الخلافة والإمامة
كلما تحدثنا عن كارثية الفكر الإمامي وكهنوتية نظام الحكم القائم عليه، يسارع البعض إلى القول: "الشيعة يؤمنون بالإمامة، وأنتم تؤمنون بالخلافة"، وكأن المسلمين والشيعة يشتركون في نفس الفكر الكهنوتي القائم على فرض السلطة بالقوة—الشيعة عبر الإمامة، والمسلمون عبر الخلافة. لكن هل هذا صحيح؟ هل الخلافة كهنوتية مثل الإمامة؟ لا، هذا مجرد ادعاء لم يثبته التاريخ قط، ولن يتحقق لا في الحاضر ولا في المستقبل. لماذا؟ الفرق الجوهري بين الخلافة والإمامة أولًا، الخلافة تختلف جوهريًا عن الإمامة، فـالخلافة ليست نظام حكم مغلقًا، بل هي منهج للحكم بما أنزل الله، كما قال تعالى: ( ياداود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ) [ص: 26]. أما الإمامة، فهي نظام سياسي قائم على نظرية الاصطفاء والحق الإلهي، وحصر السلطة في سلالة معينة. الخلافة ليست نظرية سياسية جامدة، بل منهج يمكن أن يسير عليه أي حاكم يتولى السلطة، سواء عبر: الشورى. الانتخاب الديمقراطي. الوصية وولاية العهد. الوراثة الملكية. التوافق الوطني. التغلب بعد ثورة أو حرب. فكل من أجمعت عليه الأمة ورضيت بحكمه وحقق الاستخلاف في الأرض بالحكم وفق شرع الله، فهو خليفة. وكم من رئيس في عصرنا أو في عصور سابقة تم وصفه بأنه خليفة، فقط لأنه خدم شعبه وحقق العدل! بمعنى آخر، الخلافة لا تتدخل في آلية اختيار الحاكم، ولا تُلزم الناس بطريقة معينة، بل تترك لهم حرية اختيار من يحكمهم وفق مبدأ الشورى، كما قال تعالى: (وأمرهم شورى بينهم). --- التاريخ الإسلامي يؤكد أن اختيار الحاكم كان بيد الأمة عند تأمل التاريخ الإسلامي، نجد أن هناك عدة طرق لاختيار الخليفة، وجميعها كانت الأمة هي مصدرها: 1. أبو بكر الصديق وصل إلى الحكم بتنصيبه من قبل مجلس شورى المهاجرين والأنصار (أهل الحل والعقد)، ثم أُخذت له البيعة العامة من المسلمين. 2. عمر بن الخطاب سمّاه أبو بكر بعد مشاورة كبار الصحابة، ثم أُخذت له البيعة العامة. 3. عثمان بن عفان تم ترشيحه من قبل لجنة شورى عليا عيّنها عمر بن الخطاب، ثم أُخذت له البيعة العامة من المسلمين. وهكذا، نرى أن الخلفاء الثلاثة الأوائل وصلوا إلى الحكم عبر ثلاثة نظم سياسية مختلفة، وكلها تؤكد أن الأمة هي صاحبة الحق في اختيار حاكمها بحرية. ولا يوجد نظام محدد تفرضه الشريعة على الأمة في اختيار الحاكم، بل لها الحق في اختيار أي نظام تراه مناسبًا لها. --- مقارنة الخلافة بالإمامة مغالطة كبرى لذلك، فإن مقارنة الخلافة بالإمامة غير صحيحة، وهي كمن يقارن بين كتاب أركان وأحكام الصلاة وكيفية الخشوع فيها وبين مرسوم تعيين إمام المسجد، أو كمن يقارن بين كتيب إرشادات المرور وأوراق ملكية السيارة. وذلك لأن الإمامة على النقيض تمامًا من الخلافة، فهي تسلب الناس حقهم في اختيار حكامهم، وتحصر السلطة في سلالة تزعم أنها مصطفاة من الله، مما يؤدي إلى احتكار الحكم داخل هذه السلالة. الإمامة ليست مجرد نظرية سياسية، بل هي سلطة دينية وسياسية مطلقة لشخص من ذرية علي بن أبي طالب، يُفترض أنه مفوّض من الله وله كل صلاحيات الأنبياء والمرسلين! بمعنى آخر، الإمامة هي سطو سلالي على حق الأمة في الحكم، وجعل السلطة محصورة في سلالة واحدة دون وجه حق. وللتوضيح أكثر، فالإمامة عند الشيعة ليست اختيارًا بشريًا، بل "جعلٌ إلهي"، والإمام عندهم يمتلك سلطة مطلقة مستمدة من سلطة الله، كونه "مفوضًا عنه" في إدارة وتدبير شؤون خلقه، وهو عند أغلب الشيعة معصوم، وعند من لا يقول بالعصمة، فهو على الأقل منزه عن الخطأ، وقوله مقدم على قول الله ورسوله! وهذا ما ليس في الخليفة ولا يقول به أحد ..! --- الخلافة والإمامة: الإسلام والشريعة مقابل الكهنوت والاستبداد وبالتالي، فإن الإمامة نظرية حكم ثيوقراطية، تقوم على الاعتقاد بأن الحكم منصوص عليه من الله، ومقصور على فئة محددة، بينما الخلافة ليست كذلك، بل هي صفة للحاكم العادل الذي يحكم بما أنزل الله، ويصل إلى الحكم عبر اختيار شعبي حر، أو أي طريقة يرتضيها الناس ويتقبلونها. --- ترويج مغالطة المساواة بين الخلافة والإمامة لهذا، فإن المقابلة بين الخلافة والإمامة ليست صحيحة، بل هي مغالطة يستحضرها البعض إما جهلًا بمعناها، أو بغرض التخفيف من كارثية الإمامة عبر تشويه صورة الخلافة. ويهدف هذا الطرح إلى إيهام الناس بأن الإسلام في نسختيه الحقيقية والمحرّفة يضطهد الإنسان في مسألة اختيار الحاكم، ويتعامل معه كقطيع بلا رأي، بينما الحقيقة أن الإسلام جعل للأمة كامل الحق في اختيار من يحكمها بالطريقة التي تراها مناسبة. أما الإمامة، التي تقوم على نظرية "الحق الإلهي"، فهي ليست من الإسلام في شيء، بل هي مجرد استبداد سلالي مقنّع برداء الدين.عبدالكريم عمران
إرسال تعليق