جناية «الثقلين»
لم تكن مصيبة الأمة في تحريف معنى «أهل البيت» وصرفه إلى غير زوجات النبي ﷺ فحسب، بل في قبول الحديث المفترى، الذي صنع في الكوفة، وتبناه العباسيون، وحصنه الباطنيون، الحديث المشهور الذي رواه الترمذي وصححه الألباني:
«إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ولن يتفرقا حتى يردا علي الحوض…»
هذا الحديث، بكل ما فيه، كان بذرة الطغيان السلالي والسهم المسموم الذي غرس في جسد الأمة، ليؤسس لامتياز سلالي أبدي.
من لحظة قبول أن «القرآن + العترة» = الدين الكامل، بدأت الجناية الكبرى:
ادعوا الاصطفاء بالدم والنسب، والشراكة مع النبي ﷺ في النبوة، والولاية والإمامة، والعصمة لأئمتهم.
قدموا أنفسهم قرناء القرآن وبدلاء عن السنة، والمصدر الوحيد للمعرفة الشرعية.
زعموا أن معرفة الله وفهم القرآن لا تكون إلا بولايتهم وتفسيرهم، وأن علم الله ورسوله مودع عندهم حصريًا، ولا حاجة للصحابة أو العلماء الآخرين.
اتهموا الصحابة بعدم فهم الدين كما فهمته العترة، التي أوصى النبي ﷺ باتباعها وحدها.
ادعوا وراثة الكتاب والحكمة واحتكار تعليم القرآن وتفسيره، وحرفوا ما يشاءون بما يمنحهم امتيازات سلالية سلطوية ومالية واجتماعية أبدية.
مارسوا استعلاءً طبقياً باسم النقاء السلالي، معتبرين أن الاختلاط بهم يفسد الدين ويؤثر على التفوق الجيني.
كفروا مخالفيهم، واتهموهم بالزندقة والعداء للنبي ﷺ وأهل بيته حسب تعريفهم، ومنعوا الناس من قراءة وتعلّم القرآن وأخذ تفسيره إلا عبر «القرناء المدعين».
واليوم، الحوثيون في اليمن يمثلون امتداد هذا المشروع:
يسمون أنفسهم «السادة»،
يصفون مؤسسهم بـ «القرآن الناطق» وقادتهم بـ «أعلام الهدى» و«قرناء القرآن»،
يقاتلون باسم «ولاية العترة»،
يقدمون أنفسهم وكلاء لله وأوصياء على الناس في دينهم ودنياهم، والمتحدثين الوحيدين باسم الدين، والمختصين بتصديره،
أغلقوا مدارس التحفيظ ودور الحديث وحلقات التعليم في المساجد، ويلاحقون كل من يعلم القرآن خارج سلطانهم، مقتدين في كل ذلك بما زرعه هذا الحديث المزور.
---
لم تصب الأمة في دينها من السلاليين وحدهم، بل أيضًا من بعض علمائها الذين سهلوا الطريق — بحسن نية أو بسوء نية —، فسمحوا لهذا التحريف أن يتحول من رواية مفترى إلى مشروع سلطة وامتياز سلالي طبقي أبدي.
الأستاذ الشيخ : عبدالكريم عمران
إرسال تعليق