أمهات المؤمنين وثناء القرآن الكريم عليهن
إلى جانب الفضائل العامة الواردة في حق الصحابة في الكتاب العزيز، أفرد القرآن الكريم أمهات المؤمنين بآيات خاصة في الثناء والمدح، تدل على علو منزلتهن ورفعة قدرهن، وخصوصية مقامهن، وسمو دورهن في حياة النبي ﷺ ومسيرة الدعوة. أولًا: القرار القرآني بالأمومة {النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم وأزواجه أمهاتهم} تقرر هذه الآية منقبة عظيمة ومنزلة رفيعة لزوجاته ﷺ، حيث رفع الله مقامهن وجعلهن أمهات للمؤمنين في الفضل والبر والمحبة والنصرة والتوقير والاحترام، فضلًا عن شرف الصحبة. فكان اعتبار زوجات النبي ﷺ أمهات للمؤمنين وسام تكريم رباني، وتقديرًا لدورهن العظيم في مسيرة الرسالة. وهي أمومة روحية مرتبطة بالنبوة وولاية النبي العامة على المؤمنين والعصمة. ثانيًا: الدعوة إلى السمو والرفعة ومن مظاهر الثناء أن رفع الله شأنهن بالدعوة إلى الزهد والسمو، فخيرهن بين متاع الدنيا وزينتها وبين إرادة الله ورسوله والدار الآخرة، {يا أيها النبي قل لأزواجك…} فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فكان ذلك ذروة السمو وصدق الوفاء. ثالثًا: عظم المسؤولية المنزلة الرفيعة التي حظين بها أوجبت عليهن مسؤولية مضاعفة، فكان ثوابهن أعظم وعقابهن أشد، {يا نساء النبي من يأت منكن…} فالذنب إذا صدر منهن أُغلظ صيانة لمقامهن الرفيع، والطاعة إذا تحققت ضوعف أجرها. رابعًا: لسن كأحد من النساء {يا نساء النبي لستن كأحد من النساء…} إنه خطاب مباشر يفيد أنهن نلن شرفًا لم تنله امرأة على الأرض، وهو شرف الزوجية لرسول الله ﷺ، والوعد المشروط بالتقوى. ومن هنا يظهر أن الامتياز لم يكن قائمًا على النسب، بل على القيام بحقوق القرابة والإيمان والتقوى، وقد حققنه فعليًا في حياتهن وبعد وفاة النبي ﷺ، فصرن أسوة للمؤمنات، وصارت أسماؤهن علمًا في كل بيت. خامسًا: التطهير الإلهي ارتبط تشريف أمهات المؤمنين بتطهيرهن الإلهي، {إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرًا} تؤكد الآية إرادة الله في تطهير أزواج النبي ﷺ من كل ذنب وما يعيبهن، وهو امتداد لمنزلة الأمومة والاختيار الإلهي. التطهير لأهل البيت النبوي ليس مجرد منزلة معنوية، بل هو حماية لجناب الرسول ﷺ ومقام الدعوة وكمال العصمة، ويأتي كتكريم إلهي مباشر مرتبط بما سبق من اختيارهن ومنعهن من أن يكون عليهن ما يشين مقامهن في حياة الرسول ﷺ وبعد وفاته. سادسًا: شدة ارتباطهن بآيات الله، وتكليفهن بالذكر والتذكير {واذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة…} لقد شرف الله بيوتهن بأن صارت مهبط الوحي، ومنزل الآيات، ومحل تلاوة القرآن وتعليم الحكمة. أمرهن الله مباشرة بأن يذكرن عظيم النعمة وجليل الحالة التي تجري في بيوتهن من نزول الوحي ومجيء الملائكة، وبالحكمة أي السنة. إن بيوتهن صارت مدارس للوحي والسنة، وعليهن أن يذكرن ذلك ويُذكرن. سابعًا: استثنائهن من حد التعدد وتحريم طلاقهن ولما انتصر فيهن الخيار الرباني، كافأهن الله بأن أحلهن جميعًا للنبي ﷺ استثناءً من التعدد بأربع، {يا أيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك…} جبر الله قلوبهن جميعًا بأن يبقين في عصمته التسع. ثم رفع الله قدرهن وحرم على نبيه ﷺ الزواج عليهن أو طلاق أي منهن: {لا يحل لك النساء من بعد ولا أن تبدل بهن…} وقد توفي ﷺ وهن في عصمته جميعًا. ثامنًا: تحريم أذية النبي فيهن لم يقف الأمر عند اختيارهن لأمومة المؤمنين في حياة النبي ﷺ وتطهيرهن حماية للبيت النبوي ورفعة مقام النبوة، بل أكد الله حرمة نكاحهن صيانة لجناب الرسول ﷺ وحفظًا لحقه بعد موته، لكون الزوجية ما زالت قائمة، فهن لازلن زوجاته وسيبقين حتى يلقينه في الجنة، {وما كان لكم أن تؤذوا رسول الله ولا أن تنكحوا أزواجه من بعده …} فقد شرف الله تعالى أزواجه ﷺ في وجوب التعظيم والمبرة والإجلال والنصرة، وحرم نكاحهن، كونهن أزواجه ﷺ في الدنيا والآخرة، ولم تنقطع الزوجية بينه وبينهن. الخلاصة لا تعظيم يستحقه أحد من الناس في الدنيا بعد الأنبياء أوجب مما أوجبه الله تعالى من التعظيم لنساء النبيﷺ. فأوجب الله لهن حكم الأمومة على كل مسلم، هذا سوى حق إعظامهن بالصحبة كسائر الصحابة، مع خصوصية الملازمة والقرب من رسول الله ﷺ. هن أفضل الصحابة بدرجة، ثم فضلن بحق الأمومة، ثم باختيارهن الله ورسوله، ثم بمضاعفة الأجر في الطاعة. فحظهن أعلى الحظوظ كلها في الدنيا، ونلن في الآخرة أرفع الدرجات، إذ لا يتصور أن يحال بينه وبينهن في الجنة، وهن أزواجه فيها بيقين. مما سبق يتبين أن أمهات المؤمنين قد خصصهن القرآن الكريم بمنزلة فريدة، جمعت بين شرف الأمومة للمؤمنين، وشرف الصحبة لرسول الله ﷺ، وشرف الاختيار الإلهي، وشرف الزهد والسمو، والتطهير الرباني الكامل. وبهذا المقام اجتمع لهن ما لم يجتمع لغيرهن من النساء ولا من الصحابة، فرضي الله عنهن وأرضاهن.
الأستاذ الشيخ : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق