سلمان الفارسي حقيقة أم صناعة فارسية
الحمدلله والصلاة والسلام على نبينا العظيم محمد وعلى أزواجه أهل بيته الطاهرات العفيفات العظيمات أمهات المؤمنين وعلى صحابته المخلصين وكل من تبعهم وسار على نهجهم الى يوم الدين .. وبعد
إعلموا إخوتي أخواتي الكرام أن الإسلام التراثي ( التاريخ والحديث ) صناعة عباسية فارسية بإمتياز، وأن كل كتب التاريخ والحديث والمرويات كُتبت في فترة حكم الدولة العباسية التي يديرها الفرس من الداخل، فالدولة العباسية كان ظاهرها عربي وباطنها فارسي، فكان أغلب كُتّاب التاريخ والمحدثين يصنعون روايات واحاديث تعظم من شأن بني العباس والفرس. ولم يكتفوا بصناعة الأحاديث والمرويات فحسب، بل قاموا بصناعة شخصيات وحياكة قصص وأحداث حول هذه الشخصيات بطريقة مذهلة وعجيبة! على سبيل المثال .. قاموا بصناعة شخصيات اسطورية كالمهدي والدجال والسفياني والجسّاسة وغيرها، وقاموا أيضاً بصناعة شخصيات وهمية كصحابة أو تابعين ومُحدثين مثل شخصية سفينة خام الرسول على سبيل المثال ..
ولقد قاموا بصناعة أقفال ومتاهات ذهنية أمام كل حدث تاريخي مر على أمتنا حتى نشأت ثقافة مختلفة تماماً عن ثقافة العرب المسلمين في فهم الدين منذ نشأت دولتهم بقيادة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام وحتى زوال ونهاية الدولة الأموية العربية الإسلامية سنة 132 هــ على يد العباسيين وحلفاءهم الفرس .
لقد اراد الفرس صناعة جسر وهمي يربطهم بالإسلام وبالنبي عليه الصلاة والسلام، فقاموا بصناعة شخصية سلمان الفارسي، تلك الشخصية التي ظهرت فجأة ثم أختفت في زمن خلافة ابوبكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمان بن عفان رضي الله عنهم جميعاً!!
والسؤال المطروح : هل كان العرب الذين أذاقوا الفرس الويلات في حروبهم معهم بحاجة الى خبير عسكري يشير عليهم بحفر خندق حول المدينة ؟! هل كانوا العرب عاجزين الى هذه الدرجة ؟! وما الذي فعله سلمان لينال تزكية نبوية تضيفه الى اهل بيته ؟!
هل تعلمون أن جميع أحاديث الفضائل التي تخص سلمان الفارسي ضعيفة، بل حتى القصص الطويلة والإسطورية التي تحدثت عن رحلاته وبحثه عن الحقيقة مروراً بالكنائس حتى دله راهب نصراني ونصحه بالتوجه نحو بلاد العرب ليلتحق بالمسلمين.. كلها ضعيفة!
ومن ناحية أخرى لم يُألف الفرس وكهنة الشيعة أحاديث وفضائل في سيرة أحد كما ألفوا في سيرة سلمان الفارسي حتى بالغوا في عمره وحياته وتسللت بعض هذه الأساطير الى كتب السُنة وسوف أُبين ذلك بالتفصيل.
أحاديث لا تصح حول سلمان الفارسي
أولاً: حديث الثريا
روى البخاري عن أبي هريرة قال : كنا جلوساً عند النبي عليه الصلاة والسلام فأنزلت عليه سورة الجمعة ( وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) قال : قلت من هم يارسول الله؟ فلم يراجعه حتى سأل ثلاثاً. وفينا سلمان الفارسي، فوضع رسول الله صلى الله عليه وسلم يده على سلمان ثم قال : ( لو كان الإيمان بالثريا لناله رجال أو رجل من هؤلاء ).
المشكلة ان هذا الحديث موجود في كتابي البخاري ومسلم مع وجود القفل الفارسي والمقولة التي يُنكرها العقل والمنطق أن ( كل مافي البخاري ومسلم صحيح )
متن هذا الحديث متناقض مع الواقع والعقل، لأن ماضي الفرس معروف بالجهل والتخلف والهمجية، وكان الفرس من أكثر الشعوب التي تمارس السحر والشعوذة والإباحية وحاضرهم شاهد على ماضيهم، ومتن الحديث جاء بألفاظ مختلفة وقد ضعفه الترمذي بقوله ( غريب ) والحديث جاء مرة بلفظ ( الإيمان ) وفي لفظ آخر( العلم )! والحديث جاء في باب المناقب والفضائل، وهو مما يتساهل في سنده المحدثون جميعاً، وشروط مثل هذه الأحاديث ليست كشروط باب العقائد والأحكام.
