بين الفتوحات والمبارزات: بطولات مغمورة وخرافات مشهورة

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق



بين الفتوحات والمبارزات: بطولات مغمورة وخرافات مشهورة 

علاوةً على الدور المشرق والبطولات النادرة التي سطّرها الصحابة في حياة الرسول ﷺ—سواء في الغزوات، أو قيادة السرايا، أو الإسهام في بناء المجتمع الإسلامي ونشر الدين—فقد شهد عهد الخلفاء الراشدين الثلاثة الأوائل، أبي بكر الصديق، وعمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، إنجازات عظيمة أعادت توحيد الأمة، وأرست دعائم الدولة الإسلامية، ووسّعت رقعتها الجغرافية، وأسهمت في دخول الملايين إلى الإسلام. بدأت هذه الإنجازات بتوحيد الجزيرة العربية والقضاء على فتنة المرتدين في حروب الردة، حيث قاد الصحابة جيوش الإسلام تحت راية أبي بكر الصديق، فهزموا جحافل المرتدين وأعادوا الاستقرار إلى شبه الجزيرة العربية. ثم انطلقت جيوش الفتح في عهد أبي بكر في العراق والشام وتوسعت في عهد عمر بن الخطاب إلى كامل بلاد فارس وخرسان وكامل الشام ومصر، واستمرت في عهد عثمان بن عفان إلى كرمان وساجستان وأرمينية وقبرص حتى شمال إفريقيا، ولا شك أن هذه الإنجازات العظيمة لم تتحقق إلا بفضل قادة أفذاذ تركوا بصماتهم في صفحات التاريخ، ومن أبرزهم: خالد بن الوليد: سيف الله المسلول، قائد جيوش سحق المرتدين في: بزاخة والبطاح واليمامة، ومعارك فتح العراق: ذات السلاسل والولجة وأليس والأنبار، ومعارك فتح الشام:اليرموك وأجنادين وقنسرين. أبو عبيدة بن الجراح: القائد العام لجيوش فتوحات الشام. سعد بن أبي وقاص: بطل القادسية وفتوحات بلاد فارس. عمرو بن العاص: فاتح مصر. شرحبيل بن حسنة، يزيد بن أبي سفيان عكرمة بن ابي جهل: من قادة جيوش حروب الردة وفتح الشام المثنى بن حارثة: أول من بدأ المعارك الكبرى ضد الفرس. معاوية بن أبي سفيان: مؤسس الأسطول الإسلامي، وموطد الدولة في الشام. عبد الله بن أبي السرح: قائد معركة ذات الصواري البحرية. وإلى جانب هؤلاء، برز العديد من القادة العظماء أمثال: القعقاع بن عمرو، والمقداد والنعمان بن مقرن، العلاء بن الحضرمي، ذو الكلاع الحميري، وغيرهم الكثير ممن سطروا أمجاد الأمة الإسلامية. لقد اصبحت الدولة الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين، في أقل من ربع قرن، أقوى دول العالم عسكرياً آنذاك وأوسعها رقعة، حيث ضمت شبه الجزيرة العربية والشام والعراق ومصر وأفريقية، وفارس، وخراسان وأرمينية وكرمان وسجستان والأناضول وقبرص. ورغم هذه الإنجازات العظيمة والفتوحات والانتصارات التي أسست لأعظم دولة إسلامية في التاريخ، حيث كانت تحكم أكثر من 45 دولة من دول اليوم تحت راية واحدة وخليفة واحد يحكمها من المدينة المنورة، نجد من يحاول على مر التاريخ تقزيم هذه الإنجازات والفتوحات العظيمة عبر التشويه وكيل التهم لرجالها والتشكيك في أهدافها، في مقابل تضخيم أحداث فردية محدودة، وتصويرها على أنها حاسمة لمصير الإسلام كله. لقد كتب الصحابة والتابعون تاريخ الأمة بدمائهم وتضحياتهم، وأقاموا حضارة خلدها التاريخ، لكن هذا ما لم يرق لمن بطأ به عمله، وقصر به سعيه لنيل ذاك المجد والفخار، فحوّلوا وبدّلوا واختزلوا التاريخ الإسلامي في قصص خرافية وانجازات وهمية، ضخّموها، وصنعوا من اصحابها أساطير بطولات وأسفار فضل لتبدو وكأنها تفوق الفتوحات العظيمة والانتصارات الكبرى. ومن أجل الترويج لهذه الروايات الهزيلة والبطولات الوهمية، تم تحصينها بهالة من القداسة، ومنع النقاش حولها، وتنزيه بطلها عن الخطأ، وتجريم التشكيك في صحتها، مع العمل على التقليل من فضائل الخلفاء والقادة العظام، واحتقار شأن ما قاموا به من فتوحات وحققوه من انتصارات لا نظير لها في التاريخ، بل وتشويه إنجازاتهم واعتبارها أعمال عدوانية لا إنسانية ذات أهداف خاصة. المشكلة ليست في ما قام به أولئك من تزييف وتحريف للتاريخ في سبيل صناعة صنمية آل البيت، التي اتُخذت وسيلة للعلو والاستئثار بالحكم والثروة، بل في الذين لا ناقة لهم ولا جمل في تبنّي الروايات والأقاصيص المكذوبة التي أسست لوثنية دينية وامتيازات سلالية، وتبخيس الحقائق وهضم حقوق العظماء الذين حفظوا للأمة دينها وأسسوا لها أعظم دولة وأعرق حضارة في التاريخ، سوى أنهم ارتضوا أن يكونوا خدّامًا مجانيين في السطو على حق أمتهم في الفضل والخيرية والحكم والثروة، ومنحها لأسرة من البشر لا تختلف عنهم في شيء إلا في الطمع والجشع والأنانية. ومع ذلك، فإن الحقائق التاريخية لا يمكن طمسها، وما ينفع الناس فيمكث في الأرض، وأما الزبد فيذهب جفاء. فإذا ما أردنا تقييم تلك الخرافات المتضخمة والسلالة المنفوخة والبحث عن إنجازاتها اليوم وعبر التاريخ، فإنها دائمًا وأبدًا صفر في صفر في صفر، بل وبالسالب ضد الأمة في استقرارها ونهوضها وحضارتها ودينها وقيمها، لتتأكد الحقيقة بأن الإسلام إنما قوي وعز وانتشر بفضل جهود الصحابة وجهادهم وفتوحاتهم، وليس عبر أحلام وادعاءات السلالة ومبارزاتهم الخرافية ومروياتهم الأسطورية.


الأستاذ : عبدالكريم عمران



قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث