استدلال الشعوبية ومحاولة تحريف آيات الله .."وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم"
"وإن تتولوا يستبدل قومًا غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" [محمد: 38]
كثر مؤخرًا استدلال الزنادقة الشعوبيين بهذه الآية لتبرير هيمنة إيران، وزعمهم أنها "البديل الإلهي" عن العرب والمسلمين!
وهذا فهم محرف للآية، ومجاوز لسياقها ومقصدها.
فالآية نزلت تحذيرًا للصحابة من التولي عن طاعة الله ونصرة دينه، وتقريرًا لسنة ربانية: أن من أعرض عن الحق، استُبدل بمن هو أطوع وأثبت عليه، لا بمن هو أقوى وأشد بطشًا في الباطل.
فالاستبدال هنا ليس استبدال شعوب بأخرى، ولا أعراق بأعراق، بل استبدال التفريط بالطاعة، والتقصير بالثبات، ومن ثم فلا علاقة للآية بموازين القوة أو الغلبة العسكرية.
وقد أكد هذا السياق ذاته: قال الله: "وإن تتولوا..." ولم يقل: "وإن تضعفوا..."، فالضعف لا يوجب الاستبدال، وإنما الإعراض عن الحق.
وأما الصحابة الذين نزلت الآية تحذرهم، فقد قالوا: "سمعنا وأطعنا".
لم يتولوا، ولم يُعرضوا، فزكاهم الله، ورضي عنهم، واختارهم لصحبة نبيه، وحمل رسالته، وجعلهم خير أمة أخرجت للناس، ولم يقع فيهم استبدال.
وأما ما يروى من أن النبي ﷺ أشار إلى سلمان الفارسي وقال: "هذا وقومه" حين سئل عن القوم البديل، فهذه رواية مردودة من وجوه:
أولًا: الاستبدال في الآية افتراضي مشروط، فلم يقع حتى يسأل: من البديل؟
ثانيًا: لا يعقل أن يكون السؤال من الصحابة عن البديل وهو ليس من شأنهم، شأنهم أن لا يتولوا كي لا يستبدلوا، ولا أهمية للبديل في ثباتهم من عدمه.
ثالثًا: لم تتحقق هذه النبوءة عبر التاريخ حتى اليوم، بل ما تحقق هو العكس، فكل مصائب الأمة من تلك البلاد.
رابعًا: قوم سلمان حينها كانوا على المجوسية، فلا يُستبدل بهم أصحاب التوحيد والنصرة.
خامسًا: هذه الرواية لا شك أنها من مصكوكات الشعوبيين في مطابخ الكوفة، في محاولة لتمجيد الفرس والنيل من العرب، كما هي عادتهم.
فالقضية واضحة:
سنة الاستبدال لا تنطبق إلا على من تولى عن دين الله، فيُستبدل بمن هو أصلح دينًا وعملاً، لا بمن هو أضل عن الحق وأبعد عن التوحيد، كحال إيران ومشروعها السلالي الطاغي.
وأما الهيمنة السياسية والعسكرية، فلا علاقة لها بالاستبدال أو الاصطفاء الإلهي، بل قد تكون تسليطًا وتأديبًا لمن فرط، ولا تمنح الغالب مشروعية دينية.
وكذلك الصراع مع الصهاينة، فليس بالضرورة أن يكون الطرف المقابل لهم مسلمًا أو على الحق، فقد سبق أن أقام هتلر لليهود محارق، ولم يقل أحد إنه المسيح المخلص!
فلا تخلطوا بين التغلب والاستبدال، ولا توظفوا الآيات لخدمة مشاريع الهيمنة والطغيان؛ فإن الله لا يستبدل أهل التوحيد والدين الحق – وإن ضعفوا – بمن هو أضل عن هدى الله وأبعد عن سبيله.
الأستاذ الشيخ: عبدالكريم عمران
إرسال تعليق