الحديث رواه البخاري بسندين..
الأول : في سنده عبدالعزيز بن عبدالله.. قال عنه ابو حاتم الرازي : منكر الحديث، وقال عنه إبن حجر العسقلاني: منكر الحديث.
وفي السند أيضاً : أبو الغيث.. وهو مولى لعبدالله بن مطيع، وفي توثيقه لين ( تهذيب الكمال 180/10 ()
وفي السند أيضاً : ثور بن زيد الديلي، هو مولى لبني الديل بن بكر.. متهم بأنه قدري وخارجي وفي توثيقه لين ( تهذيب الكمال 417/4 ).
والحديث فيه أربع علل..
الأولى : الحديث من رواية الموالي في نصرة مولويتهم أي قوميتهم وعنصريتهم.
الثانية : مارواه يخالف عموم الآية الكريمة.
الثالثة : ما رووه يخالف الواقع؛ فالفرس يغلب عليهم الفساد إلا من رحم، يشهد بذلك واقعهم وتاريخهم المظلم، وهم من أفسد الأمم.
الرابعة : في السند رواة منهم منكر الحديث، ومنهم في توثيقه لين، وآخر متهم بالقدر والخروج.
السند الثاني.. في سنده عبد العزيز الدراوردي.. قال عنه ابن حبان : كان يخطئ، وقال عنه ابن حجر : صدوق يخطئ. وقال عنه النسائي : ليس بالقوي. وقال عنه أيضاً منكر. وقال عنه المغيرة بن عبدالرحمن : يلحن لحنا منكراً.
وللمزيد حول هذا الحديث انصح بقراءة كتاب : شقوق في جدار السُنة لفضيلة الدكتور المفكر : طه حامد الدليمي، فقد بين ضعف هذا الحديث وأمثاله وبتفصيل أكثر وبيان أوضح.
ثانياً : حديث ( سلمان منا أهل البيت )
روى الحديث الحاكم النيسابوري الشيعي في ( المستدرك ) والطبراني في ( المعجم الكبير ) من طريق كثير بن عبدالله المزني، عن ابيه، عن جده : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خط الخندق عام حرب الأحزاب، حتى بلغ المذاحج، فقطع لكل عشرة أربعين ذراعاً، فإحتج المهاجرون : سلمان منا، وقالت الأنصار : سلمان منا. فقال رسول الله ( سلمان منا أهل البيت ).
في سند الحديث : كثير بن عبد الله المزني..
قال عنه الذهبي ( الميزان 406/3 ): قال ابن معين : ليس بشيء. وقال الشافعي و ابو داود : ركن من أركان الكذب. وضرب احمد على حديثه. وقال الدارقطني وغيره : متروك الحديث. وقال ابو حاتم : ليس بالمتين. وقال النسائي : ليس بثقة. وقال إبن حبان : له عن أبيه عن جده نسخة موضوعة. وقد ضعفه العقيلي وذكر ان بعض العلماء كان يطرده من مجلسه. وضعفه الألباني أيضاً في ( ضعيف الجامع ).
أزعومة إشارة سلمان بحفر الخندق
رواية حفر الخندق بدون سند : قال الحافظ ابن حجر ( فتح الباري 392/7 ): وكان الذي أشار بذلك سلمان، فيما ذكر أصحاب المغازي، منهم أبو معشر، قال : قال سلمان للنبي عليه الصلاة والسلام إنا كنا بفارس إذا حوصرنا خندقنا علينا، فأمر النبي عليه الصلاة والسلام بحفر الخندق حول المدينة. فذكره ابن حجر ولم يسق له سنداً؛ فهو مرسل لا يصح.
وذكره ابن هشام ( سيرة ابن هشام 224/2 ) بدون إسناد حيث قال إن سلمان الفارسي أشار به على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
أبو معشر نجيح بن عبد الرحمن السندي : هو من موالي بني هاشم، وقد ضعفه الجمهور بألفاظ قاسية وقد أختلط. قال عنه البخاري : منكر الحديث. وكان يحيى لا يحدث عنه ويستضعفه جداً ويضحك إذا ذكره.
( تهذيب الكمال 322/29 ).
بإختصار رواية حفر الخندق مرسلة وبدون اسناد ولا تصح.
الإختلاف بعمر سلمان الفارسي
إحدى ابرز الشبهات حول حقيقة شخصية سلمان الفارسي هي الكلام حول عمر سلمان وكانت عن طريق فارسي اصفهاني شيعي إسمه : العباس بن يزيد البحراني. قال عنه ابو حاتم الرازي : صدوق. وقال عنه ابو حاتم السبتي : ربما أخطأ. وقال عنه ابن حجر : صدوق يخطئ. وقال عنه مسلمة بن القاسم الأندلسي : ضعيف الحديث. وقال عنه الدارقطني : ثقة ومرة تكلموا فيه. ولا حظوا الإضطراب الذي حصل بين ابن الجوزي من جهة ومن الذهبي من جهة أخرى..
قال الذهبي: قال الواقدي: مات سلمان في خلافة عثمان بالمدائن سنة ست وثلاثين وقيل سبع وثلاثين. وفي رواية أخرى أنه مات سنة ثلاث وثلاثين.
ثم نقل عن العباس بن يزيد البحراني أن سلمان عاش ثلاث مائة وخمسين سنة، فأما مائتان وخمسون فلا يشكون فيها...
وعلى هذا، فإن عمر سلمان حين توفي ثلاث مائة وخمسون سنة أو مائتان وخمسون أو بين هذا وذاك ولكن هذا أمر مستبعد جدا، فإن الذهبي رحمه الله تعالى شكك في أنه بلغ هذا العمر، ورجح أن عمره كان بضعا وسبعين أو فوق ذلك ولم يبلغ مائة سنة.
فقال معقبا على الرواية المذكورة، وقد فتشت فما ظفرت في سنه بشيء سوى قول البحراني، وذلك منقطع لا إسناد له، ومجموع أمره وأحواله وغزوه وهمته وتصرفه وسفه الجريد وأشياء مما تقدم ينبئ بأنه ليس بمعمر ولا هرم، فقد فارق وطنه وهو حدث، ولعله قدم الحجاز وله أربعون سنة أو أقل، فلم ينشب أن سمع بمبعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم هاجر، فلعله عاش بضعا وسبعين، وما أراه بلغ المائة.. وقد نقل طول عمره ابن الجوزي وغيره وما علمت في ذلك شيئا يركن إليه.
ثم عزز ما ذهب إليه بحديث رواه ابن أبي حاتم في العلل فقال: لما مرض سلمان خرج سعد من الكوفة يعوده فقدم فوافقه وهو يبكي فسلم وجلس وقال : ما يبكيك يا أخي؟ ألا تذكر صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ ألا تذكر المشاهد الصالحة؟ قال: والله ما يبكيني واحدة من اثنتين، ما أبكي حبا للدنيا، ولا كراهية للقاء الله، قال سعد: ما يبكيك بعد ثمانين؟ قال: يبكيني أن خليلي عهد إلي عهدا قال: ليكن بلاغ أحدكم من الدنيا كزاد الراكب، وإنا خشينا أنا قد تعدينا. قال أبو حاتم: وهذا يوضح لك أنه من أبناء الثمانين.
والحاصل أن رواية أنه عاش ثلاثمائة وخمسين غير صحيحة، والراجح أنه عاش حوالي ثمانين سنة…
- حتى هذه الرواية لم يوفقوا بها، لأنها جاءت بألفاظ مختلفة و زيادة ”الثمانين“ غير موجودة! أما هذه الرواية ففي سندها جعفر بن سليمان : قال عنه احمد بن عدي الجرجاني : حسن الحديث، معروف بالتشيع. وقال الأزدي : فيه تحامل على بعض السلف. وقال احمد : كان يتشيع وعامة احاديثه رقاق. وقال احمد بن سنان : أنا استثقل حديثه. وقال الجوجزاني : روى أحاديث منكرة. وقال ابن حجر : كان يتشيع. وقد ضعفه ابن القطان. وقال سليمان بن حرب الأزدي : لا يكتب حديثه. وقال ابن المديني : كتب مراسيل وفيها احاديث مناكير. وقال البخاري : كان أُمياً، يخالف في بعض حديثه. وقال محمد بن سعد : به ضعف وكان يتشيع. وقال محمد بن عمار الموصلي : ضعيف. وقال عنه يحيى بن سعيد القطان : كان لا يروى شيء عنه، وكان يستضعفه. وأختم بيزيد بن زريع العيني حيث قال عنه : من أتى جعفر بن سليمان الضبي وعبد الوارث التنوري فلا يقربني.
ولاحظوا أن الذهبي اعتمد كلام الواقدي، ومحمد بن عمر الواقدي مؤرخ شيعي كان يمارس التقية ويظهر تشيعه أحياناً وكان على اتصال مع يحيى البرمكي وكان ينفق عليه. قال عنه ابن المديني : عند الواقدي عشرون الف حديث لم أسمع بها، ثم قال : لا يُروى عنه. وقال الإمام احمد : الواقدي كذاب. وقال أبو داود : لا أكتب حديثه. وقال أبن معين : ليس بشيء. وقد ضعفه النسائي. وقال مسلم : متروك الحديث. وقال البخاري : ماعندي للواقدي حرف، وماعرفت من حديثه فلا أقنع به. وقال الخطيب البغدادي : مع سعة علمه إلا أنه لايحفظ من القرآن شيء. وقد أتهمه النسائي بوضع الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام.
إذاً.. سلمان الفارسي لايُعلم عن مولده شيء ومتى جاء. وقد اختلفوا في وفاته إختلاف مريب و اعتمدوا مرويات الشيعة. وجميع المرويات والأحاديث حوله موضوعة ومنها حديث ( سلمان منا أهل البيت ) و ( إشارة حفر الخندق ).
مُسند بَقي بن مُخلد
خَرّج بقي بن مخلد ستون حديثاً لسلمان الفارسي. ويبدو انه جمع تلك الأحاديث عندما ترك الأندلس ورحل الى المشرق وتحديداً بغداد. والمشكلة ليست بصحة أسانيد ومتون تلك الأحاديث بل المشكلة أن مسند بقي بن مخلد مفقود ولم يتم العثور على نسخة اصلية منه. وقد ذكر ذلك الشيخ الأردني حسن مشهور ال سلمان وهو احد تلاميذ الشيخ الألباني، وجوابه مسجل على موقعه الرسمي وأنقله كما هو..
الجواب : مسند بقيّ بن مخلد هو أكبر مسند موجود في الدنيا وهو مسند مفقود وقد ذكر بعضهم قبل أكثر من ثلاثين سنة أنه وجد له نسخة، وذكرت هذا في كتاب معجم المصنفات لمصنفات فتح الباري نقلاً عن ابن عقيل الظاهري في كتابه الأحكام .
الكتاب مفقود في فهرس آل البيت وهو أوسع فهرس في الدنيا فيما نعلم ، منه نسخة قطعة كبيرة في أفغانستان وهذه النسخة بحث عنها غير واحد من إخواننا فما وجدوها وذكروا منها قطعة فيما ذكر المباركفوري في مقدمة تحفة الأحوذي أن منه نسخة في مكتبة لايبزغ في ألمانيا وقد زارني بعض إخوانا المدنيين وهو من تلاميذ شيخنا الشيخ محمد الأنصاري مرسلاً إلى ألمانيا قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً يبحث عن مسند بقيّ بن مخلد، وذهبَ وجاءَ ولم يجِد شيئاً ، أخبرتني بعض الباحثات الألمانيات أن مخطوطات لايبزغ لازالت محفوظة في صناديق ونقلت إلى برلين بعد إتحاد الألمانيتين ، فمسند بقيّ بن مخلد عليه ضباب ، من قريب أشاعوا أن نسخة منه في تركيا وبعد فحص الخبر كان الخبر وهماً وسراباً .
الخلاصة ..
بدأت قصة سلمان الفارسي بشكل درامي لا مثيل لها، حيث أنه كلما جاء عند قسيس يقيم عنده فترة من الزمن ثم يمرض هذا القسيس و يحضره الموت ويوصيه ان يذهب الى القسيس الذي يليه، وكأنه الى الان لم يصل الى الدين الحقّ!! حتى يصل الى آخر قسيس فيقول له اذهب الى جزيرة العرب فإن هنالك نبي. والعجب ان هذا القسيس ينصح سلمان ان يذهب الى جزيرة العرب ويؤمن بالنبي محمد والقسيس يبقى على دينه!!
والطامة الكبرى هو عُمر سلمان الفارسي وتوهم ابن الجوزي والذهبي وابن حجر.
أما الأحاديث والروايات في فضائل سلمان لم يصح منها حديث واحد.
وكيف لهذا الخبير العسكري في الحروب وحفر الخنادق ان يختفي عن أهل الشورى في زمن أبي بكر وعمر وعثمان ثم يظهر في سوق الكوفة وهو يحيك السلال! ثم يُختلف على سَنة وفاته!
فهل شخصية سلمان الفارسي كشخصية سفينة خادم الرسول تلك الشخصية الوهمية؟! وكم شخصية صنع الفرس ومزوري التاريخ و دسوها في تاريخنا الذي كُتب بفترة مظلمة وهي فترة بني العباس غربان الخراب اصحاب الرايات السوداء؟!
أبوالحارث الدليمي







إرسال تعليق