مسمار جحا سوريا بين مراقد إيران ومراقد تركيا
نلاحظ دائما أن إيران وعبر تشيعها أنشأت لها أو استخدمت بتبنيها للتشيع شبكة غاية في الدقة لأضرحة ما يعرف ( بآل البيت ) عبر العالم الإسلامي
وفي سوريا تحديدا نجد أنها استخدمت أضرحة زينب ونقطة حسين وغيرها وهي على استعداد لابتداع كل ضريح جديد ومنه تستفيد لترسيخ وجودها عبر استخدام السلالة وتقديسها والتشيع لها
أما تركيا فقد تأخرت في ذلك زمنيا ولم تعتمد على سلالة ما يعرف بشبكة آل البيت للأضرحة والقبور إنما اعتمدت على رمزية الأتراك القومية وهو سليمان شاه ورمزية الأتراك الدينية العقدية وهو ضريح ابن عربي ورمزية الأتراك المذهبية وهو أبو حنيفة
-ضريح سليمان شاه
زعم العثمانيون أن جدهم أرطغرل هو ابن سليمان شاه وهذا الادعاء باطل لأن اسم والد أرطغرل بك هو كندز ألب ويبدو أن الروايات التي تقول بأن هذا الاسم هو "سليمان شاه" ضعيفة
ويقول المؤرخ P . Wittek أن سليمان شاه هذا شخصية خرافية , وأن اسمه وذهابه إلى بلاد الروم استعيرا من رواية حقيقية عرفت آنذاك عن احتلال التركمان الغزاة لآسيا الصغرى في القرن الحادي عشر الميلادي وارتباط ذلك الاسم بالأمير السلجوقي سليمان بن قتلمش الذي أرسله السلاجقة الحاكمون في بغداد في الربع الأخير من القرن الحادي عشر الميلادي , لينظم فتوحات هؤلاء الغزاة , فتمركز في نيقية ثم عاد بعد احتلال نيقية من قبل الصليبيين سنة ( 490 هـ / 1097 م ) باتجاه بغداد بقصد الاستيلاء عليها وطرد أقربائه السلاجقة منها , فقتل في طريق عودته , وغرق ابنه قليج أرسلان في نهر الخابور وهو يقوم بمحاولة مشابهة من بعده
-ضريح ابن عربي
لقد كان من أعظم اهتمامات السلطان سليم العثماني في دمشق هو إيجاد قبر ابن عربي صاحب الفصوص في سبيل سعيه في إسقاط هرطقة ابن عربي على اسمه ورسمه "سليم" و "الشام" واهتمامات السلطان سليم هذه في تعيين قبر ابن عربي وإظهاره وإحيائه نقلها بتفصيلها ابن طولون الصالحي فيقول : ((وفي أحد الليالي وفي وقت متأخر زار السلطان سليم الجامع الأموي ليتأمله فدخله بعدد قليل من الناس ثم جاء إلى الكلاسة فزار شخصا صوفيا يقال له محمد البلخشي الصوفي الحنفي وهو على عقيدة ابن عربي فدخل مع السلطان إلى الجامع وكلمه نحو ساعة ثم قبل توجهه إلى مصر زار اولا قاضي العسكر العثماني ركن الدين قبر ابن عربي واخذ معه من ترابه وأحسن إلى خادمته أم محمد ثما جاء بعده سليم خان وزار القبر ثم زار بقية القبور )) .
وهذا الكلام أقره السيد الشلّي اليمني في كتابه السنا الباهر بتكميل النور السافر في أخبار القرن العاشر يقول الشلّي اليمني التالي : ( ومهّد سليم خان أمور الشام وأمر بعمارة قبة الشيخ محيي الدين ابن عربي ورتب له أوقافا كثيرة ومطبخا لفقراء الشيخ " يعني ابن عربي" لأنه أي "ابن عربي" ذكر في بعض كتبه صفة السلطان سليم وفتحه لبلدهم في وقت كذا فكان كذلك ).
ويروي أوليا جلبي الرحالة أنه حين دخل السلطان سليم دمشق وتمكن منها كان الفقيه وشيخ الإسلام العثماني الشهير ابن كمال باشا منكبا على كتب وأوراق محي الدين ابن عربي فوجد رسالة لمحي الدين بن عربي فيها ( إذا جاء السين ودخل الشين ظهر مرقد الميم ) فاستخرج ابن كمال باشا منها أن السين تشير لسليم والشين تشير للشام والميم لمرقد ابن عربي فقال السلطان سليم هيا بنا نركب توا ونذهب لزيارة محي الدين ونظهر قبره للعيان وقد حاول سليم عبر سؤال كبار السن تعيين المرقد لكنهم لم يستطيعوا ذلك فنام ورأى رؤيا فيها محي الدين ابن عربي يقول له اركب حصانا أسودا وأحضر به فهو من سيقودك للمكان لتبني لي ضريحا وتنقذني من المذلة والمهانة .... فاستيقظ من نومه فطلب حصانا أسودا فلم يجدوا له إلا بغلة هزيلة سوداء فزينوها وركبها وسارت به حتى وقفت على المزابل وحفرت بحافرها حتى ظهر شاهد قرأه السلطان سليم مكتوب عليه "هذا قبر محي الدين"
وقد عاد السلطان سليم بعد استيلائه على مصر للشام وتفقد عمارة ضريح ابن عربي أيضا ففي سنة ( 923 هـ / 1517 م ) صعد السلطان سليم إلى الصالحية ليطالع ما بني من الجامع على قبر ابن عربي فحينئذ رأت الناس عمودا من نور على الجامع المذكور فقال البعض هذا مَلَك وقال البعض هذا استخدام مع السلطان وشاع ذلك عند العثمانيين فتبين لاحقا أنه دخان أحد الحمامات القريبة منها عقد عليه السحاب وضربته الشمس فظنوه نورا .
-ضريح أبي حنيفة
فكانت أولى مهمات سليمان القانوني إعادة إعمار ضريح أبو حنيفة النعمان فقام بتعميره وجعل له قبة وسور وحرس يحمونه من العابثين كما هيء له المضافات التي تقدم الطعام ليلا ونهارا .
وهنا خرافة تركية عثمانية حول ضريح أبي حنيفة النعمان تشبه خرافة ابن عربي في قصائده أن فاتح دمشق اسمه على أربعة أحرف فكان السلطان سليم ياووز يجتهد في أن يكون المقصود ودخل دمشق واجتهد في معرفة مكان قبر ابن عربي وأسس عليه القبة والجامع المعروف حتى اليوم .
وإذا عدنا للقانوني وخرافته مع أبي حنيفة فيقول أوليا جلبي : (( إن السلطان سليمان شرع عام ( 941 هـ / 1535 م ) في بناء قصبة الإمام الأعظم " أبو حنيفة " تبركا , وإن البلدة " يعني الأعظمية " حينما كانت في يد أوزن حسن رأى سادن قبر أبي حنيفة رؤيا أن أبا حنيفة قال له ضع الصندوق الذي على قبري على الضريح في المحل الفلاني لأن هناك كافرا مستحقا للعذاب , فاستيقظ السادن وفعل الأمر ثم استولى الشاه اسماعيل الصفوي على العراق وكسر الصندوق وفتح القبر فوجد جسدا ملوثا فألقاه في النار فزعم الصفوي أنه انتقم بإحراق جسد أبي حنيفة ))
و لما جاء القانوني إلى بغداد وهو في الطريق رأى جاووش رؤيا أن أبا حنيفة ظهر له وقال إن طاشقين خواجة يعلم ضريحي , فدخلوا بغداد فأشار ذلك الرجل إلى أرض الإمام فحفروها فظهر الأساس القديم فأخرجت صخرة كبيرة فرفعوها ومن ثم ظهرت منها رائحة طيبة انتشرت وعطرت جميع الحاضرين فقام القانوني بإعادة الصخرة لمكانها وبنى القبة عليها
المصدر:
كتاب الدولة العثمانية قرون من الظلم والظلام (إبراهيم بالحمر)
الأستاذ : ابراهيم بالحمر
إرسال تعليق