أم سَلَمة ( عليها السلام ) وحديث القارورة المكذوب
وفاة أم المؤمنين أم سلمة عليها السلام بين الحقيقة التاريخية والتزوير الشعوبي السلالي .. لم تحظَ أُمٌّ من أُمَّهات المؤمنين باختلاف في سنة وفاتها كما حظيت أم المؤمنين أم سلمة هند بنت أبي أمية المخزومية رضي الله عنها وعليها السلام ، زوج النبي صلَّى الله عليه وسلَّم ومن أشرف نساء قريش والعرب ومن أعقلهنَّ رأياً ، وهذا الاختلاف ليس بريئاً ، بل يقف وراءه دافع شعوبي سلالي خبيث أراد أن يستنطق لسان هذه السيدة الجليلة بعد وفاتها ، ويجعلها جزءاً من المسرحية الكبرى لمظلومية زائفة مصطنعة .. • أصل الخديعة في حديث القارورة !! اخترعت الروايات الشعوبية حديثاً مكذوباً يدَّعون فيه أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم أعطى أم سلمة قارورة فيها تُراب كربلاء ، وقال لها : إذا تحوَّلت إلى دم فاعلمي أن حسين قُتل ! وفي يوم عاشوراء ، زعموا أن أم سلمة استيقظت فوجدت القارورة قد امتلأت دماً ، فصرخت : قُتل حسين ! ولأنهم يعلمون أن أم سلمة رضي الله عنها توفِّيت قبل ذلك بسنوات اضطروا لاختلاق روايات متأخرة تزعم أنها عاشت إلى ما بعد 61 هـ ، لكي يُصحِّحوا كذبتهم ويُثبتوا حديث القارورة بأي ثمن ، فصار التاريخ يُزوَّر لأجل حديث مُختلق ، وحديث يُخترع لأجل تكريس أسطورة ، وأسطورة تُنسب زوراً إلى واحدة من أطهر نساء التاريخ ليُضفى على هذه المظلومية الزائفة هالة قداسية كُبرى ! • اختلاف الروايات في وفاتها .. ولماذا ؟! الرواية الراجحة الثابتة تقول إن أم سلمة توفِّيت في سنة 59 هـ ، وقيل 58 هـ ، أي قبل مقتل حسين بن علي بسنتين أو ثلاث ، ودُفنت بالبقيع .. قال الزبير بن بكَّار في أنساب قريش (ص137) : « وتوفِّيت أم سلمة سنة تسع وخمسين » ، وقال ابن سعد في الطبقات الكبرى (8/72) : « تُوفِّيت أم سلمة في خلافة يزيد بن معاوية ، قبل قتل الحسين » أما الروايات التي تجعل وفاتها في سنة 61 هـ أو بعدها ، فهي مروية عن مجاهيل ، وموضوعة لخدمة قصة "القارورة" ، كما في بعض طرق كتاب "الفتوح" لابن أعثم الكوفي المتشيِّع ( المتوفي بعد 314 هـ ) أي في القرن الرابع الهجري ، أو لدى بعض المتأخرين ممن أخذوا عن الضعفاء .. الملاحظ هنا أن كثيراً من الرواة الذين ذُكرت عندهم وفاة أم سلمة سنة 61 هـ كانوا كوفيين أو موالي شعوبيين ، ممن روَّجوا "مظلومية كربلاء" على حساب المرويات الثابتة .. • تفنيد أُقصوصة القارورة سنداً ومتناً .. - أولاً سند الرواية : لا أصل لها في كتب "الصحاح" ، ولا في السنن المعتبرة ، بل هي من روايات القصاصين والشعوبيين ، وقد رُويت في بعض كتب التاريخ المسيسة مثل : 1 - كتاب "الفتوح" لابن أعثم الكوفي (2/88) عن طريق ابن السائب الكلبي الشيعي السبأي الكذَّاب .. 2 - تاريخ اليعقوبي (2/241) ، وهو مولى فارسي رافضي محترق هلك في عام 284 هـ .. 3 - دلائل النبوة للبيهقي المتوفى 458 هـ بسند ضعيف فيه شيعي وكذَّابٌ ومتروك ، والبيهقي بالمناسبة فارسي الأصل أشعري المعتقد ، وكان من تلاميذ "الحاكم" النيسابوري الشعوبي المتشيِّع ، كما أورد البيهقي هذه الرواية من عدِّة طرق مضطربة فيها إبراهيم بن محمد بن سعد وهو سيئ الحفظ ، وأبو جناب الكلبي الكوفي وهو متَّهم بالتفرُّد في رواية المناكير ، وهشام بن محمد بن السائب الكلبي المتَّهم بالتشيع الوضَّاع الكذَّاب ابن الوضَّاع الكذَّاب !! - ثانياً متن الرواية : متنها غريب شاذ مضطرب كيف يُعقل أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم يُعطي قارورة فيها تراب من أرض لم تحدث فيها معركة بعد ، وهل من سنة النبي وهديه صلوات ربِّي وسلامه عليه استخدام مثل هذه الرمزيات الخرافية الشركية السحرية والعياذ بالله ، ثمَّ كيف يُصدَّق أن القارورة بقيت سنين في بيت أم سلمة حتَّى تحوَّلت فجأة إلى دم .. أهذا وحي أم خرافة كُتبت بعد قرون ؟؟؟!! هنا تتضح الخلفية الشعوبية السلالية للرواية ، فالذي يربط حديث القارورة برواية تأخير وفاة أم سلمة يدرك أن القضية ليست تاريخاً بريئاً ، بل تحريفاً ممنهجاً لخدمة مظلومية زائفة سلبت المظلوميات الحقيقية ، وغطَّت جرائم تاريخية ثابتة بثوب الحزن الشعوبي المضلل .. لقد أرادوا من أم سلمة أن تكون شاهدة زور تاريخية على كربلاء ، رغم أنها كانت في قبرها ، فاخترعوا لها حياة طويلة ، وحديثاً باطلاً ، ليقولوا للعوام : "شاهدت أم المؤمنين القارورة ، وصرخت باكية : قُتل حسين" ، والحقيقة أن القارورة صُبَّت في دهاليز أقبية الكوفة لا في بيت أم سلمة عليها السلام !
الأستاذ والباحث : وليد الزهراني
إرسال تعليق