"السُّنة الإمامية: عصمة وامتيازات مغلفة بإنكار"

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

السُنة الإمامية : عصمة و إمتيازات مغلفة بإنكار

حين تتأمل خطاب كثير من علماء ومؤرخي السنة، تكتشف مفارقة مذهلة بين ما يعتقدونه نظريًا وما يطبقونه عمليًا. فهم يقولون إنهم لا يعتقدون بعصمة أحد بعد النبي، ولا يرون أن لعلي أو الحسن أو الحسين أو ذريتهم إمامة منصوصة أو تفضيلًا مطلقًا، بل يكررون أن الجميع بشر يخطئون ويصيبون، وأن الحق لا يُعرف بالرجال، بل يُعرف الرجال بالحق.
لكن حين تقرأ كتبهم، وتتابع مواقفهم، ترى الأمر على النقيض تمامًا. يعصبون لعلي وذريته في كل موطن خلاف، ويروون في فضلهم ما لا يقبله عقل ولا نقل، ويجعلونهم دائمًا على الحق، معصومين بالفعل وإن أنكروه قولًا. يخالفون الشيعة في اللفظ، ويقاربونهم في المعنى.
يجعلون عليًا والحسن والحسين وعلي بن الحسين وزيدًا وجعفرًا "أئمة"، ويروون فيهم الروايات الموضوعة، ويميلون إليهم في كل خصومة، ثم يدّعون أنهم ليسوا إماميين! يحرمون الطعن في الصحابة، لكنهم يروون ما يطعن في معاوية وعمرو بن العاص وطلحة والزبير، ويحملونهم تبعات الفتن، فقط لأنهم لم يكونوا في صف علي. يوجبون الكف عما شجر بين الصحابة إن تعلّق الأمر بعلي، لكنهم يخرقون هذه القاعدة في كل خصومة لعلي وذريته، حتى لعنوا يزيد بن معاوية – التابعي وخليفة المسلمين – رغم أنه لم يثبت عليه أمر في مقتل الحسين، ولا شارك فيه علمًا أو أمرًا، بل ذنبه الوحيد عندهم أنه واجهه. الحجاج عندهم طاغية مجرم، لأنه قمع تمرد الكوفة زمن عبد الملك بن مروان، وقتل سعيد بن جبير المتشيع الخارج، فطمسوا سيرته ومناقبه، رغم أنه أعاد للدولة هيبتها، وحمى الجماعة من الانقسام.
بل جعلوا من سعيد هذا من أئمة التابعين، فقط لأنه نكث بيعة الأمويين مرتين لصالح السلالة. أما زيد بن علي – التابعي الخارج على خليفة المسلمين هشام بن عبد الملك – فهو إمام، وخروجه بطولة، وقتاله مكرمة، ومن قاتله باغٍ ظالم، ولو كان يحفظ الدولة من السقوط. يتناقشون: هل أمهات المؤمنين من أهل البيت؟ وفيهن نزل القرآن، وهن صاحبات البيت، وفي صلب الخطاب الإلهي في سورة الأحزاب. بينما لا يسمحون بنقاش كون علي والحسن والحسين من أهل البيت، فهم الأصل عندهم، وأمهات المؤمنين الاستثناء! يعطلون النص ويخرقون العرف، ويجعلون من حديث واحد – بل موضوع – بوابة لوراثة دينية لا تقف عند حد.
يوجبون لسلالة علي الخمس إلى اليوم، مع أنه لله وللرسول في مال مخصوص ومصرف محدد، وقد انقضى بموته، والحكم فيه لولي أمر المؤمنين، لكنهم حافظوا في كتبهم على نصوص موضوعة، تجعله امتيازًا سلاليًا إلى يوم الدين. يبررون لقتلة عثمان سبعين عذرًا، ويؤولون خطأ علي سبعين تأويلًا، ويجرمون انتصاف معاوية بسبعين تهمة، ويبررون انتقام علي بسبعين وجهًا.
يخالف علي في مسألة فيقولون: له اجتهاده. يوافقه غيره في تلك المسألة فيقولون: أخطأ!
يخطّئون أم المؤمنين وطلحة والزبير ومعاوية ومن وقف في صفهم، لا لشيء إلا لتبرير أن الحق كان مع علي.
يجعلون عمارًا ومالك الأشتر – وهما من شيعة علي – خيرًا من أمهات المؤمنين وكبار الصحابة. هذا ليس إنصافًا، ولا عدلًا، ولا اتباعًا للحق، بل هو ميزان مقلوب، وولاء مبني على العصبية لا على النصوص.
حين توزن المواقف لا بالعدل، بل بالنسب، وحين تغتفر الدماء لأن القاتل "من آل البيت" المزعوم، وتدان النوايا لأن الخصم ليس منهم، فاعلم أن الدين قد تحول إلى مذهب عصبوي، والحق إلى رواية تحرر بمداد الهوى. عندها تُصبح الموازين كالتالي: علي لا يُسأل عما يفعل، وخصومه مسؤولون حتى عن النوايا. الحق مع علي دومًا، ومعاوية باغٍ لا جدل. الحسين ثائر بحق، ويزيد قاتل بباطل. علي مُعفى من السؤال عن تأخره عن البيعة، ومعاوية محكوم بالبغي لتخلفه عنها. أم المؤمنين مأثومة بخروجها، والمهاجمون على هودجها معذورون. القتلة في صف علي يُمنحون الأعذار، والعدول من الطرف الآخر يُمنحون الاتهام. "هذا يومئذ على الحق" لا يعلمونه لأنه ليس في صالح علي.
لكنهم يحفظون هذه جيدًا: "تقتله الفئة الباغية"، "تقاتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق"، لأنها تؤيد موقف علي. الحق عندهم ليس ما وافق النص، ولا ما اطمأنت إليه النفس، ولا ما كان فيه مصلحة للناس والأمة، بل ما وافق السلالة. والعدل لا يقاس بميزان واحد، بل بمكيالين. وهكذا... يتحول الإسلام عندهم إلى تركة نسب، والدين إلى ولاء، والعدل إلى مزاج، والسنة إلى عباءة فكرية تخدم سلالة. لكن الدين ليس كذلك.
الحق لا يوزن بالرجال، بل يوزن الرجال بالحق.
والعدل لا يعرف الأنساب، والحساب يوم القيامة ليس وراثيًا.
والقرآن قالها صريحة:
"فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون"
"وقل اعملوا فسيرى الله عملكم"
"إن أكرمكم عند الله أتقاكم"، لا أنسبكم، ولا أقربكم...


الأستاذ : عبدالكريم عمران



قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث