الكوثر : خير أُمة، لا ذرية فاطمة
سخر الكفار من النبي صلى الله عليه وسلم لما مات أبناؤه، وقالوا: "هو أبتر"، أي بلا عقب، وسينتهي ذكره!
فأنزل الله سورة الكوثر ردًا على هذا المنطق الجاهلي: "إنا أعطيناك الكوثر"أي الخير الكثير، والفيض المتجدد الذي لا يحصى، البركة الممتدة، التي لا تتوقف ولا تختزل في نسب ولا تنحصر في صلب. الكوثر الحقيقي هو:
النبوة.
القرآن.
الذكر العالي في السماء والأرض.
الصلاة عليه إلى يوم القيامة.
السنة الخالدة.
أتباعه الذين يسيرون على هديه بالمليارات جيلاً بعد جيل.
والقلوب المحبة له.
والشفاه التي تهتف باسمه.
الخير العميم الذي فاض على البشرية ببعثته.
الجنة وانهارها.
وكل ما يفيض من بركات ومنن لا يحصرها عد ولا يحيط بها وصف. وكل ذلك إنما يدور حول الأمة، فهي من تحمل الكتاب والسنة، وهي من تذكر النبي وتعلي شأنه، وهي من تصلي عليه، وتتبعه وتنتسب إليه، وهي من تبلغ الخير الذي فاض الله به على البشرية بخاتم المرسلين، وهي من تقتدي به وتتمثل بقيمه وأخلاقه فيثني على النبي من قبل الأمم الأخرى بسبب ذلك. ذلك هو الكوثر، الذي عوض الله نبيه به عن الأولاد. فإذا كان ما يتوخاه الرجل من الأولاد بعد موته هو حمل اسمه، والدعاء له، وبقاء أثره، فإن الله أعطاه أكثر مما كان سيفعله الأولاد إن بقوا.
أعطاه كل ذلك وزيادة بأضعاف الإضعاف. مليارات المسلمين يحملون اسم أمة محمد، يذكرونه ويصلون عليه في كل وقت وآخر، ويتبعون سنته ويقتدون به، ويهدون البشرية بهديه. هذا هو الفخر، لا ما ظنه ذلك القرشي، الذي انقطع ذكره وانمحى أثره هو وأولاده الذين تفاخر بهم على رسول الله. الكوثر المزور أما الكوثر المزور فهو ما ادعاه السلاليون، بعد أن سطوا على خيرية الأمة واختطفوا منها معنى الكوثر الحقيقي الواسع العميم، ليصادروه ويحتكروه بتأويل سلالي أناني ضيق يقزمه ويسلب معناه، ويختزله في فاطمة وذريتها، كامتياز سلالي يتفاخرون به على الناس ويتكسبون من ورائه!
في تماهي وتوافق مع ذاك القرشي الأبتر وانسياق خلف تصوره الجاهلي الدنيوي للكثرة.
وكأن الله عز وجل عجز عن أن يبقي للنبي ذرية من صلبه، فاحتاج إلى نسب آخر ليضيفه إليه! حاشا لله!
هذا من قلب المعنى الرباني للكوثر العظيم إلى امتياز سلالي مغلق، يكرس المعاني التي ما جاء الإسلام إلا ليهدمها! الرسالة واضحة:
إن كان هذا الجاهلي يتفاخر بأن له أولادًا وأنت بدون، فإن لديك ما هو أكثر وأوسع وأبقى من الأولاد، لديك من الله الكثرة التي لا تضاهيها كثرة ولا تدانيها وفرة، أعطاك الكوثر الكثير والفضل العميم، الذي يسمو عن الأولاد والأنساب، إلى الخير العالمي الواسع الممتد، والذكر الباقي إلى الأبد. "فصل لربك وانحر" أي اشكر ربك على هذا الكوثر العظيم، ووجه عبادتك خالصة له وحده. "إن شانئك هو الأبتر" هو المنقطع حقًا، المقطوع عن الخير والذكر، الزائل وإن ظن نفسه باقٍ.
الأستاذ الحقوقي : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق