من كنت مولاه؛ تأويل ام تمويه

الكاتب: مركز الفكر الرابع للدراسات والبحوث العلميةتاريخ النشر: آخر تحديث: وقت القراءة:
للقراءة
عدد الكلمات:
كلمة
عدد التعليقات: 0 تعليق

من كنت مولاه ؛ تأويل ام تمويه

التأويل السني العباسي للحديث المكذوب "من كنت مولاه فعلي مولاه"، بقولهم إن المقصود ولاء المحبة والنصرة لا الولاية والإمامة، لا ينفي الإشكال ولا يفند الغرض الذي وُضع الحديث لإثباته، بل يكرسه. إذ يمنح عليًا امتيازًا خاصًا في الولاء والنصرة مرتبطًا بولاء النبي ﷺ نفسه، ويجعل من تقدم عليه، أو من خالفه سياسيًا، أو حاربه في الفتنة، أو اختار الاعتزال، عاصيًا للنبي، متخلفًا عن نصرته، وخارجًا عن موالاته ومحبته. وإذا قيل لهم: إن تأويلكم هذا ـ وإن كان باسم "المحبة والنصرة" ـ يجعل الصحابة الذين اختلفوا معه في دائرة رفض نصرته ونقص محبته، إذ أن نصرته ومحبته من محبة رسول الله نفسه؛ قالوا : الخلاف معه كان سياسيًا ودنيويًا، وأن المحبة المقصودة هي محبة الإيمان لا المحبة السياسية. فنقول لهم: وهل النص استثنى المحبة السياسية والدنيوية؟! وهل كانت مولاتهم للنبي محبة إيمانية مجردة عن السياسة والطاعة العملية؟ إذا جاز لكم أن تجزئوا محبة علي بين دينية وسياسية، فلم لا تجيزون ذلك في حق النبي نفسه؟ وهل يعقل أن تكون المحبة ولاءً مجردًا عن النصرة؟ وهل يمكن لإنسان أن يقاتل غيره ويسفك دمه ثم يزعم أنه ما زال يحبه محبة دينية إيمانية صافية؟! إنما المعلوم بالضرورة أن القتال لا يكون إلا على بغض وانقطاع في الولاء، ومن يخرج عن النصرة يقينًا لا يكون في مقام المطيع المحب. فأي عقل يقبل تفريقًا باطلاً بين الولاء الديني والسياسي، وهم أنفسهم من يصرخون بأن "لا دين بلا سياسة ولا سياسة بلا دين"، فإذا جاء الأمر إلى هذا الحديث المعلول اخترعوا لأنفسهم هذا الشقاق الموهوم ليحموا به نصًّا لم يقله النبي ﷺ، ولم يعلمه الصحابة، ولم يعملوا به، ولم يحتج به علي نفسه قط. إذ أن هذا النص المفترى، سواء بمعناه الظاهر الذي قصده الوضاع أو بمعناه الباطني الذي ذهب إليه المتأولون، يتفق مع المفهوم الذي تقدمه الشيعة، القائل بأنه بمثابة وصية تجعل الولاء لعلي ونصرته في مقام الولاء والنصرة للنبي نفسه. وهو ما ينفيه أهل السنة الذين يدافعون عن صحة الحديث، بحجة أن هذا المفهوم لم يقل به علي ولا احتج به ولا تبادر لعلم الصحابة ولا عملوا به. والصحيح الذي كان يجب على أهل السنة قوله هو أن الحديث لا يصح، إذ لو كان صادرًا حقيقة عن النبي ﷺ لعلمه الصحابة جميعًا، ولما تخلف منهم أحد أو تردد في تنزيله على الواقع، ولاحتج به علي وطالب بمحبته ونصرته واتباعه كما لو أنه النبي بينهم، وهو ما لم يحدث لا علمًا ولا عملًا واحجاجًا. ولكنهم اختاروا إثبات صحة الحديث والإتيان بتأويل أقنعوا به أنفسهم، ولم يصرفوه عن الغرض الذي صنع لأجله. وعليه، يتبين أن الهدف من هذا التأويل لم يكن بيان المعنى الذي لا يغني، بل حماية الحديث — الذي وصفه البخاري بـ "النعيق" — من النقد والرد، دعمًا باطنيًا لادعاءات الشيعة وحراسة لقواعد خرافاتهم السلالية.


الأستاذ الشيخ : عبدالكريم عمران


شارك المقال لتنفع به غيرك

قد تُعجبك هذه المشاركات

إرسال تعليق

ليست هناك تعليقات

5530503018128628799

العلامات المرجعية

قائمة العلامات المرجعية فارغة ... قم بإضافة مقالاتك الآن

    البحث