إبن أبي الحكم لا ابن أبي جهل !

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

إبن أبي الحكم لا إبن أبي جهل


منذ البدايات الأولى لمعركة الوعي كانت المؤسسة الشعوبية العميقة وما تفرَّع عنها من أقلام مأجورة وألسنة مسمومة تسعى إلى تقزيم عظماء العرب وتشويه سيرتهم حتَّى بلغ الأمر أن حوَّلوا الألقاب الشريفة إلى أوصاف جارحة ، ومن أبرز ضحايا هذا التحريف عكرمة بن أبي الحكم رضي الله عنه وارضاه ، أحد الأبطال الذين أسلموا قلباً ولساناً ، وحملوا راية العرب والإسلام في ميادين الجهاد وقادوا الفتوحات الكبرى والإنجازات العسكرية غير المسبوقة التي مهَّدت لقيام دولة العرب العظمى والسيادة العربية والهيمنة على العالم ..
لقد أراد أعداء العرب أن يُلصقوا به لقباً ليس له ، فنادوه بـ"ابن أبي جهل" في محاولة خبيثة لإبقائه أسيراً لماضٍ تجاوزه العرب أنفسهم بعد الإسلام ، ورفضه الصحابة الكرام الذين لم يُعرف عنهم أنهم خاطبوه يوماً بهذه الكلمة المهينة بعد إسلامه .. إليكم بعض النصوص المانعة من هذه التسمية :
جاء في كتب السيرة والحديث ما يؤكِّد هذا المعنى ، فقد رُوي أن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم قال : « لا تسبُّوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا » "رواه البخاري في صحيحه برقم 1393" ، وهذا أصل عام يمنع أن يُعيَّر الرجل بعيب أبيه بعد موته ، فكيف إذا كان هذا التعريض يقع على مسامع ابنه وقد أسلم وحسن إسلامه ؟!
كما ورد أن النبي صلَّى الله عليه وسلَّم غيَّر بعض الأسماء والألقاب التي فيها قبح أو إيذاء حتَّى لا يُنادى بها صاحبها ، ومن ذلك نهيه أن يُقال لأم المؤمنين صفية عليها السلام : "بنت يهودي" "أخرجه الترمذي برقم 3895" فإذا نُهي عن مثل ذلك في حق امرأة صالحة ، فمن باب أولى أن يُنهى عن مناداة عكرمة بـ"ابن أبي جهل" ، إذ الاسم الذي ارتضاه لنفسه وعرفته العرب به هو عكرمة بن أبي الحكم أو يُسمَّى أبيه باسمه الصريح عكرمة بن عمرو بن هشام المخزومي رضي الله عنه وارضاه !
نقل ابن حجر في الإصابة "ج4 ص501" عن بعض السلف أنهم كانوا إذا ذكروا عكرمة رضي الله عنه قالوا : « ابن أبي الحكم » ، ولم يثبت عن أحد من أهل عصره أنهم خاطبوه بلقب التشويه ، وإنما ظهر ذلك في عصور لاحقة مع تصاعد الخطاب الشعوبي ..
- لعبة الألقاب في معركة الهوية !
ليست القضية لقباً عابراً ، وإنما هي جزء من منظومة شعوبية عميقة خططت بدهاء لإحلال رموز مزيَّفة مكان الأبطال الحقيقيين ، فاختلقوا بطولات لخصوم العرب ، وأسدلوا ستار السخرية والتقليل على رجالٍ كان لهم أثرٌ مشهود في حفظ كيان الدولة وبعث الإمبراطورية العربية ، فإن تسفيه عكرمة وتسميته بغير اسمه يدخل ضمن هذا السياق الذي دُبِّر بليل حيث تتقاطع دوافع الثأر التاريخي مع خطاب الموالي الذين سعوا إلى تحطيم الكبرياء العربي وتشويه صورته أمام الأجيال ..
لم يُعرف عن العرب يوماً أنهم تنكَّروا لأبنائهم إذا أخلصوا وتطهَّرت سيرتهم بل كانوا أهل وفاء واعتراف بالفضل ، وعكرمة بن أبي الحكم مثال على ذلك ، فقد تجاوز مرحلة المواجهة القديمة مع الدعوة النبوية ، واندمج في الصفوف الجديدة مشاركاً في بناء المرحلة التالية من تاريخ الأمَّة ، ومع ذلك لم ترضَ الشعوبية ودجاجلة حمراء الكوفة ومرتزقة البلاط العباسي أن يظل هذا الرجل عنواناً على الوفاء والبطولة والفداء ، فكان أن سلَّطوا عليه معاولهم ، وشوَّهوا اسمه ولقبه ليتحوَّل من رمز عزَّة إلى مادة استخفاف !
- نفس الخطاب الشعوبي يتكرر في كل مرحلة !
وما أشبه الأمس باليوم، فالشعوبية القديمة وإن اندثرت دولها وراياتها السوداء المشؤومة إلَّا أن خطابها لا يزال يطلُّ برأسه في ثوبٍ جديد هي ذات الأساليب في تشويه الرموز ، وقلب الحقائق ، وصناعة الألقاب المسيئة ، وتضخيم الأسماء الواهية على حساب أصحاب المواقف العظيمة إنهم يكرِّرون الحيلة نفسها ، ولكن في صياغات معاصرة ، فيستثمرون فيها الإعلام والمنابر والمناهج ، ليديموا جرح الأمَّة مفتوحاً ، ويجعلوا العرب غرباء في تاريخهم ، فالدفاع عن عكرمة بن أبي الحكم ليس دفاعاً عن رجل واحد بل هو دفاع عن هوية أمة وكرامة تاريخ ، ورفضٌ قاطع لأن يعبث الدخلاء برموزنا كما يشاؤون ، فإمَّا أن نصون أسماءنا ورجالنا من عبث الأقلام الشعوبية ، أو نُسلِّم لهم زمام وعينا ليقودونا نحو هاوية التبعية والذوبان !!



الأستاذ : وليد الزهراني


شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث