الفضيلة: سبب، لا نسب
مكانة الصحابة رضوان الله عليهم ومنزلتهم الرفيعة هي نتاج إيمانهم وعملهم وجهادهم، ولم يرثوها من آبائهم، ولا تورث لأبنائهم. الفضيلة تكتسب بالفعل والسلوك والمواقف، وهي صفة شخصية لا تتناسل عبر الجينات الذرية. ولو كان الأمر كذلك، لكانت ذرية الصديق صديقية، وذرية عمر فاروقية، وذرية أبي عبيدة أمناء، وذرية الزبير حوارية، وذرية خالد قيادية. وكذلك الحال بالنسبة للرذائل؛ لو كانت تورث، لكانت ذرية أبي جهل جاهلية، وذرية ابن سلول سلولية، وذرية أبي لهب لهبية. وهذا ما ينفيه المنطق والعقل. كذلك، فإننا جميعًا ذرية نبي الله آدم، ولو كانت الفضيلة تتناقل عبر الجينات الذرية، لكنا اليوم جميعنا أنبياء. وصدق الله العظيم إذ يقول: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون" هذا هو الميزان الإلهي في التفضيل: العمل الذي ينظر إليه الله فيثيب المحسن ويجازي المسيء، وهو العمل الذي رآه رسول الله في أصحابه فمنحهم نياشين الفضل بموجبه، وهو الذي رآه المؤمنون، وسيرونه ويلمسونه. إنه العمل ميزان التقييم المستمر. والله تعالى لم يجعل الفضل فيما لا اختيار للعبد فيه، مثل النسب والجغرافيا، وإنما جعله فيما يستطيعه الإنسان من إيمان وعمل وتقوى وكسب. "فمن يعمل مثقال ذرة خيرًا يره، ومن يعمل مثقال ذرة شرًا يره." إن الإكرامية عند الله بما يفعله المرء مختارًا، لا بما يجبل عليه من خلقه ونسبه: "إن أكرمكم عند الله أتقاكم." تلك هي موازين الفضل الإلهية. لكن السلاليين، على الله يفترون، كما هي عادتهم، يريدون كل خير وكل فضل دون تعب أو جهد، فقط عبر التناسل والوراثة، وهذا أمر مستحيل. لأن الله ما خلق الموت والحياة إلا للابتلاء: "الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا"، لا أحسن نسبًا. وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ قال: "من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه." وقال أيضًا: "إنما تتفاضلون في الدين."الأستاذ الحقوقي : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق