الإمبراطورية العربية.. بين وهم الشورى وارتقاء المُلك الأُموي

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق


الإمبراطورية العربية .. بين وهم الشورى وارتقاء المُلك الأُموي


إن فكرة "نظام الشورى" التي يردِّدها كثير من الوعَّاظ المتأخرين "أبواق الباطنية" ، وبعض المؤرخين المتشيعين "مرتزقة البلاط العباسي" ، ليست إلَّا اصطلاحاً متأخراً غريباً عن واقع صدر الإسلام ، فالنبي صلَّى الله عليه وسلَّم لم يأتِ إلى الناس منتخباً ولا جاء إلى الحكم بمشورة أحد ، وإنما كان اختياره بالوحي ، والبيعة له إنما هي خضوع لدعوة الحق لا لمجلس شورى ، والشورى التي أمر بها الله في القرآن لم تكن إلَّا آلية لإدارة الدولة وتسيير شؤونها ، أمَّا السيادة فكانت بيد الحاكم الأعلى يبت فيها وحده بأي وسيلة شرعية كانت والشورى إحدى هذه الوسائل ..


لم يكن اختيار أبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه وارضاه في السقيفة "شورى" بالمعنى المؤسسي ، بل كان ترجيحاً سياسياً سريعاً حُسم بالبيعة لمن غلبت كلمته ، ثمَّ جاء أبو بكر فعيَّن عمر الفاروق رضي الله عنهما صراحةً دون أن يعقد "مجلس شورى" ، ثمَّ جعل عمر الأمر في ستة محدودين ، وولَّى الأمر لعبدالرحمن بن عوف رضي الله عنه ، فأجمع الناس على ذي النورين عثمان رضي الله عنه وارضاه ، وكل هذا يثبت أن الحاكم السابق هو الذي يعيِّن أو يحدد من يحكم بعده ، وأن الأمَّة لا تجتمع على شورى عامَّة قط ..!!


فلا يوجد ما يسمَّى بـ"نظام شورى لتعيين الخلفاء" ، وإنما هو حُكم ملكي منظَّم ، يتَّخذ صورة التعيين أو الغلبة ، فمنذ البدايات كان بنو أمية هم رجال الدولة والإدارة والقيادة العسكرية في زمن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ، وفي زمن أبي بكر وعمر كان معظم الولاة والقيادات الكبرى من البيت الأُموي كأبي سفيان صخر بن حرب بن أُمية رضي الله عنه وارضاه والي رسول صلّى الله عليه وسلَّم على جرش ونجران وابنه يزيد بن أبي سفيان رضي الله عنهما والي رسول الله صلّى الله عليه وسلَّم على تيماء وعلى كامل الشام في عهد أبي بكر وعمر حتى وفاته رحمه الله بالطاعون ، ثمَّ أخوه معاوية رضي الله عنه الذي كان كاتباً لرسول الله صلّى الله عليه وسلَّم ، وجمع له عمر ولاية الشام واقرَّه عليها عثمان رضي الله عنهم أجمعين


هذا الترسيم المبكِّر لدور بني أمية جعل انتقال الحكم إليهم أمراً طبيعياً بل حتمياً ، فهم عماد الدولة العربية الناشئة ، فحين تولَّى عثمان بن عفان رضي الله عنه اكتمل انتقال الخلافة والمُلك إلى البيت الأُموي بوصفهم الامتداد الطبيعي لقيادة قريش خاصة والعرب عامَّة ، وما وقع سنة 35 هـ لم يكن سوى انقلاب دموي على الدولة نفسها جاء ليقطع المسار الطبيعي للمُلك العربي الأُموي ..


غير أن هذا الانقلاب لم يدم طويلاً ، فسرعان ما نهض معاوية العظيم ليحمل لواء الدولة في صفِّين عام 37 هـ، وبانتصاره السياسي والعسكري الساحق الماحق أبطل ذلك الانقلاب ، واستعاد للدولة العربية وحدتها ليبعث من جديد مشروع الإمبراطورية العربية التي بسطت سلطانها من الأندلس وفرنسا حتَّى تخوم الصين والهند بعد ذلك ..


معاوية لم يكن "مؤسس مُلك وراثي" كما يصوِّره خصومه بل كان المُعيد لسلطة الدولة بعد أن اغتيل الخليفة الشرعي عثمان ، والمجدِّد لروح الإمبراطورية العربية في ثوب أكثر تنظيماً واتساعاً ..


لذلك فالتمييز بين "خلافة شورى" و"ملك وراثي" لم يكن معروفاً في صدر الإسلام إنما جاء لاحقاً مع الخطاب العباسي الذي أراد الطعن في بني أُمية ، فاخترع فكرة "خلافة راشدة" مقابل "مُلك عضوض" ليوهم الناس بأن الأُمويين ابتدعوا نظاماً جديداً ، والحقيقة أن الخلافة منذ يومها الأول كانت ملكاً وسلطاناً يعيِّنه الحاكم السابق أو تفرضه القوة السياسية ، ولم يكن للشورى دور إلَّا في إدارة الشأن العام لا في تعيين رأس الدولة ..


هكذا يتبيّن أن "الشورى" لم تكن نظاماً للحكم ، ولا آلية لاختيار الخلفاء بل مجرَّد مشورة في إدارة الدولة ، أمَّا الخلافة والمُلك فهما اسمان لشيءٍ واحد ، وهو السلطان الأعلى للدولة العربية ، ومنذ عهد النبي صلَّى الله عليه وسلَّم وأبي بكر وعمر وعثمان ومعاوية ويزيد …. ، كان الحكم مُلكاً قائماً على التعيين أو الغلبة لا على انتخابات أو مجالس شورى مزعومة ، وما وقع لعثمان كان انقلاباً على الدولة نهض معاوية لإبطاله ، فاستعاد المُلك ، وأعاد بعث الإمبراطورية العربية في أبهى صورة لتكون دولة عظمى قادها رجال بني أُمية ، رجال الدولة منذ أول يوم في التاريخ العربي الإسلامي المبكِّر حتَّى سنة 132 هـ ..!!


الأستاذ : وليد الزهراني


شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث