العلاقات العباسية الفرنسية

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق



العلاقات العباسية الفرنسية

كان لارتقاء العباسيين والكارولنجيين أثر خطير لتطور السياسة العالمية في النصف الثاني من القرن الثامن الميلادي, فالعداء المستحكم بين الفرس الساسانيين والبيزنطيين ورثته الدولة العباسية بحذافيره أضف أن البابا كان مستمرا في عدم وصول أي حل فيما بين نصارى المشرق في القسطنطينية ونصارى المغرب في روما فقد تدخل البابا سنة 765 م حين كان سيحدث تقارب بين الامبراطور قسطنطين وبيبين القصير مشترطا أن تعترف القسنطينة بأفضلية روما وكنيستها وان تحترم عبادة الصور المقدسة


أ – فترة أبو جعفر وبيبين القصير

 مع سقوط الدولة الأموية انقسم المسلمون إلى معسكرين قيسية بقيادة الصميل ويمانية, وكان القيسيون هم أول من تمرد على حكم الأمويين في الأندلس ولم يرغب برؤية أي أحد منهم أي الأمويين على عكس اليمانية الذين كانوا عماد الأمويين في الشام والأندلس فرحبوا بقدوم عبدالرحمن الداخل إليهم 

وفي السنوات السابقة لوصوله يعني عبدالرحمن وصلت أخبار الدعوة الخراسانية العباسية للأندلس فقام أحد عمال الخراج وهو عمرو القرشي بالخطبة للمنصور في الاندلس بين عامي 753-754, وقبل ذلك وتحت ضغط هجمات اليمانية في الاندلس قام سليمان والي برشلونة وجيروندة  بإعلان بيبين حاميا وحاكما له , وبوصول عبدالرحمن الداخل صار فعليا ملك الفرنجة بيبين هو الحامي للقضية المناهضة للأمويين واليمانية بقيادة عبدالرحمن الداخل

وتزامن ذلك مع قيام البربر بثورتهم في شمال افريقيا واستيلاؤهم على القيروان ودخولهما في حكم العباسيين سنة 761 ثم جاءت حملة علاء بن المغيث العباسية وهو مختلف في نسبه قيل حضرمي وقيل جذامي وقيل يحصبي سنة 763 م والتي منيت بالفشل أمام طليطلة وانشغل المنصور بعدها بتمردات شركاء الأمس العلويين وذو النفس الزكية تحديدا, وقام عبدالرحمن الداخل بارسال رأس العلاء ومن معه واللواء الاسود لابي جعفر المنصور إمعانا في إذلاله وهنا سبب مقولة المنصور الحمدلله الذي جعل بيني وبين هذا بحرا وإن صحت المقولة فهي لم تكن إلا مناورة سياسية من المنصور تظهر أن كاف اليد عن الأندلس بينما هو غير استراتيجية الهجوم

الجانب الأوروبي كان منقسما أيضا ويمر بصراعات فبين اعوام 760 – 768 كان الجهد مركز لقمع اقليم ويفار ثم تطور الحلف الفرنجي البابوي ضد القسطنطينية وكانت سياسة البابوية منع قيام أي تحالف بين بيبين القصير والقسطنطينية وكان هناك مقترحات للتحالف مع سلطة بغداد العباسية 

ومحاولة علاء بن المغيث الفاشلة تبين أن أخبار الفشل وصلت للمنصور وهو ما سيدفعه لقبول بعثة بيبين القصير عندما تصل لبغداد وفي سنة 765 م أرسل بيبين بعثته لبغداد والتي رجعت بعد ثلاث سنوات محملة بالهدايا من المنصور وفي سنة 768 رد المنصور سفارة بيبين بإرسال سفارة عباسية عبر مرسيليا بحرا ومن هناك التقت بيبين في سيلوس  محملة بالهدايا من بغداد ولا تذكر المصادر الافرنجية عن مهمة هذه السفارة والاتفاقيات التي حدثت فيها بينما كان العباسي لا يرسل إلا رسلا من الفرس وفي غالب ظني أن الملف كان بيد البرامكة يوجهونه التوجيه الأمثل وهو ما سيظهر لاحقا زمن الرشيد بوضوح وفي وقت ارسال وفد المنصور لببيبين كانت الحرب البيزنطية العباسية على اشدها ويعلق وليام بيكلر ان الرغبة المشتركة بين بيبين والمنصور في خطورة وجود الامويين في الاندلس كانت الدافع للتقارب بين الطرفين بدليل ان السفارات بين الطرفين كانت بعد الفشل الذريع لحملة أبو جعفر المنصور على الاندلس وقد اطلق البابا يد بيبين على البيزنطيين والمنصور اعترف به حسب بيكلر أميرا على الاندلس وتوفي بيبين سنة 768


ولتلخيص الحالة أن البابا مدعوما ببطاركة القدس والاسكندرية والقسطنطينية قد دخل في عداء مع إمبراطور القسطنطينية حول مسألة عبادة الصور وكان آمنا بدعم بيبين الذي قاوم اغراءات وعود قسطنطين البيزنطي, وفي الشرق انتقلت العاصمة من دمشق لبغداد فورث العباسيون سياسة الساسانيين في العلاقات الخارجية فاستمرت حروبهم فقط تجاه البيزنطيين, وعليه أضحى بيبين بطل البابوية ضد اعداء روما المسيحيين وحامي المصالح العباسية ضد الأمويين في الأندلس, فبعثة سنة 765 لبغداد أكملت حلقات التحالفات الجامعة للبابا والخليفة العباسي أبو جعفر وبيبين ملك الفرنجة ضد الامويين في الأندلس والبيزنطيين, ووفقا للنظرية العباسية أضحى موقع بيبين هو موقع أمير الخليفة على الأندلس


ب – فترة هارون الرشيد وشارلمان

كانت المعارضة ضد عبدالرحمن الداخل يقودها حلف ثلاثي بقيادة سليمان بن يقظان والي برشلونة وعبدالرحمن بن حبيب الفهري زعيم المضريين وابو الاسود بن يوسف وكانت الخطة هي القيام بثورة على عبدالرحمن الداخل بالاعتماد على البربر في الجنوب وشارلمان في الشمال, وفي سنة 777 ذهب سليمان بن يقظان وابنه الى شارلمان للمفاوضة حول الامر وتم الاتفاق على الثورة فنشر عبدالرحمن بن حبيب الفهري الرايات السود داعيا الى البيت العباسي وفي سنة 778 استمر هجوم شارلمان الذي ادى لاستيلائه على سرقسطة الى انه انسحب نظرا لمقاومة عبدالرحمن الداخل وثورات السكسون في داخل اوروبا عليه ونظرا لعدم تكاتف هؤلاء الثائرين قضى عليهم عبدالرحمن الداخل الواحد تلو الاخر, ويرى بيكلر ان هذه المحاولة الفاشلة هي الباعث لشارلمان على استئناف علاقاته بالعباسيين

هذه الفترة تميزت بأمور منها أن البيزنطيين ركنوا للمسالمة والمصالحة مع الفرنجة وبنفس الوقت استطاع هارون الرشيد هزيمتهم في مواقع متعددة والشؤون الكنسية أدانت عبادة التماثيل فتم حل الاشكال بين روما والقسطنطينية وقام والي برشلونة زيد بتسليم المدينة لشارلمان وزيد هذا هو من اقترح ارسال السفراء للرشيد خاصة مع تمكن الرشيد من أدارسة المغرب فتم ارسال البعثة سنة 799


ونحن نجهل التعليمات لهذه البعثة لكن كان للبعثة 3 نتائج هي:

أ – تنظيم وضع شارلمان كحامي لمصالح العباسيين ومناصريها في الاندلس وغرب البحر المتوسط

ب – التحالف المنطوي على التعاون المتبادل شارلمان ضد الامويين وهارون الرشيد ضد البيزنطيين

ج – الحصول على حرية الوصول وتنظيم وضع الحجاج الكاثوليك وعدم تعرضهم للاضطهاد الإغريقي الارثوذوكسي أو الإسلامي


