الإخباريون و مَهمَّتا(1) أدلجة الأفكار و تأسيس الدول
قبل أن أشرع في هذا الموضوع الذي يحمل جديدا من الأفكار, لا بد من الوقوف على مفهوم الإخباريين.
الإخباريون: جمعُ إخباري, وهو المنسوب إلى الخبر. والإخباري: من شُغله جمعُ الأخبار ونقلها من غير نظر في عللها ولا تمحيص لأسانيدها, ويقال: كان فلان من الإخباريين, إذا اقتصر على الرواية ولم يتعرض للنقد أو الاستنباط فهو وصف شبه اصطلاحي لفئة اشتهرت بكثرة جمع الأخبار وقلة التمحيص.
وبعد التعرض لمفهوم الإخباريين.. أجزم بأننا -أهل القضية والهوية- إن لم نحرّر تاريخنا من أسر الرواية الفارسية والرواية التوراتية -المحرّفة- فلن نستطيع تحرير الجغرافيا من القيود التي كبّلت المنطقة قرونا طويلة.
وإن فقدان أهل السنة لفكرهم وثقافتهم وأيديولوجيتهم, قد ضَمن للفرس واليهود إبقائهم في حال من الضعف والاستيراد الثقافي والحضاري, فامتد الاستيراد ليشمل التاريخ والمفاهيم والأفكار والمصادر المعرفية على وجه العموم, والمصادر التاريخية على وجه الخصوص.
ونحن نعلم أن استعادة التاريخ والوعي وصناعة الأيديولوجيا ليست ترفا, بل شرطا للتمكين واستعادة الدور الحضاري.
المصادر الإخبارية التاريخية
أكثر ما يفسد التاريخ المصادر المزورة, والإخباريون الذين يحملون أيديولوجيا جائرة، ويسعون لفرضها في كتاباتهم، ومن هنا يتولد التزوير والتزييف في التاريخ.
وحين نتأمل التاريخ القديم نجده قد كُتب وفق الفكر التوراتي المحرّف, وبناءً على ما قعّده الفرس في ذاكرتهم، وبما اشتهى المستشرقون كذلك.
وبهذا صاغوا مغالطات خطيرة تتعلق بالجغرافيا واللغة والحضارة, وصنعوا أيديولوجيات عدوانية تهدد الآخر.
ثم لما دوّن التاريخ الإسلامي بعد سقوط الدولة الأموية, كان للشعوبيين والفرس دور واضح في كتابة جانب غير يسير منه, وفق ما تمليه عليهم عقدهم النفسية وأحقادهم تجاه المسلمين العرب.
ومن هنا برزت في كتب التاريخ والعلوم والمعارف الإسلامية ما عُرف بالإسرائيليات والفارسيات(2).
من آثار تزييف التاريخ وفق الفكر التوراتي
بعد عقود طويلة من الحفريات والتنقيب لم يقف اليهود على شاهد واحد يثبت دعواهم في أرض فلسطين, لا على أورشليم المزعومة, ولا على مملكة إسرائيل الموهومة، حتى أقر بعض علماء آثارهم أن التوراة لا تصلح أن تكون أصلا للتاريخ, ولا عمدة يحتج بها في الأخبار، ومع ذلك فقد استمسكوا بها, فجعلوها دليلا على موضع أورشليم, واتخذها الإخباريون عمدتهم في الاستدلال على أصول اللغة والحضارة والجغرافيا, فانساق خلفها بعض المؤرخين العرب بغير نظر فاحص ولا تمييز بين حق وباطل.
وفي مقطع مرئي ظهر فيه اليهودي (غابور ماتي) -الطبيب النفسي والناجي مما يسمى ب (الهولوكوست)- شكك في مسألة غاية في الأهمية وهي صحة الروايات التي تزعم وجود اليهود بأرض فلسطين منذ ألفي سنة.
ويعضد قوله (زئيف هرتزوغ)، عالم الآثار بجامعة تل أبيب، قال: "بعد سبعين عاما من الحفر والتنقيب في أرض إسرائيل، وصلنا إلى طريق مسدود، الأمر كله مختلق، لم نجد دليلا واحدا يؤكد وجودنا التاريخي على هذه الأرض فنحن لم نهاجر إلى مصر، ولم نرحل إلى هناك إطلاقا، ولم نجد أي ذكر لاسم (داوود وسليمان) هنا، ولم نجد نجمة داوود ولا الشمعدان المقدس، وأن الباحثين والمختصين يعرفون هذا الشيء جيدا ولكن العامة لا تعرف، فإما أننا في المكان الخطأ أو إن كل ما ورد في التوراة عن الملك داوود وسليمان هو مجرد خرافات وأساطير".
والحق أن دعواهم في الوجود التاريخي -على الوجه الذي يروجون له- محل شك عند كثير من المحققين العرب, وطائفة من المستشرقين المنصفين.
وطالما اشتغل اليهود على إرغام التاريخ على أن ينطق بمعلومات مزيفة, منها التدليل على أن الحدث التوراتي قد وقع في فلسطين, وما يخص الساميين والسامية من حيث اللغة أو النسب, وبهذا اشتغلوا على تهويد التاريخ والمعرفة.
وقد تطرق الدكتور طه الدليمي -حفظه الله- لهذا, فقال: "اشتغل المستشرقون على مغالطة تاريخ اللغة والحضارة لما جعلوا من لهجات متناسلة عن العربية لغات مستقلة بذاتها, ثم يجعلون هذه اللهجات مع اللغة الأم جميعا فروع لأصل لا وجود له, أو يرجعون العربية إلى السريانية, والحقيقة هي العكس, فالعربية هي الأصل والسريانية فرع منها".
وقد بنى المستشرقون هذا التدليل الباطل على ما استقوه من المصادر اليهودية, وهذه لم يثبت لها البحث العلمي أصلا.
والحقيقة أن اليهود والفرس يعانون من حبس إجتماعي وفكري وراء أسوار الحقد والعقد التاريخية والماضوية, فكما أن اليهود أقاموا دولتهم على أيديولوجيتهم التي صنعها الإخباريون وهي: إيمانهم بضرورة تمسكهم بأرض فلسطين والبقاء في أرض الأجداد وإقامة الهيكل على أنقاض المسجد الأقصى, وإيمانهم بمخلصهم الذي سيعود في آخر الزمان ويتخذ من القدس عاصمة له, وسيحطم أعداء إسرائيل, فإن الفرس (الشيعة) يؤمنون بعقد وأوهام وأساطير مشابهة, حتى جعلوها أيديولوجيا ينشرون من خلالها ثقافتهم ويؤسسون دولهم, منها: مقتل الحسين الخرافي, والمهدي المنتظر, هذا الذي يعتقدون فيه حين يخرج من مخبئه سوف يلي الخلافة, ويقتل كل مخالف, ويقتل ذراري قتلة الحسين بفعال آبائهم, ويسير في العرب بما في الجفر الأحمر, وهو قتلهم وذبحهم, وسيهدم الحرم المكي والمسجد النبوي.
فكما أن هدم المسجد الأقصى ضرورة أيدولوجية توراتية, فإن هدم الحرم المكي والمسجد النبوي يعد ضرورة أيديولوجية شيعية فارسية.
فعلى طول الخط إيران وإسرائيل تاريخ مزور وجغرافيا مصطنعة وأيديولوجيا تهديمية.
وإن من أخطر آثار تزييف التاريخ وفق الفكر الفارسي الشيعي, طمس الحقائق وتحريف مسار الأمم, حيث تستبدل الوقائع الثابتة بأوهام مختلقة, وتبنى على الأكاذيب أيديولوجيات وسياسات ودول, فيما ينتشر الجهل ويسود التخلف ويقصى الوعي وتطغى الخرافة, وتشوّه ذاكرة الشعوب. وآثار هذا التزييف وضع كثير من المسلمين العرب موضع التبعية والاغتراب عن هويتهم وثقافتهم, بل ودينهم.
ومن ثَمّ فإن دراسة هذا التزييف وأثره في تشكيل الوعي والثقافة والهوية ليست ترفا من القول, بل هي أساس في فهم حاضر الأمة واستشراف مآلاتها.
فالأديان الباطلة التي قامت دولها على أيديولوجيات ومغالطات ودعاوى تاريخية كاذبة وظلم فاحش وكبير, لا بد أن تنكشف أكاذيبها يوما, فتزول وتضمحل.
وكذلك الشأن في إيران ودينها المختلق في فارس, الذي طورته المؤسسة الفارسية العميقة، فأوغلت بسببه في دماء المسلمين العرب.







إرسال تعليق