الخليفة أبو بكر الصديق .. خير الناس بعد الأنبياء والرسل
وأول المسلمين المصدقين، المدافعين، المناصرين لرسول الله ﷺ، وأول من بشر بالجنة، وأول الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين. كان وزير رسول الله ﷺ وصاحبه وصديقه وحبيبه وصهره، رفيقه في حله وترحاله، وأحب الناس إليه، وأوثقهم عنده في ماله ونفسه. الصديق العتيق، الأتقى الأواه، ثاني اثنين في كل أمر بعد النبي ﷺ: في الإسلام والإيمان، في الفضل والتقوى، في الصحبة والهجرة، في معية الله، وفي الدعوة والجهاد، وفي إمامة الصلاة وإمارة الحج وولاية أمر الأمة، حتى في جوار القبر. إنه سيدنا أبو بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة التيمي، صاحب رسول الله ﷺ وخليفته من بعده، وأعظم شخصية في الإسلام بعد النبي ﷺ. --- صفاته ومكانته عند النبي ﷺ كان أبو بكر -رضي الله عنه- رجلاً نحيفًا، أبيض اللون، بارز الجبهة، غائر العينين، دقيق الساقين، لكنه قوي الروح، شديد العزم، رحيمًا بالمؤمنين، شديدًا على أعداء الدين. وقد جمع بين اللين من غير ضعف، والقوة من غير شدة، فكان رحيمًا رفيقًا، ولكنه حازم صلب في أمر الله، لا تأخذه في الحق لومة لائم. ولولا هذا التوازن لما تمكن من تثبيت الأمة بعد وفاة النبي ﷺ. --- السبق والمكانة سبق الصديق غيره إلى الإيمان، فكان أول الرجال إسلامًا من غير تردد. لم يكن مجرد تابع، بل كان داعية مؤثرًا أسلم على يديه عدد من كبار الصحابة: عثمان، والزبير، وطلحة، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف وغيرهم. عرف بالصدق والعفة منذ الجاهلية، وبلغ مرتبة الصديقية بإيمانه وتصديقه وجهده وجهاده وإخلاصه في العمل، فلقبه النبي ﷺ بالصديق. في أُحد لما صعد النبي برفقة أبي بكر وعمر وعثمان، اهتز الجبل فقال ﷺ: «اثبت أُحد، إنما عليك نبي وصديق وشهيدان». وكان أحب الناس وأقربهم إلى قلبه، ورفيقه في الهجرة، مقدمًا نفسه فداء له. قال النبي ﷺ: «لو كنت متخذًا خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلاً». شهد مع النبي ﷺ جميع الغزوات والأحداث الكبرى، فلم يكن ليفارقه أبدًا، وكان وزيره الأول ومستشاره. قدّمه النبي ﷺ في أعظم الأمور، فجعل منه إمام المسلمين في الصلاة في حياته، وأمره على الحج. وقال ﷺ: «يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله»، ولم يكن أحد أقرأ ولا أعلم بكتاب الله من أبي بكر. وقال ﷺ مشيرًا إلى أحقيته بالخلافة: «ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر». -- مكانته وفضله كان أول من أسلم من الرجال، وأول من صدق النبي ﷺ، وبذل ماله كله في سبيل الله. قال النبي ﷺ:«ما نفعني مال قط مثل ما نفعني مال أبي بكر». بلغ من كرمه وإنفاقه أنه جاء يوم غزوة تبوك بكل ماله، فقال له النبي ﷺ: «ماذا تركت لأهلك؟» قال: «تركت لهم الله ورسوله». فقال عمر: «لا أسابقك إلى شيء أبدًا». كان محرر المستضعفين، فاشترى العبيد المعذبين وأعتقهم، ومنهم بلال بن رباح، حتى قال عمر: «أبو بكر سيدنا وأعتق سيدنا». -- منجزاته في خلافته رغم قصر مدة خلافته (سنتين وثلاثة أشهر)، إلا أنها كانت حاسمة في تاريخ الإسلام، ومن أبرز أعماله: 1. اختياره خليفة بإجماع الأمة: اجتمع المهاجرون والأنصار في سقيفة بني ساعدة بعد وفاة النبي ﷺ، فاتفقوا على بيعة أبي بكر الصديق رضي الله عنه، لما عرف به من فضل وسابقة. فانعقدت له الخلافة بالاجماع، فكان أول خليفة للمسلمين بعد نبيهم. 2. حرب الردة: قاتل المرتدين ومانعي الزكاة، وقال كلمته المشهورة: «والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة». 3. إرسال جيش أسامة بن زيد: أنفذ وصية النبي ﷺ رغم اعتراض البعض، فحقق الجيش نجاحًا كبيرًا. 4. قتال مسيلمة الكذاب: أرسل جيش خالد بن الوليد، فقتل مسيلمة في اليمامة. 5. جمع القرآن الكريم: أمر بجمع القرآن في مصحف واحد بعد استشهاد القراء في اليمامة، فكان من أعظم إنجازاته. 6. الفتوحات الإسلامية: حين تولى الخلافة لم يبق في الإسلام سوى مكة والمدينة والطائف، بينما ارتدت معظم جزيرة العرب. فبث العزم في الأمة، وسحق حركة الردة، وأعاد توحيد الجزيرة، ثم جهز الجيوش لفتح العراق والشام، فانتصر المسلمون ووضعت أسس الفتوحات الكبرى. -- زهده ونزاهته كان زاهدًا في الدنيا، نزيهًا عن المال العام. فرض له عطاء من بيت المال فلم يكفه، فخرج يعمل في أرض له، فلما علم الصحابة زادوا له من بيت المال. وعند وفاته أمر أن يرد ما كان ينتفع به من مال المسلمين، حتى الحلقة التي كان يشرب منها اللبن. -- وفاته ووصيته لما أحس بدنو أجله، رشح للخلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حرصًا على وحدة الأمة واستمرار نهج النبوة توفي في جمادى الآخرة سنة 13 هـ، ودفن بجوار النبي ﷺ، فكان رفيقه في الدنيا، وبقي رفيقه في القبر رحم الله أبا بكر الصديق ورضي عنه، فقد كان خير الرجال، وسيد الصحابة، وركن الإسلام بعد رسول الله ﷺ، وحارس الدين الأول الذي ثبّت أركانه وحفظ للأمة وحدتها وكتابها.الأستاذ الشيخ : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق