بطلان حديث ( أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب )

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


بطلان حديث ( أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب )


حديث ( أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب )

1. روى الحديث أحمد في (المسند) قال: حدثنا محمد بن جعفر، قال: حدثنا شعبة، عن إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، أن عائشة لما أتت على الحوأب سمعت نباح الكلاب فقالت: ما أظنني إلا راجعة، إن رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال لنا: (أيتكن تنبح عليها كلاب الحوأب؟). فقال لها الزبير: ترجعين! عسى اللّه عز وجل أن يصلح بك بين الناس.

ورواه عن قيس آخرون مثل الحاكم (المستدرك) وابن حبان (الصحيح) والبيهقي (دلائل النبوة). وصححه كثيرون مثل: ابن كثير وابن حجر والهيثمي والألباني. وضعفه آخرون منهم يحيى بن سعيد وعلي بن المديني وابن العربي ومحب الدين الخطيب.

 

 2 . ورواه - بسند آخر - البزار في (مسنده)، قال: حدثنا سهل بن بحر، قال: حدثنا أبو نعيم، قال: حدثنا عصام بن قدامة، عن عكرمة، عن ابن عباس، رضي اللّٰه عنهما، قال: قال رسول اللّٰه لنسائه: (ليت شعري أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج كلاب الحوأب، فيقتل عن يمينها، وعن يسارها قتلاً كثيراً، ثم تنجو بعد ما كادت). قال ابن حجر (فتح الباري:٥٥/١٣) : ورجاله ثقات.


  3. ورواه الطبري (تاريخ الطبري: ٤٥٦/٤) بسند ثالث فقال : شراء الجمل لعائشة رضي اللّه عنها، وخبر كلاب الحوأب: حدثني إسماعيل بن موسى الفزاري، قال: أخبرنا علي بن عابس الأزرق، قال : حدثنا أبو الخطاب الهجري، عن صفوان بن قبيصة الأحمسي، قال : حدثني العرني صاحب الجمل، قال: بينما أنا أسير على جمل إذ عرض لي راكب فقال: يا صاحب الجمل، تبيع جملك؟ قلت: نعم، قال: قلت: ولمن تريده؟ قال: إنما أريده لأم المؤمنين عائشة... إلخ الحكاية.

لا يخرج هذا الحديث عن السياق المعتاد، الذي يظهر بالاستقراء التام، وهو تأويل أيِّ موقف خلافي بين علي وخصومه إلى صالحه دونهم. وقد أدرك أصحاب المصلحة في ذلك أن الوقائع - لو كشفت على حقيقتها - كانت نتائجها في غير صالحهم، فعملوا على إبعاد العقول عن البحث ومناقشة حيثيات أي قضية خلافية بحيث تحسم دون نقاش لصالح علي. فلم يجدوا خيراً من اختراع أحاديث ووضعها كأقفال تحول بين العقل وبين التفكير وممارسة البحث والنقاش؛حتى لا ينكشف المستور.

ومن عجائب تصاريف القدر أنني لا أكاد أجد حديثاً من هذه الأحاديث - على تعدد طرقه أحياناً - له سند صحيح. لكن المشكلة عند من يلتف على علل السند فيجنح إلى تحسينه - أو حتى تصحيحه - مادام أنه روي من طريق آخر فأكثر .


سند الحديث

أولاً : رواية أحمد

في سندها قيس بن أبي حازم:

ورواية قيس الخبر عن أم المؤمنين عائشة رضي اللّه عنها منقطعة؛ إذ لم يشد قيس الحادثة. فقد نصص على ذلك على بن المديني في (العلل، ص ٥٠): قيل له، بعد أن ذكر سماع قيس عن عدد من الصحابة: هؤلاء كلهم سمع منهم قيس بن أبي حازم سماعاً؟ قال نعم سمع منهم سماعاً، ولولا ذلك لم نعد له سماعاً. قيل له: شهد الجمل؟ قال لا؛ كان عثمانياً. إ.هـ. وإرسال قيس عن عائشة وعدم شهوده الحادثة واضح من قوله: (أن عائشة)، فرواه بالأنانة دون التصريح بالسماع منها. ولعله رواه بعد أن كبر سنه وأصابه الخرف.

وفي لفظ ابن حبان: لما أقبلت عائشة ببعض مياه بني عامر طرقتهم ليلا، فسمعت نباح الكلاب... إلخ.

وقيس - إضافة إلى ذلك - مختلف فيه، وقد ضعفه يحيى بن سعيد وغيره؛ قالوا: منكر الحديث. وقالوا: كبر سنه حتى خرف وذهب عقله. قال ابن حجر (تهذيب التهذيب: ٣٨٨/٨): متقن الرواية. وقد تكلم أصحابنا فيه فمنهم من رفع قدره وعظمه وجعل الحديث عنه من

أصح الإسناد، ومنهم من حمل عليه وقال: له أحاديث مناكير. والذين أطروه حملوا هذه الأحاديث على أنها عندهم غير مناكير وقالوا: هي غرائب. وممن وثقه يحيى بن معين، وإسماعيل بن أبي خالد، لكن إسماعيل قال فيه أيضاً: كبر قيس حتى جاز المائة بسنين كثيرة حتى خرف وذهب عقله. وقال ابن المديني: قال لي يحيى بن سعيد: ابن أبي حازم منكر الحديث. ثم ذكر له يحيى أحاديث مناكير منها حديث الحوأب.



