هل مصطلح الحديث علم مقدس أم اجتهاد بشري؟
عندما نسمع عن "علم مصطلح الحديث"، يخطر في أذهان الكثير أنه علم ثابت لا يمكن مناقشته، لأنه مرتبط بالحديث النبوي والمرويات التاريخية. لكن الحقيقة أن هذا العلم، رغم شرف غايته، في تمييز الصحيح من السقيم، هو من إنتاج العقل البشري.
فالقواعد التي وضعها العلماء – مثل "الصحيح" و"الضعيف" و"المتصل" و"المرسل" – "وعلم الرجال والأسانيد" لم ترد في نصوص شرعية، بل صاغها المحدثون بعد مئات السنين من التجربة والتدقيق. لقد أرادوا وسيلة عقلية منظمة يُعرف من خلالها الحديث الضعيف من الصحيح، فابتكروا منظومة عقلية علمية اشبه ببرنامج قاعدة بيانات تُدرس فيها الأسانيد والمتون وأحوال الرجال.
ومع ذلك، اختلف العلماء في تطبيق هذه القواعد؛ فالبخاري مثلاً كان أكثر تشددًا من مسلم في شروط الاتصال بين الرواة، واختلف النقاد في الحكم على بعض الأحاديث. كذلك إشكالات إبن حجر العسقلاني المتعلقة في بعض تعريفات الحديث وبعض قواعده. واعتراضات الدارقطني على بعض الأحاديث التي دونها مسلم في كتابه والعديد من الأمثلة الأخرى..
وهذا يعني ببساطة أن علم المصطلح قابل للنقاش والمراجعة، لأنه ليس وحيًا، بل هو جهد عقلي بشري هدفه تنقية الحديث والمرويات التاريخية من التزوير والدس، وبالأخص بعد دخول الأعاجم الى الإسلام وتواجدهم في حمراء الكوفة التي أصبحت مصنعاً للأحاديث والمرويات المكذوبة وضرب الحديث وصناعة المرويات.
وفي عصرنا الحاضر، يمكن للمفكرين والباحثين أن يعيدوا قراءة هذا العلم في ضوء المناهج الحديثة ولن يُعدّ ذلك مساسًا بالسنة كما يدعي بعض المتعصبين الذين أُقفلت عقولهم على اقوال علمائهم ومشايخهم . بل على العكس، فإن تطوير أدوات النقد الحديثي هو جزء من تجديد الفكر السُني واستمرار حيويته.
إذن، مصطلح الحديث ليس علمًا جامدًا، بل منظومة عقلية متجددة وضعها العلماء لخدمة الدين، وهي قابلة للتطوير مثل أي علم آخر أنتجه الإنسان.
- هذه مقدمة لسلسلة مقالات تتعلق بهذا الموضوع
الأستاذ: أبوالحارث الدليمي







إرسال تعليق