنِي ٱلسُّوۤءُۚ إِنۡ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِّقَوۡمࣲ یُؤۡمِنُونَ﴾ [الأعراف 188]
ومعناها أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم يخبر قومه بأنه لا يعلم الغيب، وأنه لو كان يعلم الغيب لأستعد للأحداث المستقبلية، وجلب لنفسه الخير ودفع عنها الشر. هذا دليل على تواضعه صلى الله عليه وسلم، وأنه لا يعلم من الغيب إلا ما أطلعه الله عليه.
والأحداث المستقبلية لايعلمها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتحديداً ما يتعلق بعلامات الساعة والدليل قوله تعالى..
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي ۖ لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ۚ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً ۗ يَسْأَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا ۖ قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِندَ اللَّهِ وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [ الأعراف: 187]
وتفسيرها.. يسألونك عن الساعة متى قيامها؟ قل لهم: عِلْمُ قيامها عند الله لا يظهرها إلا هو، ثَقُلَ علمها، وخفي على أهل السموات والأرض، فلا يعلم وقت قيامها ملَك مقرَّب ولا نبي مرسل، لا تجيء الساعة إلا فجأة، وإنما علمها عند الله الذي يعلم غيب السموات والأرض، ولكنَّ أكثر الناس لا يعلمون أن ذلك، لا يعلمه إلا الله.
ويقول الله تعالى في كتابه الكريم..
﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا (42) فِيمَ أَنتَ مِن ذِكْرَاهَا (43) إِلَىٰ رَبِّكَ مُنتَهَاهَا (44) إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَاهَا (45) كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا﴾ [ النازعات:42]
نعم.. لقد أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم إذا سئل عن وقت الساعة ، أن يرد علمها إلى الله تعالى ; فإنه هو الذي يجليها لوقتها ، أي : يعلم جلية أمرها ، ومتى يكون على التحديد، أي لا يعلم ذلك أحد إلا هو تعالى. وقوله جل في علاه ﴿ لا تَأْتِيكُمْ إلا بَغْتَةً ﴾ أي لا تأتيكم إلا فجأة وانتم لاتشعرون، وهذا من لطف الله ورحمة في عبادة أن الجعل الموت يأتي فجأة، وكذلك الساعة، وكلما تدبرت آيات الله في كتابه الكريم تيقنت أن لا علامات ولا أشراط للساعة إلا آيات تدل على اننا في آخر الزمان، ونحن نُثبت ما اثبته الله يقيناً في كتابه الكريم.
آيات قرآنية تدل على إقتراب يوم الحساب
يقول الله تعالى..
{اقْتَرَبَتِ السَّاعَةُ وَانشَقَّ الْقَمَرُ } [القمر:1]
وقوله تعالى : {اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مُّعْرِضُونَ} [ الأنبياء 1 ]
يعلم اكثر الناس انهم يعيشون في آخر الزمان وأن يوم الحساب قد اقترب ونحن نؤمن يقيناً ما جاء في القرآن الكريم من آيات تدل على إقتراب يوم الحساب مستدلين على ذلك في الآيات التي ذكرناها آنفاً، أما العلامات والأشراط التي جاءت في كتب الحديث فلم يذكر الله منها شيئاً في كتابه الكريم..
الآيات القرآنية التي تثبت وفاة عيسى عليه السلام
أما في ما يتعلق في إثبات موت عيسى عليه السلام ميتةً طبيعية كما مات أكثر الأنبياء ممّن لم يُقتلوا، فنقول : إن لغة القرآن واحدة؛ لا تتنافر ولا تتضارب، والوفاةُ في القرآن هي الموت، قال الله تعالى: ﴿اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} [الزمر 42]، وقال جل في علاه:﴿قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} [السجدة 11]، قال سبحانه:﴿حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُون} [الانعام 61]
ومن الآيات التي اثبتها القرآن الكريم في وفاة عيسى عليه السلام قوله جل في علاه..
{ وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِّن قَبْلِكَ الْخُلْدَ ۖ أَفَإِن مِّتَّ فَهُمُ الْخَالِدُونَ (34) كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ ۗ وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ۖ وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } [ الأنبياء 35 ] وهذا دليل قرآني على موت جميع الأنبياء قبل النبي محمد عليه الصلاة والسلام ومن بينهم نبي الله عيسى عليه السلام.
والدليل الأقوى على لسان عيسى مخاطباً ربه جل في علاه هو قوله تعالى :
{ مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ۚ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ۖ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنتَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ } [المائدة 117] وهذا دليل آخر اشد وضوحاً وبيان، أن عيسى عليه السلام توفاه الله بعد تنفيذه لأوامر الله تعالى مخاطباً اليهود والنصارى.