ثانياً : رواية البزار :

في سندها:

١. عصام بن قدامة:

أعله أبو حاتم وأبو زرعة الرازيان بالتفرد. ففي (علل ابن أبي حاتم: ٥٩٠-٥٨٩/٦): سألت أبي عن حديث رواه الأشج، عن عقبة بن خالد، عن ابن قدامة (يعني عصام) عن عكرمة، عن ابن عباس، قال: قال رسول اللّٰه صلى الله عليه وسلم  لبعض نسائه: ليت شعري! أيتكن صاحبة الجمل الأدبب... وذكر الحديث. قال أبي: لم يرو هذا الحديث غير عصام، وهو حديث منكر. وسئل أبو زرعة عن هذا الحديث؟ فقال : هذا حديث منكر؛ لا يروى من طريق غيره.


٢. عكرمة مولى ابن عباس

وقد اختلف فيه من الضد إلى الضد، حتى رمي بالكذب!

وممن كذبه (انظر الذهبي، ميزان الاعتدال: ٩٣/٣) يحيى بن سعيد الأنصاري، ومحمد بن سيرين. وابن المسيب قال لمولاه بُرد: لا تكذب علي كما كذب عكرمة على ابن عباس.

وقال محمد بن سعد: كان عكرمة كثير العلم والحديث بحراً من البحور، وليس يُحتّج حديثه، ويتكلم الناس فيه. وقال مطرف بن عبد الله: سمعت مالكاً يكره أن يذكر عكرمة، ولا رأى أن يروي عنه.

ويستمر الذهبي ليتكلم عن خوارجيته وتكفيره المسلمين فيقول: عن خالد بن أبي عمران، قال: كنا بالمغرب وعندنا عكرمة في وقت الموسم، فقال : وددت أن بيدى حربة فأعترض بها من شهد الموسم يميناً وشمالاً. وعن ابن المديني عن يعقوب الحضرمي عن جده، قال : وقف عكرمة على باب المسجد فقال: ما فيه إلا كافر. قال: وكان يرى رأى الاباضية. وعن يحيى بن بكير، قال: قدم عكرمة مصر، وهو يريد المغرب، قال : فالخوارج الذين بالمغرب عنه أخذوا.

دافع عنه ابن حجر (هدي الساري مقدمة فتح الباري:٣٣٨/٢ فما بعدها). وعده أبو جعفر العقيلي في الضعفاء (الضعفاء الكبير: ٣٧٣/٣). والكلام فيه كثير بين مدافع ومتهم!



ثالثاً : رواية ابن جرير الطبري

وقد كفانا مؤونة البحث في سندها الأستاذ محب الدين الخطيب في تعليقاته على (العواصم من القواصم لابن العربي، ص١٦١)، قال الطبري: قال: إسماعيل بن موسى الفزاري (وهو رجل قال فيه ابن عدي: أنكروا منه الغلو في التشيع). ويرويه هذا الشيعي عن علي بن عابس الأزرق (قال عنه النسائي: ضعيف). وهو يرويه عن أبي الخطاب لهجري (قال الحافظ ابن حجر في تقريب التهذيب: مجهول). وهذا الهجري المجهول يرويه عن صفوان بن قبيصة الأحمسي (قال عنه الحافظ الذهبي في ميزان الاعتدال: مجهول).

هذا هو خبر الحوأب. وقد بُني على أعرابي زعموا أنهم لقوه في طريق الصحراء ومعه جمل أعجبهم فأرادوا أن يكون هو جمل عائشة فاشتروه منه وسار الرجل معهم حتى وصلوا إلى الحوأب فسمع هذا الكلام ورواه. مع أنه هو نفسه - أي الأعرابي صاحب الجمل - مجهول الاسم ولا نعرف عنه إن كان من الكذابين أو الصادقين. ويظهر لي أنه ليس من الكذابين ولا من الصادقين؛ لأنه من أصله - كالثاني عشر - موهوم لم يخلق. ولأن جمل عائشة واسمه (عسكر) جاء به يعلى بن أمية من اليمن وركبته عائشة من مكة إلى العراق، ولم تكن ماشية على رجليها حتى اشتروا لها جملًا من هذا الأعرابي الذي زعموا أنهم قابلوه في الصحراء، وركبوا على لسانه هذه الحكاية السخيفة. إ.هـ.

والحمد لله الذي ادخر لمن يبحث عن الحق والحقيقة ما يكشف به عن سوءات الكذابين وألاعيبهم، وجعل لمن أفاض عليهم من سابغ فضله عقولاً يشيمون بها خفي مكرهم. وصدق الخطيب رحمه اللّٰه في وصفه تلك الحكاية بالسخيفة. لكن ماذا نفعل وقد ابتلينا بعلماء على قدر ومنزلة لا يهمهم من مثل هذه الحكايات سوى سندها. ولو أحسنوا تحقيقه لكفينا مؤونة البحث والتعب، و لوصلوا إلى ما وصل إليه الخطيب من تسخيف هذه الحكاية وأمثالها!



فضيلة الدكتور المجدد : طه حامد الدليمي



 

شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث