إمارة الأحواز العربية… أندلسُ المشرق
تحتلُّ إمارة الأحواز العربية موقعاً فريداً على خريطة الشرق؛ فهي بوابة الخليج إلى بلاد الرافدين، وحلقة وصل بين الصحراء والأنهار، ومسرح حضاراتٍ توالت عليه لكنها لم تطمس هويته العربية المتجذرة. ولهذا كانت الأحواز عبر تاريخها أشبه بـ أندلسٍ مشرقيّة: أرضٌ زاهية، مزدهرة، تتصارع عليها الإمبراطوريات، ويُشكِّل وجودها العربيّ شوكةً في خاصرة الطامعين.
الأحواز… جغرافيا تصنع التاريخ
تقع إمارة الأحواز في جنوب غرب إيران اليوم العدو الأبدي للعرب، بمحاذاة الخليج العربي وعلى ضفاف نهر كارون الكبير. وقد منحته هذه الجغرافيا ثراءً زراعياً ومائياً جعل منه مطمعاً دائماً. أما سكانه، القبائل العربية العريقة المتجذرة بهذه الأرض العربية والتي هي إمتداد للحضارات العربية ما قبل الإسلام، أهلها فرسان شجعان قاوموا الإحتلال الصفوي الفارسي الإيراني ودافعوا عن أرضهم و قد صنعوا هويةً واضحة المعالم، تُجسّد ارتباط الإنسان بالأرض والتاريخ وبذلوا الأرواح من أجل بلادهم وهويتهم العربية.
إمارة بني كعب… الازدهار والهيبة
بلغ الكيان السياسي العربي في الأحواز ذروته خلال إمارة بني كعب (القرنان السابع عشر والثامن عشر)، حين استطاعت هذه الإمارة العربية أن تقيم دولة شبه مستقلة ذات قوةٍ بحرية وتجارية مؤثرة. كانت المحمرة عاصمتها، مدينةً عامرة بالأسواق والسفن والمزارع، يرفرف فوقها العلم العربي وتُتلى فيها اللغة العربية في المجالس والمدارس والمساجد.
وقد حظيت الإمارة باعتراف القوى الإقليمية والدولية، مما عزّز حضورها و وازن تأثيرها أمام الدولة الصفوية ثم القاجارية.
الضمّ والإخضاع… بداية أندلس جديدة
مثلما سقطت الأندلس تحت ضغوط عسكرية وسياسية متراكمة، عرفت الأحواز مساراً مشابهاً. ففي عام 1925 أقدمت الدولة البهلوية بقيادة الفارسي رضا شاه على احتلال الأحواز وإسقاط آخر أمرائها العرب الشيخ خزعل الكعبي، بعد سلسلة من الوعود الدولية المُختلَفة والتحالفات المعقدة وكالعادة كانت بريطانيا خلف الكواليس تخطط وتدبر المؤامرات.
ومنذ ذلك التاريخ بدأ فصلٌ جديد من تاريخ المنطقة؛ أُلحقت إمارة الأحواز بدولة إيران الصفوية، وتغيّرت أسماؤها، ومورست بحق أهلها سياسات تهدف إلى طمس الهوية العربية وتغيير البنية الثقافية والديموغرافية، وتعرض شعبها لحملة اعدامات في الشوارع وإعتقالات وتعذيب في السجون وتصفيات للمعارضين والمقاومين في الداخل والخارج.
الهوية في مواجهة العصف..
رغم كل ما مرّ بهم، ظل الأحوازيون متمسكين بعروبتهم: لغةً وتراثاً وذاكرة. فالشعر الشعبي، الأغاني، العادات القبلية، وحتى أسماء الأمكنة؛ كلها بقيت شاهداً على الحضور العربيّ العميق. وقد شهدت العقود الماضية حركات ثقافية وسياسية ترفع شعار الحفاظ على هوية الأحواز وحقوق سكانها.
هذا الإصرار يذكّر بصمود الأندلسيين بعد سقوط غرناطة، حين قاوموا اندثار لغتهم ودينهم وتراثهم في وجه قوةٍ محتله غاشمة، غالبة تشتهر بالهمجية والحقد المجوسي ضد كل ماهو عربي.
لماذا أسميت الأحواز بـ«أندلس المشرق»؟
تتشابه التجربتان –الأحواز والأندلس– في عدة محطات:
- هوية عربية واضحة في منطقة محاطة بقوى غير عربية.
- ازدهار حضاري وتجاري خلال فترات الاستقلال النسبي.
- صراع جيوسياسي أطاح بالكيان العربي.
- محاولات لطمس الهوية بعد سيطرة الأحتلال.
- صمود ثقافي طويل الأمد رغم الظروف الصعبة.
هذا التشابه جعلني أطلق على الأحواز لقب «أندلس المشرق»، ليس من باب الحنين العاطفة فقط، بل لما تحمله التجربة من دلالات في الذاكرة العربية ولعل العرب بدولهم وقادتهم يتفاعلون مع هذه القضية العربية المنسية كما يتفاعلون مع القضية الفلسطينية مع التأكيد من خلال المقارنة أن المحتل الإيراني الصفوي الفارسي الشعوبي أسوأ بكثير من المحتل الإسرائيلي.
خاتمة..
ليست الأحواز مجرد إقليمٍ عربي جغرافي، بل قضية هوية عربية متجذرة قبل أن تكون قضية سياسة. إنّها مرآة تُظهر كيف يمكن لجغرافيا صغيرة أن تحمل في طياتها تاريخاً كبيراً، وكيف يمكن لشعبٍ مُحاصر أن يحفظ لغته وثقافته أمام هذه العواصف العاتية من المؤامرات الغربية والشرقية لإضعاف قوة العرب وتقوية عدوهم التاريخي الأزلي.
وستبقى الأحواز –بما تحمل من ذاكرة و وجدان– إحدى صفحات التاريخ العربي الأكثر إثارةً للبحث والتأمل… أندلساً مشرقيّةً لم تُطفئ محاولاتُ الطمس نورَها تماماً، وأن تحريرها عز للعرب وقوة وسور عظيم لصد المد الصفوي الفارسي الذي يعاد تقويته في كل فترة ويتم استثمار حقده على العرب.
«عاشت الأحواز دولة عربية أصيلة»
الأستاذ : أبوالحارث الدليمي







إرسال تعليق