اختم بهذه الآية الكريمة التي تثبت قطعاً وفاة عيسى بن مريم عليه السلام وهي قوله تعالى : { وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا } [ مريم الآية 33 ] إثبات منه لعبوديته لله عز وجل ، وأنه مخلوق من خلق الله يحيا ويموت ويبعث كسائر الخلائق، فقد ولد عيسى ومات وسوف يبعث مع سائر خلق الله حياً.
ضعف الأدلة التي يُحتج بها على حياة عيسى بن مريم عليه السلام ونزوله آخر الزمان
يحتج من يعتقد بنزول عيسى بن مريم عليه السلام بهذه الآية الكريمة
{ وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ (57) وَقَالُوا أَآلِهَتُنَا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ۚ مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا ۚ بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ (58) إِنْ هُوَ إِلَّا عَبْدٌ أَنْعَمْنَا عَلَيْهِ وَجَعَلْنَاهُ مَثَلًا لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ (59) وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنكُم مَّلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (60) وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِّلسَّاعَةِ فَلَا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ ۚ هَٰذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ } [ الزخرف 61 ] وتوقفوا عند قوله تعالى ( وإنه لعلم للساعة )! إذ يعتقدون أن الضمير في (وإنه) في الآية (61) عائد إلى عيسى، وما ذاك إلا أنه قد سبقت الإشارة إليه في الآية (57)، وهذا ليس سببًا كافيًا لإقحام عيسى في علم الساعة، لا سيما وأن الحديث لم يكن متصلًا، بل فُصِلَ بالآية (60) التي تحدثت عن الملائكة (ومن كانت لديه الخبرة والدراية في تتبُّع سياقات القرآن يعلم كيف ينتقل من موضع لآخر حتى ضمن السياق نفسه، وهو مما تفرّد به القرآن عن غيره من النصوص) ثم يشرع التنزيل العزيز في وصف القرآن العظيم بأنه (علمٌ للساعة)، وهو وصفٌ لائق بالقرآن المجيد أكثر من لياقته بنزول عيسى، ذلك النزول الذي لم يُذكَر ولو تلميحًا في القرآن كله، أما القرآن فهو النبأ العظيم، وهو المنذِر المحذِّر من الساعة، وهو الكتاب المبين الميسر لكل من يجيد اللغة العربية ويتدبر معانيها.
وقد جاء في تفسير القرطبي في قوله تعالى ( وإنه لعلم للساعة )عن الحسن وقتادة قولهما : يريد القرآن ; لأنه يدل على قرب مجيء الساعة ، أو به تعلم الساعة وأهوالها وأحوالها.
وأما الإحتجاج بقوله تعالى :
{ إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَىٰ إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ۖ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } [ ال عمران 55 ]
فكلمة ( الوفاة ) توضح معناها الآيات التي ذكرتها آنفاً وهي تدل على الموت. والايه هنا واضحة المعاني ولا تحتاج الى تأويل كما احتج بعضهم وتأولها بأن المقصود في هذه الآية هو ( النوم )!! وليس الوفاة!
و أما احتجاجهم بقوله تعالى ( ورافعك ) فالقرآن الكريم يفسر بعضه، فإذا قرأت قوله تعالى :
{ وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِدْرِيسَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا (56) وَرَفَعْنَاهُ مَكَانًا عَلِيًّا } [مريم 57 ] فالرفع هنا تعني المنزلة الرفيعة، ولا تعني ان ادريس عليه السلام قد رُفع حياً وكذلك رفع عيسى هنا لا يعني بأنه قد تم رفعه حياً ولاحظوا ان الكلمة لم تأتي منفصلة بل مقترنة ( متوفيك ورافعك ).
الخلاصة.. ان عيسى بن مريم عليه السلام قد توفاه الله كما دلت الآيات التي ذكرتها آنفاً مقتصراً عليها ومحتجاً بها لبيانها و وضوحها، ومستدلاً على من يعتقد ان عيسى لازال حياً وانه سيعود في آخر الزمان ليقتل اسطورة اخرى من اساطير علامات الساعة وهي اسطورة ( الدجال ) تلك الخرافة التي استقرت في اذهان اغلب المسلمين لقرون طويلة، وعسى ان اكون قد وفقت بهدم اسطورة المخلص التي جاءت الينا وتسللت من الأديان والمعتقدات التي سبقتنا ،أسأل الله ان يهدينا الى الحق وان يجعل القران العظيم ربيع قوبنا ونور لعقولنا وشفاء لصدورنا، وقد أنزل الله إلينا هذا القرآن، وأنعم علينا بنعمة العقل، وأمرنا باستعمال تلك العقول لتدبُّر كلامه العظيم، وحذر من لا يتدبّر القرآن بقوله: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا).
الأستاذ : أبوالحارث الدليمي
إرسال تعليق