وبين عامي 810 و 812 للميلاد هجم الأمويون على جزر كورسيكا سردينيا صقلية فبعث شارلمان ممثلين له لهارون الرشيد عبر حاكم صقلية ثم رد هارون الرشيد وارسل سفراء لغريغوري حاكم صقلية سنة 813 ونتائج هذه السفارة العباسية محفوظة بالكامل في رسالة ليو الثالث لشارلمان وفيها راي العباسيين الرسمي بأن شارلمان هو البطل وحامي المصالح العباسية في الغرب, وأن العباسيين لا يعترفون بمسلمي الأندلس طالما هم ليسوا تحت سيطرتهم ووعدوا بدعم مساعي شارلمان وغريغوري في الغرب وعقدوا معاهدة لمدة 10 سنوات وتم الاعتراف بشارلمان ممثلا للعباسيين في الغرب, وهذا سبب قضية الخلاف بين نقفور وشارلمان وانزعاج نقفور من هارون الرشيد لان شارلمان طلب من الرشيد ان يعترف به امبراطورا للغرب كله وبهذا انزعج نقفور, وكان المحرض لهارون الرشيد هو يحيى بن خالد البرمكي وحرض الشعراء ان يحثوا الرشيد فقالوا

نقض الذي اعطيته نقفور --- وعليه دائرة البوار تبور

أبشر أمير المؤمنين فإنه --- غنم أتاك به الإله كبير 

كذلك تزامن هجوم هارون الرشيد على نقفور مع هجوم لشارلمان على المناطق الغربية من الدولة البيزنطية وهذا ما تسبب في اعتراف نقفور بشارلمان امبراطورا وعودة ما كان يدفعه من جزية لهارون الرشيد, وأخيرا تم منح حجاج الكاثوليك الفرنجة حرية المرور الآمن للحج للقدس من قبل الرشيد, وقد أشارت بعض الحوليات لوجود بعض السلطات الممنوحة على نصارى القدس من قبل الرشيد لشارلمان وانه تم تسليم شارلمان بأمر من هارون الرشيد مفاتيح كنيسة القيامة وحتى مفاتيح مدينة القدس في سفارة خاصة لبلاط شارلمان من قبل بطريرك القدس ما منح شارلمان سيطرة على شؤون القدس, اضافة الى خلعة خلعها هارون الرشيد على شارلمان وهي خلعة تكليف ولم تكن خلعة تشريف وهي أن شارلمان أضحى والي القدس لهارون الرشيد وكذلك ارسل هارون هداياه الثمينة لشارلمان وهي موجودة في آخن كالساعة وهناك فيل ايضا

اذا مثلت علاقة هارون الرشيد مع شارلمان انه خليفة الله على الارض ووفق المفهوم الساساني انه ملك الملوك شاهان شاه وهذه سنراها لاحقا في العلاقة بين سليمان القانوني وفرانسوا الاول وبهذا أضحى شارلمان أمير الاندلس العباسي ووالي القدس وكان هناك بعثة اخرى من شارلمان للرشيد عادت بهدايا ومعها مبعوث من الرشيد وكان مبعوث الرشيد فارسيا 

و نجد ان حملة شارلمان على طرطوشة الاندلسية وسقوط قلعتها بيد شارلمان كان متزامنا مع حملة هارون الرشيد الثانية على نقفور لان هارون له حملتان الحملة الشهيرة وحملة صغيرة بعد عامين 


ج – فترة المامون

تزامنت العلاقات هنا بعد وفاة هارون الرشيد وشارلمان وحين تجدد خلافات المأمون مع البيزنطيين بعث سفارة للفرنجة ولا نعلم الكثير عن هذه السفارة, ويظهر لي أنه المأمون فعل ما فعله أبوه لكن الجبهة الفرنجية الأندلسية كانت هادئة أضف لذلك أن المأمون في آخر عهده أنشأ ما عرف بحنة خلق القرآن وهي أول محكمة تفتيش فكرية لا تختلف عما حدث لأهل الأخدود 

ونلاحظ أن العباسيين استخدموا في سفاراتهم سفراء من الفرس حصرا ولعل ذلك لإخفاء الأمر على العلماء وقتها وأيضا لأن البرامكة كانت لهم اليد العليا في إدارة الدولة منذ المنصور وحتى الرشيد, كذلك تسببت امتيازات العباسيين للكارولنجيين الكاثوليك في القدس والمقدسات النصرانية لاحقا بالحروب الصليبية التي استمرت على بلاد الشام زهاء قرنين من الزمن..


الأستاذ والباحث : إبراهيم بالحمر





التصنيفات

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث